دأبت جماعة «الإخوان المسلمون» منذ نشأتها فى عام 1928 وحتى صدور حكم قضائى بحلها منذ يومين على استخدام العنف والاغتيالات وترويع الآمنين إما عن طريق الجهاز السرى أو عن طريق شباب شعب التربية الرياضية المدربة على التدريبات القتالية والاشتباكات، وظهر ذلك جليا فى موقعتى الاتحادية والمقطم، ثم فى أحداث بين السرايات، ولهم ما يبرر القتل والتدمير تنفيذا لحلم البنا فى إحياء فكرة الخلافة الإسلامية. وما ميز المرحلة التأسيسية للإخوان وما بعدها حتى منتصف الخمسينات من القرن العشرين هو فترة الاغتيالات السياسية التى كانت تتم بمباركة القصر تارة أو الاحتلال الإنجليزى تارة أخرى. وفى منتصف عقد الأربعينيات مِن القرن الماضى حصلت سلسلة اغتيالات فى مصر، طالت كبار رجال الدَّولة، أحمد ماهر 1945 رئيس الوزراء، والذى اغتيل فى قاعة البرلمان، ثم المستشار والقاضى أحمد الخازندار 1948، وبعده بشهور لقى رئيس الوزراء المصرى محمود فهمى النُّقراشى مصرعه، عند ديوان وزارة الدَّاخلية. فى كلّ تلك الأعمال حضر اسم الإخوان المسلمين بقوة، فهم الطَّرف الأهم فى العمل السِّرى والعلنى ضد السلطة، ولديهم قضايا مع المغتالين. أولى حوادث الاغتيال التى تورط فيها تنظيم «الإخوان المسلمون» كانت اغتيال «احمد باشا ماهر» فى 24 فبراير 1945 حينما كان متوجها لمجلس النواب لالقاء بيان، فأطلق عليه الشاب «محمود العيسوى» رصاصتين وأرداه قتيلا فى بهو مجلس النواب، وبعدها قام محمود فهمى النقراشى باعتقال حسن البنا وأحمد السكرى وعبد الحكيم عابدين، وأفرج عنهم بعد اعتراف القاتل بانتمائه للحزب الوطنى. وجاء قتل «ماهر» باشا انتقاما منه لاسقاط البنا فى الانتخابات، إلا أن محمود فهمى النقراشى الذى كان يشغل منصب وزير الداخلية ثم رئيس الحكومة قرر الانتقام من الإخوان ثأرا لمقتل صديقه. وبعدها ب3 سنوات كانت هناك قضية كبرى ينظرها القاضى أحمد الخازندار تخص تورط جماعة «الإخوان المسلمون» فى تفجير دار سينما مترو وفى صباح 22 مارس 1948 اغتيل المستشار أحمد الخازندار أمام منزله فى حلوان، فيما كان متجها إلى عمله، على أيدى شابين من الإخوان هما: محمود زينهم وحسن عبدالحافظ سكرتير حسن البنا، على خلفية مواقف الخازندار فى قضايا سابقة أدان فيها بعض شباب الإخوان لاعتدائهم على جنود بريطانيين فى الإسكندرية بالأشغال الشاقة المؤبدة فى 22 نوفمبر 1947. وعلى إثر اغتيال الخازندار استدعى حسن البنا المرشد العام للإخوان للتحقيق معه بشأن الحادث ثم أفرج عنه لعدم كفاية الأدلة. وفى 15 نوفمبر 1948 قام عدد من أعضاء النظام الخاص بجماعة «الإخوان المسلمون» فى مصر بنقل أوراق خاصة بالنظام وبعض الأسلحة والمتفجرات فى سيارة جيب من إحدى الشقق بحى المحمدى إلى شقة أحد الإخوان بالعباسية إلا أنه تم الاشتباه فى السيارة التى لم تكن تحمل أرقاماً وتم القبض على أعضاء التنظيم والسيارة لينكشف بذلك النظام الخاص