'المدفونون بالحياة'.. وصف يلخص واقعا مريرا يعيشه آلاف المصريين من سكان المقابر الذين هم خارج نطاق الحياة، يشاركون الأموات في سكنهم، ويعيشون في خوف ورعب، ليس من الأموات، علي حد تعبيرهم، بل ممن اتخذوا المقابر مرتعا للجريمة وللممارسات غير الأخلاقية، ورغم الفقر والمرض فإن أحلامهم بسيطة لا تتخطي أربعة جدران. فقبل مئات الأعوام ظهرت قرية ' زاوية سلطان ' إلي الوجود تحت سفح الجبل في محافظة المنيا، كانت قرية هادئة تقع منازلها علي الضفة الشرقية للنيل في حين تقع أراضيها الخصبة المزروعة علي الضفة الغربية. لكن الأهالي باتوا اليوم يطلقون علي قريتهم اسم 'زاوية الأموات' مع استمرار التوسع في بناء المقابر بطريقة عشوائية علي حساب المساكن، وسط غياب الرقابة من المجلس المحلي وتقاعس الشرطة. ويشجع وجود 26 ضريحا 'لأولياء الله الصالحين' في هذه المنطقة علي بناء المقابر بالقرب منها لمباركة الموتي، بحسب السكان. بداية ما إن دخلنا ترب هذه حتي قابلنا رجلا يسمي الحاج فتحي حبيب يقف أمام أحد المدافن الموجودة، الغريب حينما سألناه منذ متي تحديدا، قال انني هنا منذ 63 سنه، بعد أن غدر الزمن بأبي وأصبحت أمور الحياة صعبه. الرجل العجوز رغم كبر سنه، قال لنا: عندما سألناه عن المعيشة في المقابر وهل هي مخيفة عن العالم الخارجي؟ قال لي: 'يا بنتي، المقابر دي زي الجامع، لازم تدخلها بنية صافية، وعندما يكون ضميرك خالص لله إوعي تخاف من حاجة. والناس اللي عايشة هنا هي والميت واحد. وعن عمله قال 'أنا باشتغل علي باب يعني يوم وعشرة لأ، يعني عايشين بالعافية، أو تقدري تقولي مش عايشين أصلا وبنحمد ربنا علي اللي إحنا فيه بس بجد ناقصنا حاجات كتير قوي.... أنا مش هقول: عايز عربية ولا غيره.. أنا عايز الامان انا وولادي في البلد دي '. ويضيف: 'العيشة هنا مش آدمية بالمرة.. فيه أشياء كتير تنقصنا، أهمها المياه، حيث لا يوجد غير حنفية مياه واحدة، وتنقطع المياه عنها دائما، بالإضافة لأن مفيش أمان، والبلطجية وتجار المخدرات بيخلونا ننام من المغرب، وممنوع حد فينا يخرج برة'. أما ' فوزي جرجس' فلم يختلف حالة كثيراً عن جيرانه فيقول: لا يوجد أحد يستطيع أن يسير في شوارع المنطقة من بعد العشاء لإن المدافن 'مسكونة ' و ياما ناس كتير نزلت و عادت بعد ذلك بدون وعيها ثم فارقت الحياة و لا نعرف ما الذي حدث لها. و يضيف فوزي ' رائحة الموتي لا تفارقنا ليلاً و نهاراً نتيجة تسربها من أبواب الجبانات الحديد, فلا نطيق الجلوس أو النوم داخل منازلنا, و قد أصيب أطفالنا بالعديد من أمراض الحساسية في الصدر و الجلد, و لكن لا ملجأ لنا إلا تلك المنطقة فهي التي تسترنا بعيداً عن مشاكل الحياة التي تشهدها المدينة من مظاهرات ومشاجرات لا تنقطع. يقول ممدوح جمال ' مدرس ' أحد أهالي قرية زاوية سلطان: القرية منذ 25 عام لم تكون كما هي عليه حالياً و لكنها كانت قرية عادية مثل باقي القري بالمحافظة و الشيء الإضافي بها هو وجود مقابر الأموات بها من الناحية الشرقية أسفل الجبل, و لكن مع مرور الوقت بدأت عمليات الزحف و بناء القبور بشكل مخالف نتيجة قلة التواجد الأمني و مسؤلوا الوحدة المحلية, مما ساعد في إختلاط العديد من المنازل بحدود جبانات القبور بعد أن كانت توجد مساحات شاسعه بينهم, بل و وصل الأمر إلي بناء بعض أسر الفقراء لطوابق إضافية فوق المقابر الخاصة بهم نتيجة لسوء حالتهم الإجتماعية و الماديه. ويقول أحمد زيدان ' طالب جامعي ' حينما تكون الحياة وسط القبور يكون الموت هو غاية الحياة, لأنك تعيش بذلك 'حياة الممات', فهناك العديد من الأثرياء في هذا الوطن ممن لا يشعرون بنا إلا أوقات الإن وما إلي ذلك من مصالح شخصية, وإن أتي ذلك علي حساب الفقراء., وأصبحنا في طي النسيان بالنسبة للمسؤلين الذي لا يتذكروننا الا وقت الانتخابات '. وأضاف ' أشرف محمود ' مدرس علم النفس حياة القبور تضع فئات مجتمعه في إنطوائية كبيرة عند تعاملهم مع أفراد المجتمع الآخرين و هذا يعد طبيعياً لأنهم يتعاملون مع أشخاص تختلف أفكارهم و ملامحهم و أساليبهم مئات المرات عنهم. وأضاف ' أشرف ' علي المسؤلين أن ينظروا بعين الشفقة لهؤلاء المواطنين و سرعة تعويضهم بمنازل بديلة في مناطق أدمية قبل أن يتكاثروا أكثر فأكثر و تظهر حينها فئة غريبة من نوعها أطلق عليها ' القادمون من الدار الآخرة '. ختامنا ب ' عيش - حرية - عدالة إجتماعية'.. المطالب التي قامت من أجلها ثورة 25 يناير, ولكن لم تتحقق أي من هذه المطالب, فتزايدت أعداد الأحياء الذين يُدفنون في المقابر, حيث بلغت أعداد سكان المقابر لحوالي مليون ونصف شخص.. ويبقي السؤال: من يتحكم بمصير كل هؤلاء سوي الحكومة ورئيسها؟.