ولد عالم الفيزياء المصري علي مصطفي مشرفة باشا، في 11 يوليو1898 بدمياط، وكان الابن الأكبر لمصطفي مشرفة أحد وجهاء تلك المدينة، ومن المتمكنين في علوم الدين المتأثرين بأفكار جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده العقلانية في فهم الإسلام ومحاربة البدع والخرافات. نشأ مشرفة علي الشعور المرهف بالجمال الذي لم يفقده حبه للخير.. ومصادقة الضعفاء والمساكين. حفظ القرآن الكريم منذ الصغر، كما كان يحفظ الصحيح من الأحاديث النبوية، كان محافظًا علي صلاته مقيمًا لشعائر دينه كما علمه والده، ظلت مرجعيته الدينية ملازمة له طوال حياته، يوصي إخوته وجميع من حوله بالمحافظة علي الصلاة وشعائر الدين، وقد بدا ذلك جليًّا في خطاباته التي كان يبعثها إليهم أثناء سفره، والتي طالما ختمها بمقولة: 'اعمل وإخوانك للإسلام.. لله'. وكان يلازمه دائما في جيبه مصحف يرافقه في السفر والحضر. تلقي مشرفة دروسه الأولي علي يد والدته ثم في مدرسة 'أحمد الكتبي'، وكان متفوقاً في الدراسة، خلت طفولته من المباهج حيث قال عن ذلك: 'لقد كنت أفني وأنا طفل لكي أكون في المقدمة، فخلت طفولتي من كل بهيج. ولقد تعلمت في تلك السن أن اللعب مضيعة للوقت - كما كانت تقول والدته، تعلمت الوقار والسكون في سن اللهو والمرح، حتي الجري كنت أعتبره خروجاً عن الوقار' توفي والده في 8 يناير 1910، بعد أن فقد ثروته في مضاربات القطن عام 1907 وخسر أرضه وماله وحتي منزله، وبموت الأب صار الابن علي الذي لم يكن قد تجاوز الثانية عشرة من عمره عميدًا لأسرته المكونة من أمه إخواته نفيسة ومصطفي وعطية وحسن، وانتقلت الأسرة إلي القاهرة مع جدتهم لأمهم، حيث استأجروا شقة في حي محيي بك بعابدين. بينما التحق مشرفة بمدرسة العباسية الثانوية بالإسكندرية التي أمضي فيها سنة في القسم الداخلي المجاني انتقل بعدها إلي المدرسة السعيدية في القاهرة وبالمجان أيضاً لتفوقه الدراسي، فحصل الكفاءة عام 1912، و البكالوريا عام 1914، وكان ترتيبه الثاني علي القطر المصري كله وله من العمر ستة عشر عاماً، وهو حدث فريد في عالم التربية والتعليم في مصر يومئذ. وأهلّه هذا التفوق -لاسيما في المواد العلمية- للإلتحاق بأي مدرسة عليا يختارها مثل الطب أو الهندسة، لكنه فضل الانتساب إلي دار المعلمين العليا، حيث تخرج منها بعد ثلاث سنوات بالمرتبة الأولي، فاختارته وزارة المعارف العمومية إلي بعثة علمية إلي بريطانيا علي نفقتها. في خريف 1917 بدأت مرحلة جديدة في حياة مشرفة حيث انتسب إلي جامعة نوتنجهام الإنجليزية، التي حصل منها علي شهادة البكالوريوس في الرياضيات خلال ثلاث سنوات فقط. وأثناء اشتعال ثورة 1919 بمصر، كتب مشرفة إلي صديقه محمود فهمي النقراشي -أحد زعماء الثورة- يخبره فيها برغبته في الرجوع للمشاركة في الثورة، وكان جواب النقراشي له: 'نحن نحتاج إليك عالما أكثر مما نحتاج إليك ثائراً، أكمل دراستك