السرى لجماعة «الإخوان المسلمون». وأدى هذا الحادث إلى إعلان محمود فهمى النقراشى رئيس الوزراء آنذاك أمرا عسكريا بحل جماعة الإخوان المسلمين واعتقال أعضائها وتأميم ممتلكاتها وفصل موظفى الدولة والطلبة المنتمين لها، وكان هذا القرار سبب جعل النظام الخاص يقوم بقتل النقراشي. الواقعة الأكثر عنفا والأشرس كانت فى 28 ديسمبر 1948 وفى تمام الساعة العاشرة إلا الثلث من صباح ذلك اليوم دخل ضابط بوليس برتبة ملازم اول صالة وزارة الداخلية فى الطابق الاول فأدى له حراس الوزارة التحية العسكرية وأخذ يقطع الوقت بالسير البطيء فى صالة الوزارة كأنه ينتظر شيئا وعندما أحس بقرب وصول النقراشى باشا اتجه نحو الأسانسير ووقف بجانبه الأيمن وفى تمام العاشرة وخمس دقائق حضر النقراشى باشا ونزل من سيارته محاطا بحرسه الخاص واتجه للأسانسير فأدى له هذا الضابط التحية العسكرية فرد عليه مبتسما وعندما أوشك «النقراشي» على دخول الأسانسير أطلق عليه هذا الضابط ثلاث رصاصات فى ظهره فسقط قتيلا ونقل جثمانه إلى داره بمصر الجديدة وأعلنت محطة الاذاعة الحداد لمدة يومين. أما القاتل فقد اتضح انه ضابط مزيف كان يتردد على قهوة بالقرب من وزارة الداخلية. كان النقراشى رئيسا للوزارة ووزيرا الداخلية فى آن واحد. وبعد وقوع عدة حوادث عنف واغتيال ارتبطت بعناصر من الإخوان المسلمين، قرر النقراشى حل الجماعة بعد عريضة اتهام طويلة، واعتقل كل رجال الحركة البارزين، وأغلقت جميع الأماكن المخصصة لنشاطهم، وصادر جميع الأوراق والوثائق والمطبوعات والأموال المملوكة للجماعة. بعد حادثة السيارة الجيب فى 15 نوفمبر 1948م ثم تلاه حل الجماعة فى 8 ديسمبر 1948م، واعتقل قادة النظام الخاص بمن فيهم عبد الرحمن السندى المسئول عن النظام الخاص، عهد حسن البنا للمهندس «فايز سيد» بمسئولية النظام الخاص فى هذه الفترة التى شهدت حملات اعتقال وتضييق على الإخوان. يقول «محمود الصباغ» احد المتهمين فى قضية السيارة الجيب: كان السيد فايز هو الباقى بعد اعتقال كل من يعلوه فى القيادة سواء من رجال الدعوة العامة أو من رجال النظام الخاص، فقد اعتقل جميع أعضاء الهيئة التأسيسية وحيل بين المرشد العام وبين جميع الإخوان، فأصبح سيد فايز هو المسئول الأول عن حماية الدعوة فى هذه الظروف وله حق الاجتهاد. واستمرت الحكومة فى اعتقال مستمر للإخوان واتجه إخوان النظام الخاص فى عهد سيد فايز إلى المقاومة، واستمرت تدريبات النظام الخاص، ففى يوم 19 يناير سنة 1948 ضبط السيد فايز عبد المطلب بجهة المقطم وهو يرأس نفرا من جماعة «الإخوان المسلمون» يدربهم على استعمال الأسلحة والمفرقعات. ووجدت معه ورقة تحوى 99 اسما وأمام عدد منهم أرقام معينة، فتم القبض عليه وتتبع الأسماء الموجودة فى الورقة والقبض عليهم، وتم ضم قضيته إلى السيارة الجيب التى عرفت بضبط جدول الأسماء لدى فايز عبد المطلب، ثم تم اتهامه فى قضية مقتل النقراشي، وظل