لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم علي الطائفية، وتعتمد في نظامها السياسي علي توزيع السلطات بها علي الطوائف الثماني عشر التي يتكون منها النسيج اللبناني، فالسلطة التشريعية يتولي فيها مجلس النواب سن القوانين في البلاد وفقا للدستور ويتكون من 128 نائبا يتم انتخابهم عبر الشعب كل 4 سنوات ويراعي فيه توزيع النسب بالتساوي بين الطوائف المختلفة، ومن خلال النواب يتم انتخاب رئيسا للمجلس ونائبا له، ثم تأتي السلطة التنفيذية ويمثلها رئيس الجمهورية الذي يعتبر القائد الأعلي للقوات المسلحة بجانب الحكومة التي يرأسها رئيس الجمهورية الذي يعتبر رئيس السلطات ويتم انتخابه عن طريق نواب البرلمان لمدة 6 سنوات غير قابلة للتجديد ويخول إليه تعيين رئيس الحكومة بناء علي استشارات نيابية ملزمة، وقد أنشأ هذا المنصب لأول مرة أثناء الانتداب الفرنسي عام 1926 ولم يقر الدستور اللبناني في حينه تحديد ديانة رئيس الجمهورية، إلا أنه قد اتفق في الميثاق الوطني الموقع عام 1943 أن يتولي هذا المنصب ماروني، وقد حكم لبنان 22 رئيس منهم 10 رؤساء قبل الاستقلال في نوفمبر 1943، و12 رئيس منذ الاستقلال عام 1943 بما فيهم الرئيس الحالي ميشيل سليمان الذي انتهت ولايته في 25 مايو 2014، ومنذ هذا التاريخ ومنصب الرئاسة شاغرا وتقوم الحكومة اللبنانية الآن مقام الرئاسة وبوضع مشابه لسبتمبر عام 1988 وحتي 1990 عندما أوكلت المهام الرئاسية إلي الحكومة العسكرية بقيادة ميشيل عون مرة، والحكومة المدنية برئاسة سليم الحص في المرة الثانية، وحسب الدستور فإنه جري العرف بأن يكون رئيس الدولة من الطائفة المارونية، وأن يكون رئيس المجلس النيابي من المسلمين الشيعة، ورئيس الحكومة من المسلمين السنة، ثم السلطة القضائية وهي سلطة مستقلة في لبنان ولديها مجلس أعلي ومستويات مختلفة من المحاكم ثم المجلس الدستوري الذي يصدر الأحكام المتعلقة بتفسير الدستور والبت في الطعون الانتخابية، كما توجد محاكم دينية للفصل في قضايا الأحوال الشخصية المتعلقة بالطوائف الدينية المختلفة، ومنذ انتهاء الفترة الرئاسية للرئيس العماد ميشيل سليمان ولبنان يمر بأسوأ أزمة سياسية منذ تاريخه فما هي أسباب تلك الأزمة وهذا التخبط الذي يعيشه لبنان الآن؟ لا شك أن الحالة التي وصل إليها اللبنانيون يرسي لها بسبب الأحداث السياسية الخطيرة التي تحدث داخل لبنان وما يحيط به من أحداث جسام بسبب انتشار الجماعات الإرهابية في دول الجوار المتاخم لحدود لبنان وبخاصة داعش وأخواتها في سوريا والعراق وتهديد لبنان وجيشه الآن, ثم ودخول حزب لله في هذا المعترك مع النظام السوري ضد التنظيمات الإرهابية والمعارضة السورية من جهة، والصراع اللبناني الإسرائيلي من جهة أخري، وهي أحداث يمكن أن تؤثر علي وحدة لبنان وسلامة أرضه وأمنه واستقلاله، فالحالة الداخلية التي آل إليها لبنان تعتبر كارثية ولا يعرف الأسباب الحقيقية التي أدت لها برغم الكثير من التكهنات السياسية، ولكن ما هو واضح للعيان الآن هو فشل المجلس النيابي في اختيار رئيس للبلاد رغم اجتماعه لمرات عديدة في التصويت علي انتخابه وهو الأمر المؤسف حقا لأنه لا يجوز لكل لبناني ونيابي حر ووطني أن يتأخر في الذهاب إلي مجلس النواب وهو ما يحدث الآن عمدا من جانب اغلب النواب بهدف عدم اكتمال النصاب القانوني وهو ثلثي المجلس لانتخاب الرئيس وهو ما يعكس الشقاق والانقسام بين الكتل النيابية التي تفضل مصالحها الضيقة وتناحرها علي السلطة لفرض قوتها علي مصالح الوطن العليا وهو السيناريو الذي يتكرر عبر كل الجلسات التي شاهدناها الأمر الذي جعل البلاد بلا رئيس مما دفع بالمجلس النيابي