اثنتا عشر عاما وخمسة أشهر وسبعة أيام قضاها عبد الرحمن السندي رئيسا للجهاز السري المسلح للإخوان.. منذ أخذ منه البيعة الشيخ حسن البنا في 16 يونيو عام 1941 حتي صدر قرار المرشد الثاني حسن الهضيبي بعزله في 23 نوفمبر عام 1953.. وخلال هذه الفترة المحدودة تمكن السندي من تشكيل جهاز حديدي شديد الانضباط.. مدرب تدريبا كاملا.. مدعم فكريا.. ومستعد لتنفيذ ما يؤمر به استجابة للبيعة التي تقول: أمر وطاعة من غير تردد ولا مراجعة ولا شك ولا حرج.. وكانت كلمة من السندي كفيلة بانتهاء حياة رؤساء حكومات.. أو نسف مبان حكومية ومؤسسات.. وترويع المجتمع.. ويحلو لبعض قادة الإخوان من كتاب المذكرات أن يسجلوا للسندي بعض المواقف ومنها اغتيال أحمد ماهر رئيس وزراء مصر في 24 فبراير 1945 أي بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من رئاسته للجهاز السري.. وكيف دبر للحادث دون توريط الإخوان.. إذا اتفق مع محمود العيسوي الإخواني الصرف كما وصفه الشيخ سيد سابق علي الالتحاق الشكلي بالحزب الوطني لشهور قليلة.. ثم أمره بتنفيذ العملية داخل مبني البرلمان.. وعلي مرأي ومسمع من كل قيادات مصر.. ونسبت العملية إلي الحزب الوطني.. أما الموقف الثاني الذي يلحو لبعض الإخوان استخدامه للتدليل علي كفاءة السندي وجهازه السري.. فهو يتعلق بالسفينة التي كانت تحمل علم بنما عام 1947 ورست في ميناء بورسعيد.. وكانت تحمل شحنة أسلحة لعصابات الصهاينة في فلسطين دون علم الحكومة المصرية.. وتمكن الجهاز السري ممثلا في محمود الصباغ وأحد إخوان بورسعيد من تفجير جزء من السفينة أدي إلي عطبها مما دفع السلطات لسحبها.. وإصلاحها.. مما استلزم إفراغ الشحنة التي فوجئ بها الجميع.. وتمت مصادرتها ثم حادث القطار الذي كان يقل القوات الانجليزية ويمر عبر القاهرة في منطقة الشرابية، ويضطر للتهدئة بسبب أعمال الحفر.. وقد هاجمه أعضاء الجهاز السري بالقنابل اليدوية في وضح النهار.. كما نفذ الجهاز أكبر حادث نسف يسمع به وقتها 12/11/1948 ضد أخطر المؤسسات اليهودية في مصر.. وهي شركة الإعلانات الشرقية قرب شارع عماد الدين.. وكانت مركزا لعملاء الصهيونية بمصر ومكانا لاجتماعاتهم.. وتجميع الأخبار لهم تحت ستار الصحافة والإعلاء.. ناهيك عن عشرات حوادث النسف التي تم تنفيذها ضد مؤسسات وشركات يمتلكها الصهاينة.. وأيضا نسف حارة اليهود.. إلخ. ويبدو أن التنظيم السري كان قد اكتمل واستوي علي قمة الاستعداد للعمل.. وكان عام 1948 ذروة الفعل.. حيث قام محمود زينهم وحسن عبد الحافظ من طلاب الإخوان أعضاء الجهاز السري باغتيال المستشار أحمد بك الخازندار في 22 مارس من ذات العام، وفي 15 نوفمبر تم ضبط سيارة الجيب الشهيرة وبها أرشيف الجهاز وأسماء قياداته وخرائط وخطط.. وأسلحة.. ومعها عدد من قادة الجهاز علي رأسهم أحمد عادل كمال وفي 4 ديسمبر قام طالب الطب الإخواني مصطفي أمين بإلقاء قنبلة أودت بحياة سليم زكي باشا حكمدار العاصمة، وفي 8 ديسمبر صدر