يوم الثلاثاء الماضي.. تزينت حلوان وتجملت.. آلاف الرجال جاءوا من المجهول ليزرعوا أرضها بالأشجار والزينات.. فجأة تدفق نهر الأموال من ميزانيات غير مرئية.. ليصب خيراته في الشوارع والميادين الرئيسية..ويحولها إلي جنة وارفة الظلال.. كان الجميع ينتظر الموكب المهم القادم بصحبة رئيس الوزراء إلي حلوان.. كوكبة من الوزراء والشخصيات العامة.. شكلوا تحت رئاسة الدكتور 'أحمد نظيف' حكومة إنقاذ مصغرة.. لا هم لها سوي إنقاذ الدكتور 'سيد مشعل' وزير الدولة للإنتاج الحربي والمرشح علي مقعد الفئات من سقوط بات مؤكدا علي يد النائب الذي يحظي بجماهيرية كاسحة 'مصطفي بكري'. منذ الصباح الباكر احتلت قوات الأمن الشوارع والميادين الرئيسية..ومن كورنيش المعادي وحتي قلب حلوان كانت حالة من التأهب القصوي تبدو ظاهرة جلية..وزارة الدولة للإنتاج الحربي أغرقت الشوارع والميادين بلافتات الترحيب برئيس الحكومة وصحبه.. وقبلها كانت أغرقت المدارس بالتخت المدرسية وحقائب التلاميذ.. وأنشأت جسرا بريا لتقديم الرشاوي الانتخابية لعديد من الجمعيات والشخصيات.. في صورة مقاعد وأجهزة كمبيوتر.. وكل ما لذ وطاب.. فيما انتشر البصاصون بين الناس ليروجوا بينهم أن الحكومة التي جاءت لمؤازرة ودعم الوزير المرشح لن تسمح أبدا بسقوطه.. وأنه من الأجدي لهم ان يفهموا مغزي الرسالة.. ويسارعوا بالانفضاض من حول 'مصطفي بكري' وإلا مسهم الضرر. أبناء حلوان.. بعزبها ومناطقها الذين وقفوا مشدوهين أمام ما يجري قابلوا زيارة 'حكومة الإنقاذ' بمزيج من السخرية والدهشة.. فالمحرومون من توصيل الكهرباء لمنازلهم.. راحوا يمتعضون من تحويل ليل حلوان عشية الزيارة إلي ما يشبه النهار من شدة الأضواء التي تم تركيبها علي عجل.. والقاطنون تحت أبخرة التلوث وعوادم المصانع ومخلفاتها تملكهم الغضب من جراء هذه المساحات المصطنعة من الخضرة والزهور التي جاءوا بها من أماكن مجهولة.. كل شيء في ميادين وشوارع حلوان عشية وأثناء الزيارة كان يشي بتجميل مصطنع.. وزينة كاذبة.. بلغت حد الخداع والتلفيق.. وكأن من فعلوا ذلك أرادوا فقط ان يحولوا بين الدكتور 'نظيف' وصحبه والاطلاع علي حقيقة الصورة التي يعرفها كل مواطن علي أرض حلوان. مر موكب حكومة الإنقاذ بالشوارع والميادين الرئيسية.. ووفق الخطة المحددة والمرسومة.. لم يكن أحد من أبناء شعب حلوان علي صلة أو مشاركة بالزيارة.. فكان ما فيها جلهم من الغرباء الذين جاءوا لهدف واحد ووحيد.. وهو إنقاذ الوزير من مصيره المحتوم.. وهزيمته المؤكدة.. وبدلا من أن يكون الناس في حلوان هم الهدف للزيارة.. بدت الرسالة المستهدفة للأجهزة والجهات الرسمية هي الهدف الأكثر وضوحا.. والمغزي الأكثر بروزا.. فقد جاءت حكومة الإنقاذ برئيسها ورجالاتها إلي حلوان لتقدم الدعم الهائل للوزير 'مشعل' المرشح