رفضت أديس أبابا عرضا من القاهرة للمساهمة في تمويل السد وضمنت بذلك سيطرتها علي إقامة سد النهضة علي أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل. ومن الممكن تصدير الكهرباء التي سيتم توليدها من السد إلي دول المنطقة التي تحتاج إليها بشدة. وتكفي كهرباء السد لتغطية احتياجات مدينة عملاقة مثل نيويورك. لكن قرار تمويل المشروع الضخم نفسه يحمل في طياته خطر خنق استثمارات القطاع الخاص وتقييد النمو الاقتصادي وربما يعرض للخطر حلم اثيوبيا أن تصبح دولة متوسطة الدخل بحلول عام 2025. وقد تم حتي الآن بناء ربع السد وتقول اثيوبيا إنه سيبدأ توليد 750 ميجاوات من الكهرباء بنهاية العام الجاري. ويعمل المهندسون في الأرض الرملية لوادي جوبا قرب الحدود السودانية علي صب الأساسات الخرسانية للسد الذي سيرتفع 145 مترا وستولد توربيناته عند اكتماله 6000 ميجاوات من الكهرباء ليصبح أكبر سدود القارة إنتاجا للكهرباء. وحتي الآن دفعت اثيوبيا 27 مليار بر '1.5 مليار دولار' من إجمالي التكلفة البالغة 77 مليار بر للمشروع الذي سيؤدي إلي إيجاد بحيرة طولها 246 كيلومترا. ويمثل السد أكبر جزء من مشروع ضخم للانفاق العام علي الكهرباء والطرق والسكك الحديدية في واحد من أسرع الاقتصادات الافريقية نموا. وقد ارتفع الناتج الاثيوبي بما يقرب من المثلين علي مدي عشر سنوات ليجتذب استثمارات من السويد والصين. لكن اقتصاديين يحذرون من أن يلحق الضغط علي القطاع الخاص لتمويل مشروعات عامة للبنية التحتية الضرر بآفاق النمو مستقبلا. وقد ظهرت مؤشرات علي تباطؤ النمو الاقتصادي بالفعل. ورغم ذلك تقول أديس أبابا إن ضمان عدم امتلاك مصر حق التدخل لوقف بناء السد يستحق هذا الثمن. ويمثل السد محور مشروع ينفذ علي 25 عاما للاستفادة من النمو الاقتصادي المتسارع في شرق أفريقيا بتصدير الكهرباء لمختلف أنحاء المنطقة. وقال فيك أحمد نجاش المدير بوزارة المياه والطاقة الاثيوبية 'لم نكن نرغب أن يعاني هذا السد من ضغوط خارجية لا سيما فيما يتعلق بالتمويل.' وقد حول بناء هذا السد اثيوبيا من كارثة اقتصادية قادرة بالكاد علي توفير الغذاء لشعبها إلي قوة اقليمية صاعدة قادرة علي التمويل الذاتي لمشروعات ضخمة توزيع الأدوار الدبلوماسية في دول حوض النيل أهم الموارد الطبيعية في شمال شرق أفريقيا. واستشاطت مصر غضبا إذ تخشي أن يقلل السد تدفق المياه التي تعتمد عليها في الشرب والزراعة منذ الاف السنين. وطلبت مصر وقف أعمال البناء لحين التفاوض بين البلدين وعرضت المشاركة في ملكية المشروع لكن هذا العرض قوبل بالرفض من أديس أبابا. ولم يعد للقاهرة الميزة التي كانت تتمتع بها عندما كانت دول منبع النهر أفقر من أن تبني مشروعات ضخمة كهذه بنفسها. وما دامت اثيوبيا ترفض التمويل الخارجي فلا يبدو أن القاهرة تملك وسيلة تذكر لوقف بناء السد. وتتدفق المياه عند سفح جبل جيش الاثيوبي إلي بحيرة تانا ومنها يتهادي النيل الأزرق صوب العاصمة السودانية الخرطوم حيث يلتحم بالنيل الابيض لتتدفق المياه شمالا عبر مصر حتي تصب في البحر المتوسط. ومن بين مخاوف القاهرة هاجس أن يؤدي ملء خزان السد الجديد الذي تبلغ سعته 74 مليار متر مكعب بالمياه علي سنوات إلي قطع تدفق المياه عن النهر مؤقتا وأن يؤدي تبخر المياه من سطح البحيرة التي ستتكون خلف السد إلي تقليص حصتها. وقال خبير المياه كلاوس لانز مشيرا إلي نقص المياه في مصر 'مشاكل المياه حتي من دون هذا السد كبيرة للغاية.' ويرتكز الموقف المصري علي اتفاقية لعام 1959 مع السودان تمنح مصر نصيب الاسد من مياه النهر. وبلغ الأمر أن دعا بعض الساسة المصريين العام الماضي إلي القيام بعمل عسكري ضد اثيوبيا مما أثار المخاوف من نشوب 'حرب مياه'. وهدأت العاصفة السياسية في العلن لكن مسؤولين مصريين مازالوا يشيرون إلي ضرورة تأمين حصة البلاد من مياه النيل باعتبارها مسألة أمن قومي. وقد وصفت القاهرة بناء السد بأنه 'انتهاك' لمبادئ القانون الدولي وخاصة واجب منع الضرر عن الدول الأخري في حوض النهر. وقال بدر عبد العاطي المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية لرويترز 'ليس لدينا موارد أخري. ولذلك فالمسألة ليست نكتة. فنحن لن نسمح بتعريض مصالحنا الوطنية وأمننا القومي.. للخطر.' وأضاف عبد العاطي 'مازلنا مع التعاون والتفاوض. لكن مع التفاوض الجدي فقط لا تضييع الوقت.' لكن القاهرة التي يشغلها عنف المتشددين والاضطرابات السياسية في الداخل ليس لديها خيارات تذكر للضغط علي أديس أبابا لوقف المشروع. ويقول مسؤولون اثيوبيون إن السد قد يكتمل في عام 2016. وتنفي اثيوبيا أن مصر ستعاني من جراء بناء السد وتشكو من أن القاهرة استخدمت نفوذها السياسي في ردع جهات التمويل عن دعم مشروعات اثيوبية أخري لتوليد الكهرباء. وقال فيك أحمد من وزارة المياه إن القاهرة كان لها يد في قرار شركة معدات وتكنولوجيا الكهرباء الصينية الانسحاب من صفقة بمليار دولار لتوصيل السد بشبكة الكهرباء الاثيوبية. وقال فيك أحمد 'السلطات في مصر أحدثت جلبة' وأضاف أن مجموعة صينية أخري تتأهب الان لتمويل خطوط الضغط العالي. ولم يعلق المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية علي هذه الشكوي الاثيوبية لكنه أكد أن القاهرة تحاول استخدام نفوذها لابعاد الجهات الأجنبية عن تمويل المشروع. وقال وزير الخارجية المصري نبيل فهمي لمحطة سكاي نيوز أرابيا هذا الشهر إنه يرفض الحل العسكري ويرفض إحالة النزاع لمحكمة العدل الدولية وهو ما يتطلب موافقة الطرفين. وبدلا من ذلك تواصل مصر الضغط من أجل إجراء مزيد من الدراسات علي تصميم السد وأثره علي دول المصب. وفي المقابل تواصل اثيوبيا دون كلل العمل في بناء السد. وقال مسؤول اثيوبي رفيع طلب عدم نشر اسمه 'سنكمله سواء أرادوا أم أبوا. لكننا سنواصل بالطبع التفاوض في الوقت نفسه.'