ويمكنك أن تخدم مصر في جامعات إنجلترا أكثر مما تخدمها في شوارع مصر'. لفتت نتيجته نظر أساتذته الذين اقترحوا علي وزارة المعارف المصرية أن يتابع مشرفة دراسته للعلوم في جامعة لندن، فاستجيب لطلبهم، والتحق عام 1920 بالكلية الملكية 'King's College London' حصل علي دكتوراه فلسفة العلوم Ph.D من جامعة لندن عام 1923بإشراف الفيزيائي الشهير تشارلز توماس ويلسون، ثم كان أول مصري يحصل علي درجة دكتوراة في العلوم D.Sc من جامعة لندن 1924، وهي أعلي درجة علمية في العالم لم يتمكن من الحصول عليها سوي 11 عالماً في ذلك الوقت. عاد إلي مصر بأمر من وزارة المعارف وعين مدرساً للرياضيات في كلية المعلمين العليا، ثم عندما حصل الدكتوراه في العلوم من إنجلترا -كان أول مصري يحصل عليها-، وحين تم إفتتاح جامعة القاهرة عام 1925 عمل بها أستاذ مشارك في الرياضيات التطبيقية في كلية العلوم لأنه كان تحت سن ال 30 - الحد الأدني للسن المطلوب لتحقيق وظيفة أستاذ، ثم منح درجة 'أستاذ' عام 1926 رغم إعتراض قانون الجامعة. انتخب في عام 1936 عميداً لكلية العلوم، فأصبح بذلك أول عميد مصري لها حصل علي لقب البشاوية من الملك فاروق، تتلمذ علي يده مجموعة من أشهر علماء مصر، ومن بينهم سميرة موسي. في عمادته لكلية العلوم سمح لأول مرة بدخول الطلبة العرب الكلية، حيث كان يري أن القيود القومية والفواصل الجنسية ما هي إلا حبال الشيطان يبث بها العداوة والبغضاء بين القلوب المتآلفة، أنشأ قسمًا للغة الإنجليزية والترجمة بالكلية، كما حول الدراسة في الرياضة البحتية باللغة العربية، صنف قاموسًا لمفردات الكلمات العلمية من الإنجليزية إلي العربية. يقول المؤرخون: إن الدكتور مشرفة أرسي قواعد جامعية راقية.. حافظ فيها علي استقلالها وأعطي للدرس حصانته وألغي الاستثناءات بكل صورها، وكان يقول: 'إن مبدأ تكافؤ الفرص هو المقياس الدقيق الذي يرتضيه ضميري'. رأي مشرفة أن ثقافتنا هي الثقافة الأصلية التي لا بد أن نقف عندها طويلاً. ويري أنه لا يزدهر حاضر أمة تهمل ماضيها، وأنه لا بد من الوقوف عند نوابغ الإسلام والعرب، فساهم بذلك في إحياء الكتب القديمة وإظهارها للقارئ العربي مثل: كتاب الخوارزمي في الجبر والفارابي في الطب والحسن ابن الهيثم في الرياضة.. وغيرها. كان مشرفة حافظًا للشعر.. ملمًّا بقواعد اللغة العربية.. عضوًا بالمجمع المصري للثقافة العلمية باللغة العربية، حيث ترجم مباحث كثيرة إلي اللغة العربية. كان يحرص علي حضور المناقشات والمؤتمرات والمناظرات، وله مناظرة شهيرة مع د/ طه حسين حول: أيهما أنفع للمجتمع الآداب أم العلوم'. نشر للدكتور مشرفة ما يقرب من ثلاثين مقالاً منها: سياحة في فضاء العالمين - العلم والصوفية - اللغة العربية كأداة علمية - اصطدام حضارتين- مقام الإنسان في الكون.. شارك أيضا في مشاريع مصرية عديدة تشجيعًا للصناعات الوطنية.. كما شارك في إنشاء جماعة الطفولة