اُختتم أعمال 'ملتقي القاهرة الدولي الخامس للإبداع الروائي العربي' بإعلان فوز الأديب الليبي إبراهيم الكوني بجائزة الملتقي وقيمتها 100 ألف جنيه مصري 'نحو 18 ألف دولار'. وأعلن الكوني تبرعه بقيمة الجائزة لمصلحة أطفال الطوارق في دولتي النيجر ومالي، مشيراً إلي أنه كان فعل شيئاً مماثلاً عند فوزه بجائزة الصداقة العربية الفرنسية عام 2002. وسبق أن فاز بالجائزة نفسها، التي يمنحها المجلس الأعلي المصري للثقافة، عبدالرحمن منيف وصنع الله إبراهيم، الذي رفض تسلمها، احتجاجاً علي سياسات النظام المصري، والطيب صالح، وإدوار الخراط. واستهل الكوني كلمة ألقاها في المناسبة في حضور وزير الثقافة المصري فاروق حسني وحشد من الأدباء والنقاد العرب، بالاستشهاد بوصية لحكيم مصري وردت في 'كتاب الموتي' الشهير: 'قدر الإنسان في هذه الدنيا ألا يذوق طعماً للسعادة ما لم تكن ممزوجة بنصيب من الكآبة'. وأضاف: 'إذا كان الإبداع خياراً وجودياً فإنه خيار مجبول بروح رسالية... قدر مكبل بالكآبة التي ندفعها ثمناً للكنز الوحيد الذي يجعل من الموت ميلاداً. ذلك الكنز هو الحرية'. وتألفت لجنة التحكيم التي منحت الكوني الجائزة من الناقد الأردني محمد شاهين رئيساً، وإبراهيم فتحي وحسين حمودة من مصر، وصبحي حديدي من سورية وعبدالحميد المحادين من البحرين وعبدالرحيم علام من المغرب ولطيف زيتوني من لبنان. وقرأ صبحي حديدي علي الحضور في المسرح الصغير في دار أوبرا القاهرة تقرير اللجنة، موضحاً أن أعضاءها قرأوا أعمال 23 روائياً وروائية من مختلف البلدان العربية، وكان معيارها 'القيمة الفنية والعمق الجمالي والإنساني ومقدار الإسهام في تطوير الرواية العربية'، وبعد عمليات اقتراع سرية علي مدي خمس جلسات انتهت إلي الاتفاق علي منح الكوني الجائزة. وقال حديدي إن اللجنة 'ثمَنت انشغال الكوني بتطوير مشروع روائي طموح وأصيل يقوم علي استنطاق فضاء الصحراء ويبلغ درجة رفيعة من المزج البارع بين المحسوس والرمزي وتوظيف الخرافة الشعبية'. ولاحظ التقرير أن الكوني اقترح أنثروبولوجيا سردية مركبة، ووفية للبشر والشجر والحجر، تفادت الوقوع في إغواء تنميط الصحراء علي مدي 45 عملاً أدبياً ما بين الرواية والقصة القصيرة وغيرها من النصوص التي انطوت علي لغة بالغة الثراء والحيوية وتجريب جسور'. وكانت استمرت أعمال الملتقي الذي يعقد بالتبادل مع ملتقيين آخرين، أحدهما للشعر والآخر للقصة القصيرة، مدة أربعة أيام تحت عنوان 'الرواية العربية إلي أين؟' وشارك فيه أدباء وباحثون من العراق، الأردن، عُمان، موريتانيا، الإمارات، المغرب، الكويت، فلسطين، البحرين، لبنان، ليبيا، السودان، السعودية، قطر، الجزائر، سورية، تونس، إضافة إلي مستعربين من الولاياتالمتحدة الأميركية وإيطاليا. واشتمل الملتقي علي 18 جلسة عمل، و6 موائد مستديرة. وواكبه إصدار مطبوعات عدة في مقدمها العدد الثالث من 'دورية نجيب محفوظ' تحت عنوان 'التاريخ والزمن'. رئيس تحرير هذه الدورية الناقد جابر عصفور خصص مفتتح العدد للحديث مجدداً عن 'زمن الرواية' ليوضح أن هذا المصطلح يشمل بالضرورة 'زمن القصة القصيرة' الذي ينجم عنه ويصاحبه. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا نستخدم صيغة 'زمن الرواية'، بدلاً من 'زمن السرد' أو حتي 'زمن القص'؟ يسأل عصفور ثم يجيب بقوله: 'المبرر هو أني استخدم زمن الرواية علي سبيل المجاز المرسل للدلالة بالأكبر علي الأصغر وبالأصل علي الفرع وبالأشهر علي الأقل شهرة'. وأصدر الملتقي لعصفور الذي حالت وعكة صحية دون حضوره الجلسة الختامية، كتابه 'نجيب محفوظ الرمز والقيمة' في طبعة خاصة لمناسبة انطلاق 'عام نجيب محفوظ'، الذي يواكب مرور مئة عام علي ميلاد صاحب رواية 'أولاد حارتنا'. وهذا الكتاب سبق أن أصدرته 'جائزة القذافي العالمية للأدب'، بالتعاون مع الدار المصرية اللبنانية في القاهرة، لمناسبة فوز عصفور فاز بتلك الجائزة في دورتها الأولي. وأصدر ملتقي القاهرة للإبداع الروائي أيضاً كتاب 'رحلة عمر مع نجيب محفوظ' ليوسف الشاروني، وكتاب الناقد المصري محمود الضبع 'الرواية الجديدة... قراءة في المشهد العربي المعاصر'، وكتاب 'الواقعية السحرية في الرواية العربية' للناقد المصري حامد أبو أحمد، وكتاب 'مسرحة الرواية' للباحثة المصرية أسماء يحيي الطاهر، وهي ابنة الكاتب المصري الراحل يحيي الطاهر عبدالله. طغت الشكوي من ظاهرة 'البست سلر'، علي مداخلات المشاركين في كثير من جلسات الملتقي، في غياب كُتاب تندرج أعمالهم ضمن 'الأكثر مبيعاً' مثل علاء الأسواني وأحلام مستغانمي، فيما اشتكي آخرون من 'انحسار القراءة' و 'استغلال الناشرين'. الكاتبة الفلسطينية سحر خليفة عبرت في هذا السياق عن دهشتها من أن الطبعة الواحدة لعمل لنجيب محفوظ تكون في حدود ثلاثة آلاف نسخة وتحتاج من 3 إلي 4 سنوات لتوزيعها. وقالت الناقدة المصرية شيرين أبو النجا إنها لا تفهم سبب رواج روايات بعينها مثل 'عمارة يعقوبيان' للأسواني، و 'نسيان دوت كوم' لمستغانمي، سوي أن الإبداع 'تحول إلي سلعة'. ومن جانبه شكك الروائي السعودي يوسف المحيميد في صحة الأرقام المعلنة لتوزيع الكتب العربية الرائجة، ولاحظ أن الناشرين العرب تحولوا إلي 'مجرد وسطاء' بين الكاتب والمطبعة، وقال إن ما تقاضاه من دار أميركية عن نشر كتاب واحد له يعادل ثلاثة أضعاف ما تقاضاه من ناشرين عرب نشروا له أربع مجموعات قصصية وخمس روايات حتي الآن. وقال المحيميد أيضاً إنه لم يتقاض من 'دار الساقي' أية أموال عن الأعمال التي نشرتها له منذ عام 2003 حتي الآن. الكاتب السوداني أمير تاج السر، صاحب رواية 'صائد اليرقات' المدرجة ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر للرواية العربية في دورتها الحالية، حكي تجربة اضطراره إلي نشر روايته الأولي علي نفقته الخاصة في القاهرة بعدما فشل في أن يجد ناشراً يتحمس لها، ولاحظ أنه خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة 'لم تعد الكتابة الروائية وقفاً علي أشخاص معينين، اعتبروا مصابين بجرثومة الكتابة يحملون إرهاقها ولا يستطيعون منها فكاكاً. لقد تحولت كتابة الرواية في الواقع إلي موضة يمكن أن تمارسها حتي ربات البيوت وهن يعملن في طهو الطعام وغسل الملابس. يمارسها عمال ترميم الشوارع وهم يردمون الحفر. ويمكن أن تعثر علي خادمة تغلق حجرتها في الليل وتجلس تكتب رواية'. هذا 'الهوس بكتابة الرواية' يرجعه تاج السر إلي 'الفراغ القاتل الذي تعيشه الأجيال الجديدة، وانتشار دور النشر بطريقة مرعبة، والنشر الالكتروني الذي يستوعب كل شيء بلا رقابة وبلا تدقيق'. ورأي أن المشكلة الآن تكمن في أن الكاتب الجيد لا يعثر علي متلق جيد، ما دام القراء يشترون الكتب ويحاولون