وكأنما أراد 'السيسي' في أول زيارة يقوم بها لروسيا كرئيس لمصر أن يدشن مرور سبعين عاما منذ أن قامت العلاقات بين مصر والاتحاد السوفييتي في أغسطس ألف وتسعمائة وثلاثة وأربعين. جاءت الزيارة التي استغرقت يومي 12، 13 من الشهر الحالي وسط الأجواء والأنواء التي تشهدها المنطقة ليجري التقارب بين الدولتين يعززه مايتمتع به كل من 'السيسي' و'بوتين' من مواصفات ساعدت علي التوافق الكيميائي بينهما، فكل منهما يتمتع بكاريزما طاغية جعلته يحظي بشعبية جارفة. فالرئيس 'السيسي' هو البطل الذي أنقذ مصر من براثن المجهول الذي كادت أن تقع فيه بعد عام أسود من حكم الاخوان المجرمين وذلك عندما مد يده لثورة الشعب في 30 يونيو وبادر باتخاذ خطوة جريئة وحاسمة بعزل الفاشل 'مرسي' في 3 يوليو من العام الماضي. وعليه نال شعبية كاسحة أهلته لأن يفوز برئاسة مصر.أما' فلادمير بوتين'، فهو رجل ال' كي جي بي' القوي والذي حمل علي عاتقه منذ أن تبوأ الرئاسة عام 2000 استعادة مجد روسيا القديم وتمكن من ذلك بالفعل خلال السنوات التي تولي فيها الرئاسة. ساعده علي ذلك امتلاك روسيا لكل المقومات التي تؤهلها للتقدم والتطور. ولا شك أن العلاقات المصرية الروسية ستشهد ثراء وتطورا في ظل توافر الرغبة العارمة في التقارب بين الدولتين. يعزز ذلك سعي مصر لاستعادة صداقة الشريك القديم لا سيما مع ما اتسم به موقف 'بوتين' من اعتدال في معرض تعقيبه علي ثورة 25 يناير 2011، واتسم بالشجاعة عندما رفض طلب قيادة الاخوان رفع اسم الجماعة من قائمة المنظمات الارهابية، واتسم بالذكاء عندما بادر وأعلن تأييده لما حدث في 30 يونيو وأيد الخطوات التي اتخذها 'السيسي' في 3 يوليو من العام الماضي. زيارة 'السيسي' لروسيا عززت العلاقات بين الدولتين بما يحقق مصلحة الشعبين في شتي المجالات سياسيا واقتصاديا وعسكريا بالاضافة إلي التصدي لقوي الارهاب التي تهدد المنطقة.. لقد أثمرت الزيارة الكثير من بينها الاتفاق علي إقامة منطقة التجارة الحرة في مصر، وعلي إقامة منطقة صناعية روسية كجزء من المشروع الجديد لقناة السويس، كما تم الاتفاق حول إنشاء مركز لوجستي مصري خاص بالصادرات المصرية في أي من موانيء البحر الأسود.كما اتفق علي استعداد روسيا لإمداد مصر بما يقرب من خمسة ملايين ونصف المليون طن من القمح العام الحالي. والاتفاق علي تعاون روسيا مع مصر في مجالات الغاز والنفط والطاقة والمجال النووي. بالاضافة إلي التعاون في المجال العسكري من خلال الاستمرار في الصادرات العسكرية. وبذلك تنفتح مصر علي تنويع السلاح بحيث لا تعتمد علي مصدر واحد للتسلح وهو أمر يقتضيه الأمن القومي لأي دولة. ولقد كان هناك تقارب وتطابق في المواقف تجاه قضايا العلاقات الثنائية والإقليمية الدولية خاصة الوضع في غزة وتسوية أزمة الشرق الأوسط والعراق وسوريا وليبيا. ولا شك أن التباين كبير في معرض المقارنة بين علاقات مصر بكل من روسياوأمريكا، فلقد فرضت الأولي نفسها علي الساحة العالمية بسياستها القائمة علي عدم التدخل في شئون الآخرين وعدم التربص بالدول. بالاضافة إلي مواقفها الحكيمة التي حافظت من خلالها علي التوازن في قرارات مجلس الأمن فقطعت بذلك الطريق علي أمريكا التي دأبت علي استخدام الأممالمتحدة كأداة لتنفيذ مشاريعها في المنطقة. هذا فضلا عن أسلوب الاستعلاء الذي تتعامل به أمريكا مع الدول وانخراطها في نسج المؤامرات لإسقاطها. لهذا كله كان من الطبيعي أن تسعي مصر لتوثيق العلاقات مع روسيا. ومن ثم تزداد الآمال اليوم في أن تشهد الفترة القادمة تطورا ملموسا في التقارب مع القيصر الروسي لا سيما مع تبنيه مبدأ الندية معيارا للتقارب حيث إنه لا يعاني من عقدة أمريكا في الاستقواء علي الآخر وفرض شروط الإذعان..