المشردة.. كان أول من لقن من حوله دروسًا في آداب الحديث وإدارة الجلسات. كان مشرفة عازفًا بارعًا علي الكمان والبيانو مغرمًا بموسيقي جلبرت وسلفن، ألف الجمعية المصرية لهواة الموسيقي في سنة 1945، وكان من أغراضها العمل علي تذليل الصعوبات التي تحول دون استخدام النغمات العربية في التأليف الحديث، أيضا كوّن لجنة لترجمة 'الأوبرتات الأجنبية' إلي اللغة العربية.. وكتب كتابًا في الموسيقي المصرية توصل فيه إلي أن جميع النغمات الأخري في السلم الموسيقي غير السيكا والعراق يمكن إلغاؤها أو الاستغناء عنها. دارت أبحاث مشرفة حول تطبيقه الشروط الكمية بصورة معدلة تسمح بإيجاد تفسير لظاهرتي شتارك وزيمان، كذلك كان مشرفة أول من قام ببحوث علمية حول إيجاد مقياس للفراغ، حيث كانت هندسة الفراغ المبنية علي نظرية 'أينشين' تتعرض فقط لحركة الجسيم المتحرك في مجال الجاذبية. هو أحد القلائل الذين عرفوا سر تفتت الذرة وأحد العلماء الذين حاربوا استخدامها في الحرب.. بل كان أول من أضاف فكرة جديدة وهي أن الأيدروجين يمكن أن تصنع منه مثل هذه القنبلة.. إلا أنه لم يكن يتمني أن تصنع القنبلة الأيدروجينية، وهو ما حدث بعد وفاته بسنوات. كما أضاف مشرفة نظريات جديدة في تفسير الإشعاع الصادر من الشمس، والتي عدت من أهم نظرياته وسببًا في شهرته وعالميته، حيث أثبت مشرفة أن المادة إشعاع في أصلها، ويمكن اعتبارهما صورتين لشيء واحد يتحول إحداها للآخر.. ولقد مهدت هذه النظرية العالم ليحول المواد الذرية إلي إشعاعات. حرص مشرفة علي وضع كتب تلخص وتشرح مبادئ تلك العلوم المعقدة للمواطن العادي البسيط، كي يتمكن من فهمها والتحاور فيها مثل أي من المواضيع الأخري، وكان يذكر ذلك باستمرار في مقدمات كتبه، التي تشرح الألغاز العلمية المعقدة ببساطة ووضوح ليفهمها جميع الناس من غير المتخصصين مثل 'الميكانيكا العلمية والنظرية - الهندسة الوصفية - مطالعات علمية - الهندسة المستوية والفراغية - حساب المثلثات المستوية - الذرة والقنابل الذرية - العلم والحياة - الهندسة وحساب المثلثات - نحن والعلم - النظرية النسبية الخاصة' توفي مشرفة في 15 يناير 1950م إثر أزمة قلبية، وهناك شك في كيفية وفاته حيث يعتقد أنه مات مسموماً، ويعتقد أيضا أنها أحدي عمليات جهاز الموساد الإسرائيلي. يذكر أن ألبرت آينشتاين قد نعاه عند موته قائلا: 'لا أصدق أن مشرفة قد مات، انه ما زال حيا بيننا من خلال أبحاثه'. كما قال أديب عبد الله: لقد كان لظهور مواهب مشرفة في المجال العلمي أثر في كفاحنا القومي ضد النفوذ الأجنبي فقد عجل ظهور مواهبه بتحرير الإرادة المصرية في مجال العلوم من السيطرة الأجنبية وكان الساسة في كل بلد يتعلمون من مشرفة كيف يتم تحقيق الانتصار الضخم في كل مجال من مجالات الحياة. ' أيضا قدمت الإذاعة الأمريكية الدكتور مشرفة علي أنه واحد من أبرز سبعة علماء في العالم ممن يعرفون أسرار الذرة.