عندما تتقاطع الخطوط وتتشابك الخيوط في لبنان تتجه الأبصار صوب ضاحية "بكركي" في بيروت حيث رأس الطائفة المارونية البطريرك مار نصر الله صفير. ورغم ازدحام المشهد السياسي اللبناني حاليا بشخصيات من كل طيف ولون يظل نصر الله صفير بطريرك الطائفة المارونية التي منحها الدستور اللبناني منصب رئاسة الجمهورية الشخصية الأبرز والأقدر علي حل التناقضات وتهدئة الخلافات سواء داخل تيارات الطائفة المارونية أو في المشهد اللبناني برمته. والحقيقة أن الدور الذي يلعبه صفير علي المسرح اللبناني هو تأكيد لخصوصية الشأن اللبناني وتشابك خيوطه وتناقض تياراته المختلفة. فالرجل يجلس علي قمة الكنيسة الأكبر في لبنان والمبدأ المسيحي الأشهر يقول "اعط مالقيصر لقيصر وما لله لله" في إشارة واضحة إلي الفصل التام بين الدين والسياسة. ولكن البطريرك الماروني يظل رقما حاضرا بقوة في المعادلة السياسية اللبنانية فلا يمر ضيف أجنبي معني بالشأن السياسي علي لبنان دون أن يزور البطريرك في مقره ببكركي. ولا تجري انتخابات ولا مشاورات سياسية بين الفرقاء اللبنانيين إلا وكان مار نصر الله صفير حاضرا فيها. وإذا كان اللبنانيون يرفعون الآن شعار "لا صوت يعلو علي صوت الاستحقاق الرئاسي" بعد أن حل موعد انتخاب رئيس جديد للبنان يخلف الرئيس الحالي أميل لحود فإن التحركات كلها تقول إن نصر الله صفير هو "صانع الملوك" بفضل دوره المؤثر في اختيار المرشح الأوفر حظا لتولي رئاسة لبنان من بين أبناء الطائفة المارونية. ومهما يكن الأمر فإن البطريرك الماروني المولود عام 1920 في بلدة ريفون بقضاء كسروان بلبنان نجح كثيرا في الحد من الخلافات بين أبناء الطائفة المارونية علي مدي عقود حتي قبل توليه منصبه الرفيع عام 1986. فمنذ أن التحق رأس الكنيسة المارونية في لبنان بكنيسته تولي العديد من الملفات الساخنة سواء علي صعيد الخلافات المارونية أو بين الموارنة وباقي الطوائف اللبنانية. ويزداد دور البطريرك نصر الله صفير في اللحظة الراهنة بعد أن وصلت الخلافات بين الفرقاء في لبنان سواء علي مستوي الطائفة المارونية أو علي مستوي التيارات السياسية والطائفية اللبنانية ككل. فخلال الأيام القليلة الماضية توافد علي مقر البطريرك قادة الموارنة من التيارات المتصارعة فزاره سمير جعجع ومعه الرئيس اللبناني أمين الجميل ومعهما مرشحا الرئاسة المنتمان لمعسكرهما المناوئ لسوريا بطرس حرب ونسيب لحود. كما زاره مرشح المعارضة الجنرال ميشال عون ومعه الوزير السابق المقرب من سوريا سليمان فرنجية. وفي عبارة تجسد حجم النفوذ الذي يتمتع به صفير قال أمين الجميل "ناقشنا العديد من الأفكار وهي الآن في عهدة البطريرك". ثم قال عضو مجلس النواب عن كتلة التنمية والتحرير "المعارضة" ميشال موسي " إن هناك خطوات سيتم اتخاذها فيما يتعلق بانتخابات الرئاسة ""لكن علينا ان ننتظر القرار الذي سوف يتخذه البطريرك" من أجل دعوة قيادات الطائفة المارونية لمناقشة الأمر. والحقيقة التي يتفق عليها أغلب المراقبين هي أن البطريرك الماروني يلعب دائما دورا إيجابيا من أجل التهدئة وتوحيد الصفوف ربما لإدراكه بحكم دراسته للفلسفة ومسيرته الطويلة في العمل الديني المغلف بالسياسة أن الجميع خاسر إذا ما تحول الخلاف إلي صدام وتحولت التناقضات السياسية إلي مواجهات عسكرية. وعندما تحدث البطريرك الماروني امام وفد من نادي الصحافة عن الانتخابات الرئاسية، فقال: هناك صعوبات كثيرة... ولا يمكننا ان نيأس.. فليس من مصلحة احد في لبنان الا يتم انتخاب الرئيس في موعده. وإذا لم يتم ذلك فان الامور لن تكون بسهولة في مكان'. إذن فكل من يشارك في سباق الرئاسة من بطرس حرب إلي ميشال عون يدرك أن البطريرك مازال "صانع الحكام" والقادر علي ترجيح كفة أحد المرشحين علي الآخر وإن كان الرجل حريصا في كل الأحوال علي ترجيح كفة من يتوافق عليه الجميع.