أحمد طنطاوى الله أكبر.. لقد انتقمنا للرسول ، هكذا هتف شريف وشقيقه سعيد كواشى الفرنسيان من أصول جزائرية، عندما فتحا أسلحتهما الرشاشة على مقر المجلة الفرنسيةالساخرة شارلى إبدو ، ظنا أنهما بذلك يدافعان عن الإسلام، ضد المجلة التى اشتهرت برسوماتها المسيئة للأديان بشكل عام، والرسول صلى الله عليه وسلم. الهجوم الإرهابى الدامى الذى أدى لمقتل 12 شخصا بينهما شرطيان قتلا خلال تبادل لإطلاق النار، وعشرة من طاقم المجلة، من بينهم رسام الكاريكاتير ستيفان شاربونييه رئيس تحرير المجلة الشهير بلقب (شارب) وأربعة من أبرز رسامى الكاريكاتير فيها، واصابة 11 آخرين، سيدفع ثمنه الجاليات المسلمة فى أوروبا بكاملها، حيث سترتفع وتيرة العداء للمسلمين، وسيزداد نشاط الحركات المعادية للإسلام فى أوروبا، واتفقت جميع الصحف العالمية على أن الجاليات المسلمة فى أوروبا هى الخاسر الأكبر من هذا الهجوم الإرهابى الذى أدانه العالم أجمع. " وقد أثبت الحادث صحة ما قاله سابقا الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى حذر فى كلمته بالأمم المتحدة من الإرهاب المتصاعد الذى سيطول الجميع، والذى تدعمه دول عديدة، كما حذر بشكل خاص الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند خلال الزيارة التى قام بها لفرنسا، من تلك العمليات الإرهابية، وأكد نفس الأمر خلال لقائه بوزير الدفاع الفرنسى. ورغم إدانة المنبر الإسلامى الأكبر ممثلا فى الأزهر الشريف للحادث فور وقوعه خرجت عدة تظاهرات تدين الحادث وحمل المتظاهرون لافتة سوداء كتب عليها انا شارب وهى الاشارة نفسها التى وضعها الموقع الاليكترونى للمجلة بعد الحادث. شارلى إبدو هى مجلة سياسية هزلية أسبوعية فرنسية تتميز بأسلوبها الهجائى الحاد وبنزعتها اليسارية واللاسلطوية واعتمدت المجلة هذا الاسلوب لسنوات للسخرية من كبار رجال الأعمال والقادة العسكريين والسياسيين المحافظين والشخصيات الدينية فى كثير من الأحيان بالشكل الذى يسبب الصدمة والإساءة، وعادة فإن هذا الأسلوب يبدو مقصودا، فأغلفة المجلة غالبا ماتثير الاستياء و الجدل، خاصة تعمد المجلة إبراز الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم)، والتى جعلت احد المتطرفين يقوم بألقاء قنابل حارقة على مقر المجلة فى نوفمبر عام 2011م بعد يوم من حمل غلاف المجلة صورة كاريكاتورية تسخر من الرسول (صلى الله عليه وسلم). ولم يكن هذا الحادث هو الأول أو الأخير ففى عام 2006 م، أعادت مجلة شارلى إبدو نشر الرسوم المسيئة للرسول (صلى الله عليه وسلم) والتى كانت قد نشرتها صحيفة يولاندس بوستن الدنماركية والتى فجرت موجات غضب إسلامية شديدة وصلت إلى استخدام العنف والقتل من جانب بعض المتشددين، قد انهالت التهديدات بالقتل على رسام الكاريكاتير الدنماركى كورت فيسترجارد الذى رسم هذه اللوحات والذى تم الاعتداء عليه عام 2010م، رغم أنه كان يعيش تحت حماية الشرطة، وقد رأى البعض أن نشر الرسوم هو استفزاز غير ضرورى للمسلمين، ودافع تشاربونييه عن توجه المجلة واختيار إعادة نشر الصور قائلا كان ذلك ضمانا وحماية لحرية التعبير !! (لم يكن للمجلة تداول كبير جدا)، هذه الجملة كتبها موقع البى بى سى أسفل صورة كبيرة لشارب فى مقال تم نشره على الموقع يوم الحادث تحت عنوان تشارلى إبدو ومكانتها فى الصحافة الفرنسية ووصف مراسل بى بى سى (هيو سكوفيلد) فى باريس تشارلى إبدو بأنها تنتهج تقليد يجمع بين التطرف اليسارى مع السخرية الاستفزازية التى قد تصل إلى حدود البذاءة ، فالمجلة الساخرة لم تحقق توزيعا كبيرا خلال سنوات كما توقفت فترة بسبب نقص الموارد، وبعيدا عن فكرة إهانة الأديان والرموز الدينية والشخصيات السياسية البارزة تعتمد المجلة على أبراز الأفكار ذات الإشارات الجنسية بشكل كبير، كما تهتم أيضا وبشكل مبالغ فيه على الفضائح الجنسية وتتناولها بشكل جرىء وصادم. وهنا يقف البعض حائرا عند نقطة خلافية كبرى حول احترام الآخر وحرية الصحافة و الاعلام إلى ايهما ننحاز ..؟ فهل نفتح الباب لحرية التعبير إلى درجة الاهانة والتجريح والاساءة للمقدسات الدينية وعدم احترام حرية الاعتقاد للحفاظ على الحق فى حرية التعبير، أم نغلق الباب بقسوة أمام استغلال حرية الرأى والتعبير بدعوى الحفاظ على المقدسات الدينية سؤال ليس الأخير فى سلسلسة تساؤلات اضافها الحادث. وعلى الرغم من أن شارب قال اننا ننتقد شكل واحد فقط من الإسلام هو الإسلام المتطرف، وإن كان ذلك يحدث فى شكلاً واحدًا ومبالغ فيه أو بشكل هجائى، اننا نمارس فقط حقنا فى حرية التعبير فى الحدود القانونية ،إلا أن أغلفة المجلة ورسوماتها الكاريكاتورية كانت تؤكد على توجه قوى وعنيف فى توجيه النقد للدين الإسلامى وربطه بالتطرف والمتطرفين ووصمه بالعديد من الصفات المسيئة بشكل بدا وكأنه متعمد لإثارة استياء وغضب المسلمين واثارة حفيظتهم، وأضاف شارب إذا كنا نخشى من عواقب كل من الرسومات لدينا فى كل ما نتناوله من قضايا كان سيجب علينا إغلاق المجلة منذ وقت طويل . يذكر أن شريف كواشى –المتهم الأول فى تلك العملية الإرهابية - جهادى معروف لدى أجهزة مكافحة الإرهاب الفرنسية، وهو مولود فى باريس ولقبه أبو حسن ، وانتمى إلى شبكة كانت مهمتها إرسال مقاتلين إلى العراق للانضمام إلى فرع القاعدة هناك، الذى كان يومها بزعامة أبو مصعب الزرقاوى، واعتقل شريف قبل توجهه إلى سوريا ثم إلى العراق، ومثل للمحاكمة عام 2008 حيث حكم عليه بالسجن 3 سنوات، منها 18 شهرا مع وقف التنفيذ، وبعد عامين، ورد اسمه فى محاولة لتهريب المتشدد إسماعيل عيط على بلقاسم من السجن.