يشهد المكتب الثقافي المصري بباريس الآن عهد جديد من العطاء والعمل منذ أن تولت رئاسته سيدة وطنية مخلصة للوطن هي الأستاذة الدكتورة / أمل الصبان المستشارة الثقافية للمكتب وبمساعدة متميزة من جانب الملحق الثقافي الدكتور شريف خاطر ومن كل طاقم العمل بالمكتب، وخلال هذا العام تميز المكتب الثقافي بإقامته لعديد من الندوات والأمسيات الثقافية واستضافته للعديد من رموز الفكر والأدب والفن والسياسة من مصر أثناء زياراتهم إلي باريس كان منها إقامة المكتب مؤخرا العديد من الندوات للكاتب والروائي المصري الكبير صنع الله إبراهيم أثناء زيارته إلي باريس، وسوف ننوه في مقالات لاحقة عن أهم الأنشطة التي قام بها المكتب خلال شهر مايو ويونيو من العام الحالي 2014، وأما بخصوص الندوات التي أقيمت للكاتب صنع الله إبراهيم في إطار جولته الثقافية لباريس فكانت متعددة وتم الاستفادة منها وتفعيلها ثقافيا وفكريا إلي أبعد مدي نذكر منها الندوة الكبيرة التي أقامتها المستشارة الثقافية له بالمكتب الثقافي يوم 26 من مايو الماضي وقد سبقها يوم 25 المساهمة والمشاركة في إقامة ندوة هامة بمكتبة ابن رشد بباريس استضافت قيها الكاتب وتناولت رؤيته حول روايته الشهيرة القانون الفرنسي، يذكر أن تلك المكتبة الشهيرة سبقت وأعطت جائزة ابن رشد للفكر الحر لصنع الله إبراهيم عام 2004بسبب أعماله المتميزة، وقد حضر الندوة عدد كبير من صفوة المثقفين المصريين والعرب والفرنسيين وفي حضور الملحق الثقافي الدكتور شريف خاطر وتم خلالها التركيز علي مناقشة تلك الراوية الهامة إلي جانب التعرض لبعض من رواياته المترجمة للفرنسية مثل رواية أمريكا نيلي، ورواية شرف، ورواية وردة ثم التطرق إلي رواية ذات الشهيرة التي تحولت إلي دراما تليفزيونية مصرية وتم عرضها بشهر رمضان الماضي، كذلك استفادت المستشارة الثقافية / أمل الصبان من تواجد هذا الكاتب بإقامتها لندوة هامة فيما يسمي بليلة الأدب الأوروبي بباريس يوم 24 مايو والتي ينظمها ويشرف علي إقامتها بشكل دائم ومنظم ومتنوع ' منتدي المراكز الثقافية الأجنبية بباريس ' بحي لاماريه بباريس في حضور عدد كبير من الضيوف المصريين والعرب والأجانب وكذلك سيادة سفير مصر بفرنسا محمد مصطفي كمال والملحق الثقافي المصري الدكتور شريف خاطر وعدد من المفكرين الفرنسيين والأجانب، وقد قامت الفنانة الفرنسية الشهيرة أني ريمون بقراءة للفصل السابع والثامن من رواية شرف لصنع الله إبراهيم، واستمر اللقاء الأدبي والفكري تلك الليلة إلي ما يقرب من الخمس ساعات حسب برتوكول الليلة الأدبية وقد تخللها مناقشات بين الكاتب والحاضرين حول شخصية شرف بطلة الرواية ثم تطرق الحوار للوضع السياسي الحالي في مصر وسباق الرئاسة ورؤية الكاتب صنع الله إبراهيم بخصوص تلك النقاط إضافة إلي رؤيته في مستقبل مصر السياسي والثقافي بعد الانتخابات. وبخصوص الندوة التي أقيمت بالمكتب الثقافي افتتحت الندوة المستشارة الثقافية ورحبت بضيوفها الكبار من جمهور الحاضرين بمشاركة الكاتب الفرنسي الكبير روبير سوليه ثم قدمت الكاتب بشكل أتاح للحاضرين التعرف علي سيرته الذاتية ومنوهة عن أعماله وأهمية تلك الأعمال في الحركة الثقافية المصرية والعربية وبعد ذلك أتاحت له الكلمة ليسترسل للحاضرين عن عرضه للخطوط العريضة لحياته الثقافية والسياسية في مصر خلال القرن الماضي وأوائل القرن الحالي، حتي عرفنا أن الكاتب المصري صنع الله إبراهيم من مواليد 1937 وأنه يرجع لوالده الفضل في حبه للقراءة والإطلاع وحبه للصحافة وحبه للحياة العائلية التي كونت ميوله اليسارية لأنه ترعرع داخل وضع سياسي واجتماعي في عهد الرئيس جمال عبد الناصر وحبه للاشتراكية، وعرفنا منه أيضا أن فترة السجن التي قضاها بسبب معارضته السياسية أواخر ستينات القرن الماضي كانت فترة هامة في سجن الواحات الذي أتاح له أن يعيش العذاب والألم بالسجن ثم حبه للصحافة وميله للكتابة عندما سجل من داخل السجن الكثير من خواطره اليومية فشرح