منذ فجر الإسلام والمسلمون يحتفلون في كافة البلدان الإسلامية بأعيادهم ومناسباتهم الدينية وبخاصة فرحتهم عند استطلاع واستبيان أهلة الشهور العربية ومنها الأشهر الحرم والاحتفال بهلال شهر رمضان باعتباره من الشهور المحببة علي قلوب المسلمين. وكانت مصر من أكثر الدول الإسلامية التي تحتفل برؤية الهلال حتي أصبحت له عندهم مظاهر احتفالية متوارثة وخاصة بهم عندما جعلوا منه يوما عظيما يبتهجون فيه معبرين عن فرحتهم من خلال مظاهر وطقوس متوارثة تتعلق برؤية هلال الشهر الكريم الذي يعود لقرون طويلة تعاقبت خلالها دول إسلامية كثيرة حكمت مصر، وكان ومن هذه الدول نذكر الدولة الفاطمية واحتفالاتها برؤية هلال رمضان عندما بني قائدهم بدر الجمالي مسجدا له علي سفح المقطم واتخذ مئذنته كمرصد لرؤية الهلال وكانت المظاهر الاحتفالية لها تقاليد رسمية عندما كان يخرج فيها الخليفة من القصر الفاطمي ومعه وزرائه راكبون الخيول متجهين عبر الشوارع والمحلات والطرقات المزينة بداية من بين القصرين بالجمالية متجها من باب الفتوح ثم يعود بعدها من باب النصر إلي بين القصرين مرة أخري، وفي أثناء مروره يتم توزيع الهبات والصدقات علي الفقراء ثم يقوم الخليفة لتقديم عطاياه للأمراء ثم يبدأ في الكتابة إلي الولاة والنواب ليعلنهم لقدوم الشهر الكريم. ويعتبر العهد المملوكي من أزهي العهود التي كان يحتفل فيها المصريين برؤية الهلال وكان يخرج خلاله ليلة الرؤيا القاضي ومعه 4 من القضاة لتحري رؤية الهلال ومعهم الفوانيس والشموع وعدد من رؤساء الصناعات والحرف ويجتمعون عند منارة مدرسة المنصور نجم الدين بالصاغة لرؤية الهلال وعند رؤيته يعلن القاضي الصيام ويقوم أصحاب المهن والطوائف المشاركة بالتبليغ واستمرت تلك العادة المتعلقة برؤية الهلال حتي العهد العثماني من علي المقطم وعند رؤيته كانت تقام الأفراح ويعلن محتسب القاهرة ثبوت الهلال حتي يتم زفه في موكب حافل، وفي زمن الحملة الفرنسية يقول المستشرق إدوارد وليم لين في كتابه المصريون المحدثون عاداتهم وشمائلهم بأن ليلة رؤية هلال رمضان تعتبر من أجمل المناسبات الدينية عند المصريين بسبب ما يحاط بها من مظاهر دينية تسبق حتي الرؤية حبا في هذا الشهر ويقول وفي مساء ذلك اليوم يسير موكب المحتسب ومشايخ الحرف المتعددة ومنهم الطحانين والخبازين والجزارين والقصابين والبدالين وبائعة الفاكهة وعدد لآخر من بعض الحرف وفرق من الموسيقيين وعدد من الفقراء وعهم فرق من الجنود ويتجهون إلي القلعة حيث مجلس القاضي وينتظرون هناك عودة أحد المرسلين لرؤية الهلال أو شهادة أي مسلم آخر علي أنه رآه، وعند رؤيته تبدأ الاحتفالات الكبيرة ويقوم المحتسب بموكبه ويجول الآخرون في الأحياء المختلفة صائحين : يا أمة خير الأنام صيام صيام ويتم الاجتماع في بيت القاضي عند بين القصرين ويتم إطلاق المدافع من علي القلعة والأزبكية، ومع بداية القرن العشرين في عهد السلطان عباس حلمي انتقل الاحتفال برؤية الهلال إلي المحكمة الشرعية بباب الخلق وبعدها يبدأ موكب الاحتفال بالموسيقي مارا بقصر البكري الخرنفش وتقوم المدافع من علي القلعة والعباسية بإطلاق الألعاب النارية وتضاء خلالها شوارع القاهرة بمساجدها ومآذنها وحوانيتها، ومازال المصريين امتدادا من هذا التاريخ وإلي الآن يحتفلون ويبتهجون لرؤية الهلال من خلال احتفال رسمي كبير تعاقب خلاله حكم مصر الكثير من الملوك والرؤساء ومع ذلك ظل يقام كل عام من خلال دار الإفتاء المصرية التي يرجع إنشائها إلي عام 1895 ومازالت شامخة وتؤدي دورها في العالم الإسلامي باقتدار، وخلال الاحتفال بها روعي دائما أن يتم في حضور عدد من علماء الأزهر والأوقاف وقيادات ورموز مصر وكذلك من سفراء ورموز الجاليات الإسلامية المقيمة بمصر من أجل استطلاع الرؤية التي تبدأ يوم 29 من شعبان من كل عام هجري ليعلن مفتي الجمهورية خلاله الموقف الرسمي من استطلاع الرؤية إما بثبوتها وإما بعدم ثبوتها ليأتي الصيام في اليوم التالي عندما يأتي شهر شعبان كاملا، ويتم ذلك وحسب ما هو موروث ببداية الحفل بقراءة القرآن ثم كلمة موجزة لشيخ الأزهر أو وزير الأوقاف ليعلن المفتي النبأ علي الحاضرين ثم علي المصريين من خلال دار الإذاعة والتليفزيون بمصر وبعدها يهلل المصريين إعلانا عن فرحتهم واستعدادهم التام للدخول في عالم الصيام وما يتعلق بها من شروط خلال الشهر الكريم. يذكر أن دار الإفتاء المصرية تقوم بهذه المهمة بعد غروب شمس يوم 29 من شعبان ويتم ذلك من خلال لجانها الشرعية والعلمية المنتشرة في أرجاء الجمهورية معتمدين منذ ما يقرب من 100 عام علي مرصد حلوان الفلكي وتعلن الدار النتيجة وسط كبار العلماء ومحافظ القاهرة الذين يكونون في ضيافة مفتي الديار المصرية بدار الإفتاء بالدراسة التي انتقلت مراسمها الآن بسبب زيادة أعداد الحاضرين إلي قاعة المؤتمرات الكبري بالأزهر الشريف، وفي هذا الوقت الذي نقوم فيه بكتابة هذا المظهر الاحتفالي الأول الذي يعلن من خلاله بداية الصوم فإن دار الإفتاء منعقدة الآن بتلك الدار بوجود شيخ الأزهر والمفتي ووزير الأوقاف ومحافظ القاهرة نائبا عن الرئيس عبد الفتاح السيسي لإعلان نتيجة استطلاع رؤية هلال رمضان للعام الهجري 1435.