قرار النقراشي بحل جماعة الإخوان، وبعدها بعشرين يوما قام عبد المجيد حسن طالب الطب البيطري باغتيال محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الوزراء كختام لعام 1948 حيث افتتح العام التالي وبالتحديد في 12 فبراير عام 1949 باغتيال الشيخ حسن البنا بعد شهر وأربعة أيام من اغتيال النقراشي.. وصدر حكم الإعدام بحق عبد المجيد حسن. أما قضية سيارة الجيب فقد جند الإخوان 28 محاميا من أشهر المحامين يتقدمهم محمود كامل وأحمد رشدي بك، وعلي منصور، وعبده أبو شقة، وفتحي رضوان، ود.عزيز فهمي، وزكي العرابي، ويوسف حلمي، وعبد المجيد نافع، وعلي بدوي باشا، ود.مصطفي القللي بك وغيرهم للدفاع عن المتهمين.. فحولوا القضية برمتها إلي رغبة الإخوان في الجهاد ضد الصهاينة وجمع السلاح لذلك الغرض.. وقاموا باستدعاء الإخواني الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين الشهير للشهادة بما يؤكد ذلك وصدرت أحكام مخففة علي 18 متهما، بينما تمت تبرئة 14 متهما.. وكان بين المحكوم عليه بالسجن ثلاث سنوات مع الشغل: مصطفي مشهور محمود الصباغ السيد فايز.. أما عبد الرحمن السندي وأركان حربه أحمد عادل كمال، وأحمد زكي فكان ضمن المحكوم عليهم بالسجن سنتين مع الشغل.. وكان معهم أصغر المتهمين: صلاح الدين عبد المتعال طالب الثانوي 18 سنة.. والذي يشغل الآن وظيفة أستاذ بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.. تؤكد سيرة عبد الرحمن السندي علي أنه ولد بمحافظة المنيا عام 1918 وتوفي عام 1962، وكان أحد قيادي الإخوان في النصف الأول وبدايات النصف الثاني من القرن العشرين.. وعندما كلفه الشيخ حسن البنا مرشد الإخوان بتسيير أمور الجهاز السري المسلح.. بادر علي الفور يدشن موقعه الجديد بتفجير النادي البريطاني الذي كان مكثفا بضباط وجنود الجيش الانجليزي ليلة عيد الميلاد.. ومع أن التفجير لم يخلف أي ضحايا من الأفراد.. إلا أن تأثيره كان مروعا.. وقد فتح الأبواب أمام الشباب الوطني للتجرؤ علي الثكنات البريطانية وضباط وجنود الانجليز.. الذين كانوا يغتالون في الشوارع.. وتكررت الأحداث هذه.. في ذلك الوقت.. وتقول سيرة السندي أيضا.. أنه كان يحمل مؤهلا متوسطا.. ويشغل وظيفة بسيطة في وزارة الزراعة.. ويقطن في شقة بشارع سليمان جوهر المقابل لوزارة الزراعة وهي الشقة التي شهدت وفاته المفاجئة عام 1962.. ويقول د.عبد العزيز كامل أحد قادة الإخوان، ورفيق البنا.. وأيضا ممن أخذوا البيعة علي مبادئ الجهاز السري في مذكراته في نهر الحياة إن الجهاز السري تأسس علي السمع والطاعة والكتمان وكان المسئول الأول أو رقم '1' هو عبد الرحمن السندي ثم أذاع د.كامل الذي أحبه جمال عبد الناصر بعد أن تأكد من كفاءته وموضوعيته وأصبح في عهده نائبا لرئيس الوزراء للشئون الدينية والأوقاف وعضوا بالأمانة العام للاتحاد الاشتراكي أقول إنه أذاع فيما يخص السندي بأسرار خطيرة.. ومازلنا نقترب من عبد الرحمن السندي.. وعالمه..