وتعرض من خلالها لشرح أدق التفاصيل حتي أخرج لنا كتابه الشهير يوميات الواحات ثم خروجه من السجن وعمله بالصحافة والتحرير الإعلامي ثم اتجاهه للكتابة الروائية بعد ذلك فكتب روايته الهامة ' جنة ' التي رمز فيها من خلال زجاجة الكوكاكولا إلي أمريكا ودول الترويكا التي تتصارع علي الهيمنة الاقتصادية علي دول العالم، ثم إنتاجه لروايته الشهيرة ' حاجات ' عام 1969 أثناء وجوده في ألمانياالشرقية بسبب ميوله الاشتراكية وقبل سقوط الاتحاد السوفيتي تعرض فيها للحياة بين كلا من النظام في ألمانيا الاشتراكية وألمانياالغربية متناولا سلبيات وإيجابيات النظام الاشتراكي عن قرب وبخاصة بعد أن عاش بموسكو ثلاث سنوات، ثم إنتاجه لرواية ذات عام 1987 وهي رواية رمزية مزج فيها الواقع بالخيال كباقي رواياته، وذات هي سيدة مصرية بسيطة نشأت وتزوجت في ستينات القرن الماضي وحملت في داخلها طموحات النظام الاشتراكي الذي انتهجه الرئيس عبد الناصر وكانت تحلم بأن يكون لها بيت يأويها ويحتوي علي الأجهزة الكهربائية التي كان ينتجها المصانع الحربية كالسخان والبوتاجاز والثلاجة ولكنها فجأة تتعرض إلي تغيرات اجتماعية وسياسية بالمجتمع مع مجيء عهد الرئيس السادات ثم العهد الفاسد لعهد الرئيس مبارك وتعارض تلك الأنظمة مع طموحاتها التي تبخرت مع رحيل الرئيس عبد الناصر، وفي روايته وردة نوه عن رحلته لبيروت ومسقط وعدن والربع الخالي وعبر من خلالها عن الوضع الحالي في سلطنة عمان ورؤيته للتحديث والتغيير بها منطلقا من قراءته لأحداث ثورة ظافار بجنوب السلطنة عام 1975 وتمكن السلطان من إجهاضها بمساعدة القوي الرجعية في تلك الفترة، وما يميز الكاتب وكما أشار في تلك الندوة حفاظه علي استقلاليته التامة وعدم قبوله لأي مناصب سياسية مما جعله متحررا في آرائه وكتاباته ومتجنبا لسلبياته في الأعمال السابقة وهذا ما أثر في نجاح أعماله، وعن مستقبل الثقافة المصرية أفاد للحاضرين بأن الثقافة بعد الثورة في طريقها للازدهار والدليل ظهور أعمال روائية شابة وجريئة وواعية، ويري أن الثورة سوف تسهم بشكل إيجابي في الحراك الثقافي داخل مصر شريطة احترام الإبداع وعدم تدخل الدولة في مسيرة الأعمال الأدبية والفنية، وبعد هذا العرض والنقاش البناء نوه بعض المثقفين الفرنسيين عن أعماله الشهيرة كرواية شرف التي عرضتها الفنانة الفرنسية أني رومان، بعدها تناول الكاتب والصحفي الفرنسي الشهير روبير سوليه الحوار عن صورة مصر بعد الثورة وأشار إلي تقصير الإعلام المصري في نقل الصورة الحقيقية لأحداث الثورة للمجتمع الغربي، ثم اختتم هذا اللقاء المثمر الروائي صنع الله إبراهيم عن رؤيته السياسية في مصر الآن وأشار أنه قد سبق واشترك في حركة كفاية التي قامت ضد التوريث وضد المد غير القانوني للرئيس مبارك لرئاسته لمصر وأنه لم يكن مع تلك الحركة يحلم بأكثر من ذلك، ولكن الثورة جاءت مفاجئة بالنسبة لنا لأنها تخطت اللامعقول وأزاحت النظام بأكمله، وأما السبب الرئيسي لوصول التيار الإسلامي إلي الحكم وكما يري وراءه قوي غربية عظمي هي الولاياتالمتحدة والغرب من أجل السيطرة علي المنطقة العربية، وعن مصر الآن يري أنه هناك تغيير ثقافي وسياسي قد حدث وتولد عند الناس ولا خوف أبدا من وجود الجيش والمؤسسة العسكرية لأن الشعب لن يقبل بعد الآن فكرة وجود الحاكم المستبد، ورأي أيضا أن المستقبل في مصر يتوقف علي الحركة السياسية وحراك الشارع المصري أمام القادم، ويري أن السيسي هو رجل تلك المرحلة عن اقتدار بسبب تحديه للتبعية الأمريكية والغرب وبسبب موقفه القوي وانحيازه للشعب في محنته في ثورة الثلاثين من يونيو ضد مرسي وأعوانه، كما يحذر السيسي من هذين العدوين اللدودين إضافة إلي بقايا الفلول من عهد الرئيس مبارك. وفي النهاية فقد جاءت تلك الندوات علي مستوي حواري وفكري متميز وتم الاستفادة منها بشكل كبير من هذا الروائي الكبير الذي كان بطلا لتلك الندوات ومعه الدور الثقافي المتميز للمكتب الثقافي المصري بباريس.