قراءتها ولا يستطيعون، ومن ثم أتوقع فرار قراء الرواية كما فر قراء الشعر من قبل'. وتوقفت الكاتبة السعودية بدرية البشر عند 'الانفجار الروائي' الذي شهدته السعودية خلال السنوات الخمس الأخيرة، ورأت أن 'الكتابة المزاجية تغلب عليه، ويحتاج ليدخل في مرحلة الاحترافية ويتطور وأن يستنير بضوء الوعي النقدي، خصوصاً أن الرواية السعودية لم تحظ بتاريخ طبيعي لظهور الرواية الكلاسيكية المحلية ولا التجريبية'. الكاتب السعودي يحيي امقاسم صاحب رواية 'ساق الغراب' لاحظ أن الرواية العربية عموماً تجاوزت كتابة الحكاية إلي كتابة الوعي، وعرض الأسئلة الكبري في مجتمع عربي تنوعت جغرافيته ونوازع حركته، وتعددت أوجه بلورته من حدود إلي حدود، ومن سماء إلي سماء. واستشهد امقاسم في هذا الصدد، علي سبيل المثل بأعمال نجيب محفوظ وعبدالرحمن منيف والطيب صالح وابراهيم الكوني وإسماعيل فهد إسماعيل وواسيني الأعرج وجمال الغيطاني وإبراهيم أصلان ورجاء عالم وعبده خال. ولاحظ الروائي اللبناني حسن داوود أن مسار الرواية العربية الراهن 'يبدو فيه الروائيون العرب وكأنهم افترقوا عن التيارات السائدة في الرواية العالمية. لم نعد نلحق بما يُكتب هناك في البلدان التي نعتبرها رائدة هذا الفن ومجددته. ربما يرجع افتراقنا ذاك إلي أننا لم نعد في زمن سيادة الايديولوجيات والتيارات المهيمنة التي امتازت بها سابقا الثقافة الأوروبية علي وجه الخصوص، بل في زمن التنوع والتفلت، حيث لا نجد الآن تيارا أدبياً طاغياً'. وذهب الكاتب السوري خليل صويلح إلي أن الوعاء الروائي يستوعب مزج مواد خام مختلفة وإعادة تدويرها بلاغياً، وتالياً فإن أي مفردة حياتية أو مقطع من حياة سيجد مكانه في الجدارية الروائية التي لن تكتمل أبداً إلا بإرادة السارد، وقد تبقي مفتوحة بوصفها موقفاً آنياً، لكن ما مصير الحكاية التي هي جوهر الشغف الروائي؟'. واعتبر خليل النعيمي أن 'الرواية لا شكل لها. العمل الروائي معرفة وحرية'، فيما اعتبر رشيد الضعيف الكتابة بلا نسج علي منوال 'مخاطرة فعلية، لأنها خروج علي قواعد النوع الأدبي الذي يعتمده الكاتب، ولأن هذا الخروج لا يمكن أن يكون محسوب النتائج. ولكن هذه المخاطرة ضرورية لأنها إذا ما نجحت تكون قد أسهمت في تطوير النوع ذاته، وإذا ما انتبهنا إلي أن النوع الأدبي هو أداة لفهم العالم وفهم الذات علمنا الأهمية البالغة التي تنتج من تطويره: تطور قدرتنا علي فهم ذواتنا والعالم. أما في حال فشلها فضررها لا يتعدي صاحبها'. الروائي المصري جمال الغيطاني الذي تردد اسمه ضمن المرشحين للفوز بجائزة الملتقي، لم يحضر الجلسة الختامية، لكنه ترأس إحدي جلسات العمل ورأي في مداخلة له خلالها أن من سلبيات الإنترنت علي الحركة الإبداعية، أن الرواية استبيحت وفقدت معاييرها الفنية المتعارف عليها، وأصبح من السهل أن يطلق كاتب كلمة 'رواية' علي نص لا ينسب في الأساس لإبداع الرواية. ولاحظ الغيطاني أن ظاهرة جيل الستينات التي بدأت بصدور رواية 'تلك الرائحة' لصنع الله إبراهيم سنة 1966، لا تزال ممتدة وفي انتظار جيل آخر يتجاوزها. إلا أنه رأي أن هناك كتاباً ظهروا في مصر في السنوات الأخيرة ويستحقون الإشادة بأعمالهم، منهم محمد الفخراني، صاحب رواية 'فاصل من الدهشة'، ومحمد صلاح العزب صاحب رواية 'وقوف متكرر'، والطاهر الشرقاوي صاحب رواية 'فانيليا'.