في الانتخابات.. جاءت بوزرائها الخدميين لتحاول عبر هذا الدعم سرقة حلم أبناء وشعب حلوان.. جاءت الحكومة التي عجزت عن حل مشكلات المصريين بعد أن نشرت الفقر والمرض في ربوعهم.. جاءت لتنقذ وزيرا مرشحا وتحل له أزمته بعد أن فشلت كل الرشاوي الانتخابية وإهدار أموال الإنتاج الحربي في التأثير علي الناس ودفعهم لمناصرته.. بعد أن جربوه لعشر سنوات وتيقنوا أنه لا يعرفهم سوي أيام الانتخابات وبعدها يتحول إلي فص ملح ويدوب في مشاغله الرسمية.. متجاهلا من أوصلوه لمقعده البرلماني. جاءت حكومة الإنقاذ لتتحدي بانحيازها.. ومساندتها للوزير تصريحات وتعهدات رئيس الجمهورية والتي قطعها علي نفسه بإجراء انتخابات نزيهة.. تتوافر فيها كل عوامل الحيادية.. وبات السؤال الذي يردده كل الناس في الشارع 'ما الذي تريده حكومة العجز والفشل؟ هل تريد القول إن الرئيس يقول ما يريد.. وإنها تفعل ما تريد حتي لو تصادم مع تعهداته؟'.. ثم هل يعقل أن حكومة الإنقاذ تأتي برجالاتها وخدماتها 'الخاصة' لمحاربة شخص 'مصطفي بكري' معلنة بذلك تحديها لإرادة الناس..الذين يقفون بشرف مع الحق.. وصوته المعبر عنهم رغم أنه لا يمتلك شيئا مما يمتلكه الوزير الذي يوظف رجالات وإمكانات وزارة الدولة للإنتاج الحربي لصالح حملته الانتخابية؟! بماذا نصف ما يجري في حلوان بغير التدخل السافر.. والذي يكشف ويعري الحكومة ورجالاتها.. ويؤكد مجددا أن كل ما يقال حول حيادية الانتخابات ليس أكثر من شعارات تتردد في وسائل الإعلام دون أن يكون لها أصداء في الشارع.. لتؤكد الحكومة الراهنة وهي علي وشك الرحيل بعد انتخابات الشعب القادمة أنها ما تركت للمصريين سوي الكذب والخداع في كل شيء.. ألهبت الناس بارتفاعات الأسعار التي فاقت كل شيء، وأفقرت المواطنين وحولت الشباب والخريجين إلي طوابير لا تنتهي من البطالة.. حرمتهم من عيشة شريفة أو كريمة.. أهدرت كرامتهم في كل المحافل.. ثم جاءت لتسلب منهم حلم أن يختاروا بإرادتهم الحرة من يرونه الأقرب إلي قلوبهم وعقولهم. هي مأساة تتجسد واقعا علي أرض حلوان.. وبرغم ما تحاول الحكومة الفاشلة أن ترسمه في قلوب وعقول الناس.. وبرغم الدعم والمساندة غير المسبوقة التي تقدمها للوزير المرشح لإنقاذه من السقوط.. إلا إن الإرادة الحرة لمواطني حلوان لم تهب تلك الألاعيب ولم تنخدع في المحاولات.. وراحت جماهير 'عزبة الوالدة' ترد بطريقتها علي زيارة 'نظيف' وصحبه.. حين انطلقت مساء يوم الزيارة نفسه في مسيرة عارمة.. لتطوف بالمرشح الحر 'بعبع الحكومة' مصطفي بكري كل أنحاء العزبة.. باعثة برسالتها الخاصة إلي حكومة الفقر والجوع بأن الجماهير الحرة والشريفة سوف تدفع بنائبها ومرشحها إلي طريق البرلمان برغم كل الأشواك التي يحاولون عبرها عرقلة مساره الممهد بالنفوس الأصيلة والقلوب العامرة بالإيمان.