للتجديد لنفسه مرتين ودون إجراء انتخابات برلمانية بما يخالف الدستور خوفا من الفراغ السياسي وانهيار الدولة اللبنانية وسحبها إلي المجهول كما صرح بذالك مؤخرا سعد الحريري رئيس تيار المستقبل مما دفع بالحكومة اللبنانية مجتمعة برئاسة تمام سلام القيام بمهام الرئاسة لحين انتخاب الرئيس وهو الأمر الذي لا يبدو واضحا في الأفق القريب علي الإطلاق، يحدث ذلك بسبب التكتلات والقوي السياسية المتعالية علي بعضها البعض وهي من عائلات ورموز قديمة وغيرها دخل اللعبة السياسية مستحدثا, بجانب الطائفية التي تقف لبعضها بالمرصاد وتفضيل أحدها لمرشح علي آخر وبخاصة الاختلاف العاصف حول مرشحين اثنين من نفس الطائفة وهما العماد ميشيل عون، وسمير جعجع ومن حولهما يوجد الفرقاء من الكتل السياسية والدينية والأحزاب اللبنانية وعلي رأسهما تيار المستقبل وحزب لله بزعامة السيد حسن نصر لله وهو ما يؤثر سلبا علي مجمل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في لبنان، ويري المحللون السياسيون أن الأسباب القابعة وراء تنفيذ الاستحقاق الرئاسي تعود إلي ضعف المجلس النيابي الحالي المصاب بالعطب لأنه لا يعكس الصورة الحقيقية لواقع التمثيل النيابي الأمر الذي خلق الصراع السياسي والمذهبي مما أدي إلي إنتاج رئيس مجلس نواب يمثل زعامة طائفته فقط، وإنتاج رئيس حكومة يمثل زعامة طائفته أيضا الأمر الذي أدي إلي وجود رئيس جمهورية في وضع هش ويتم التدخل في سلطاته من جانب الرموز والكتل السياسية وهو أمر لا يمكنه من الاستقلال في إدارة البلاد وتأمين الصورة الصحيحة للتعايش والشراكة الوطنية التي تميز بها لبنان من قبل، الأمر الذي دفع بأقوي الكتل السياسية الامتناع عن حضور الجلسات مما دفع بمجلس النواب للتمديد لنفسه لوضع العراقيل أمام صدور قانون انتخابي جديد يساعد علي حل تلك الأزمة، ولغياب هذا التوافق أدي ذالك إلي تفاقم الأزمة السياسية وبالتالي الاقتصادية واحتقان الصراع المذهبي وتراجع دور مؤسسات الدولة ومنها دور المؤسسة العسكرية والأمنية وضعفها الحالي أمام وجود التنظيمات التكفيرية بالمنطقة، إن الهوة تزداد بين الفرقاء يوما بعد الآخر مما يؤخر تجاوز لبنان لتلك الأزمة، ورغم دعوة كتلة تيار المستقبل للاجتماع بكتلة حسن نصر الله فإنها دعوة مقيدة ومرتبطة بشروط يضعها حزب الله مقدما ومنها أن يكون المرشح الرئاسي هو العماد ميشيل عون رئيس التيار الوطني الحر هذا في الوقت الذي يري فيه حسن نصر الله أن أزمة الرئاسة لن تحل إلا من خلال الحوار والتواصل بين الفر قاء وليس بالرهان علي متغيرات إقليمية ودولية، يحدث ذلك في الوقت الذي تتشنج فيه القوي الأخري والتي تتبادل التهم فيما بينها وتحميل كلاها للآخر مسئولية فراغ مؤسسة الرئاسة في لبنان، فالانتخابات النيابية الآن معطلة ومرهونة بالانتخابات الرئاسية، في حين يري بعض المحللين السياسيين أن القوي السياسية في لبنان تتحمل كلها مسئولية ذلك في الوقت الذي يري فيه آخرون بأن مشكلة انتخاب الرئيس ليست مشكلة لبنانية ولكنها دولية وإقليمية وتعود لاعتبارات مختلفة، كما يري آخرون أن حالة الانقسام مردها إلي ما يحدث خارج لبنان وينعكس علي المؤسسات الدستورية ودليل ذلك هو انتشار مرض الطائفية في لبنان وهو الأمر الذي نراه ينسحب علي ما يحدث في الكثير من البلدان العربية، ومع هذا وذاك تظل لبنان غير مستقرة لأنها بلا رئيس ولا برلمان قائم علي الشرعية مع مزواجة في تدخل الكتل والرموز السياسية في اختصاص السلطات وإصدار القرارات بما يخالف الدستور الأمر الذي انعكس سلبا علي الدولة اللبنانية ويؤخر عودتها إلي محيطها العربي والدولي قوية وأبية كسابق عهدها.