فى السجن حتى النطق بالحكم فى القضيتين. وعندما تولى حسن الهضيبى مرشدًا للإخوان اتجه إلى إعادة تنظيم الجهاز الخاص وتصحيح أوضاعه التى كانت موجودة فى عهد حسن البنا برئاسة عبد الرحمن السندى وإنهاء حالته السرية إلى العلانية، لكن الأمر تطور إزاء مجاهرة السندى بالرفض. فما كان من الهضيبى إلا أن أعلن حل الجهاز الخاص وإعادة تشكيله برئاسة يوسف طلعت. وكان المهندس سيد فايز من كبار المسئولين فى النظام الخاص ومن الناقمين على تصرفات السندى، لذلك امتثل لأمر المرشد وسعى إلى ضم أفراد النظام الخاص الذى كان يشرف عليه السندى إلى قيادته الجديدة برئاسة يوسف طلعت، ووضع نفسه تحت إمرة المرشد لتحرير هذا النظام فى القاهرة على الأقل. ولم يحدث ما يعكر صفو الانتقال من النظام الخاص القديم إلى النظام الجديد تحت قيادة يوسف طلعت سوى حادث اغتيال سيد فايز. وفى هذه الظروف المريبة قتل المهندس السيد فايز يوم الخميس 20 من نوفمبر 1953م بواسطة صندوق من الديناميت وصل إلى منزله على أنه هدية من «الحلوى» بمناسبة المولد النبوي، وقد قتل معه بسبب الحادث شقيقه الصغير البالغ من العمر تسع سنوات وطفلة صغيرة كانت تسير تحت الشرفة التى انهارت نتيجة الانفجار وشيعت جنازته فى اليوم التالي. بعد هذه الجريمة بثلاثة أيام السبت 22 نوفمبر 1953م، وهو اليوم التالى لتشيع جنازة سيد فايز صدر قرار من مكتب الإرشاد بفصل أربعة من قادة النظام الخاص هم عبد الرحمن السندى وأحمد عادل كمال ومحمود الصباغ وأحمد زكى دون أى تعليق على أسباب الفصل. وبعد ثورة 32 يوليو وعودة الإخوان للعمل العام خطط الإخوان لاغتيال جمال عبد الناصر فى حادث المنشية الشهير بالمنصة فى 26 أكتوبر 1954، الامر الذى حدا بعبد الناصر بعدها أن يحل الجماعة ويصادر ممتلكاتهم، وقام بعض الغاضبين وقتها من هيئة التحرير بحرق مقر الجماعة بالدرب الأحمر. لم تتوقف المسيرة عند مجرد القيام بالاغتيال فقط وإنما وصل الأمر الى تأييد القاتلين، يقول محمد عساف فى كتاب «مع الإمام الشهيد»: ولا يزال الإخوان إلى الآن فى كتبهم وأدبياتهم يمدحون أفرادا كان لهم دور كبير فى قتل رؤساء ومسؤولين بما يدل على عمق علاقتهم بهم ورضاهم عن توجهاتهم الانقلابية الإرهابية ومثال ذلك ما صرح به محمود الصباغ فى كتابه «حقيقة التنظيم الخاص» وفيه مدح الصباغ قتلة الرئيس السادات، وقال عنه: فبلغ قمة الاستبداد والتأله على شعب منحه حبه وضحى معه بدمعه عزيزا مهراقا على أرض المعكرة وهو ظلم لا يرضى عنه خالق السماوات والأرض الذى أبدع كل شيء صنعا فسلط عليه شابا من شباب مصر وأظلهم بظله فباغتوه فى وضح النهار وفى أوج زينته وعزه يستعرض قواته المسلحة ولا يرى فيهم إلا عبيدا له ينحنون وبقوته وعظمته يشهدون وإذا بهم سادة يقذفونه بالنار ويدفعون عن أنفسهم وصمة الذل والعار والشنار وعادت لمصر عزتها وانتصر الله للمؤمنين فى المعركة الرابعة نصرا عزيزا.