جامعة بنها تشارك في النسخة الثالثة من المؤتمر الدولي للمناخ والبيئة    استكمال رفع كفاءة وتجميل المسطحات الخضراء بالمحاور الرئيسية والمداخل بمارينا    وزير الكهرباء يبحث مع «أميا باور» الإماراتية تعزيز التعاون بمجالات الطاقة المتجددة    المصرية للاتصالات WE تعلن الإطلاق الرسمي لخدمات الجيل الخامس في مصر    بعد انقطاع أكثر من 12 عاما، الكويت تستأنف الرحلات المباشرة لدمشق 19 يونيو    الرئاسة الفلسطينية: 3 شروط لينعم الجميع بالأمن والاستقرار    التشكيل الرسمي لمباراة اليابان وأستراليا في تصفيات كأس العالم    نهائي كأس مصر.. تشكيل هجومي متوقع لبيراميدز أمام الزمالك    وزيرة التضامن توجه بتوفير كامل الخدمات داخل المخيمات لحجاج الجمعيات بمشعر عرفات    أول تعليق من بسمة بوسيل بعد تحسن حالة نجلها آدم تامر حسني الصحية    قصور الثقافة تطلق برنامجا احتفاليا متنوعا بالشرقية في عيد الأضحى    جامعة أسيوط ترفع حالة الطوارئ بمستشفياتها خلال عيد الأضحى    مدير فرع الرعاية الصحية بالإسماعيلية يترأس غرفة طوارئ عيد الأضحى (صور)    طريقة عمل الجلاش باللحمة المفرومة، سهل ومشرف في العزومات    ألمانيا تسعى لبناء أقوى جيش أوروبي.. تحديات ملحة وخطط طموحة حتى 2029    عادة كل سنة.. مسيحية بورسعيدية توزع وجبات "فتة ولحمة" على المسلمين لإفطار يوم عرفة    21 ألف جنيه تراجعًا بأسعار "باجاج كيوت" أرخص مركبة جديدة بمصر.. التفاصيل    الأهلي ل«هاني شكري»: اعتذارك غير مقبول وسب جمهورنا لن يمر دون حساب    مجلس الزمالك يصرف دفعة من مستحقات اللاعبين قبل نهائي الكأس    "معقولة بيراميدز يتعاطف مع الزمالك ويمنحه الكأس؟".. شوبير يطلق تصريحات نارية    الرئيس السيسي يتبادل التهنئة مع ملوك ورؤساء وأمراء الدول بمناسبة عيد الأضحى    موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية فى دمياط    "الأعلى للإعلام" يستدعي ممثلي وسائل إعلامية في شكوى طليقة أحمد السقا    الجارديان: حظر السفر الجديد الذى أصدره ترامب قد يميز ضد فئات بعينها على أساس العرق    محمد حماقي يشعل حفل زفاف محمد شاهين| صور    «لديهم مغناطيس للثروة».. تعرف على أغنى 5 أبراج    بث مباشر من عرفة الآن.. الحجيج على عرفات وصلاة الظهر والعصر جمعًا والمغادرة عند الغروب    المفتي السابق يوضح حكم الصلاة إذا أخطأ الإمام في تكبيرات صلاة العيد    مفاجأة.. ماسك طلب تمديد مهمته في البيت الأبيض وترامب رفض    الأهلى يرفع شعار التحدى فى كأس العالم للأندية بعد صفقات الميركاتو    هزات كريت تصل إلى الإسكندرية.. والحديث عن تسونامي لم يعد بعيدًا.. خبيرًا باليونسكو يكشف ل "الفجر"    هيئة التأمين الصحي الشامل تعلن مواعيد العمل خلال إجازة عيد الأضحى    استشاري بالقومي للبحوث تنصح بالتوازن في الغذاء خلال عيد الأضحى    وزير التعليم العالي: إعداد قيادات شبابية قادرة على مواجهة التحديات    توزيع الحلوى والبالونات.. أماكن صلاة عيد الأضحى بجنوب سيناء    التنظيم والإدارة: إعلان باقي مسابقات معلم مساعد لمعلمي الحصة خلال يونيو الجاري    «24 ألف ماكينة ATM».. خطة البنوك لتوفير النقد للمواطنين خلال إجازة العيد    قبل عيد الأضحى.. حملات تموينية بأسوان تسفر عن ضبط 156 مخالفة    ارتفاع أسعار 3 أنواع من الكتاكيت واستقرار البط اليوم الخميس 5 يونيو 2025    آخر كلام في أزمة زيزو.. ليس له علاقة بالزمالك بفرمان الجبلاية    نصوم 15 ساعة و45 دقيقة في يوم عرفة وآذان المغرب على 7:54 مساءً    داعية: زيارة القبور في الأعياد من البر وتذكره بالآخرة    إنزاجي: الهلال فرصة عظيمة.. وأرغب بتحقيق البطولات وتقديم كرة ممتعة    «في وقفة عرفات».. موعد أذان المغرب بالمحافظات    الاحتلال يستهدف صحفيين في مستشفى المعمداني واستشهاد 3    بث مباشر من عرفات.. مئات الآلآف يقفون على المشعر الحرام    سقوط تشكيلين عصابيين وكشف غموض 28 جريمة سرقة ب"الإسكندرية وبني سويف"    تكثيف الحملات التموينية المفاجئة على الأسواق والمخابز بأسوان    معايدة عيد الأضحى 2025.. أجمل رسائل التهنئة للأهل والأصدقاء (ارسلها مكتوبة)    اليوم وغدًا.. نجوم الإعلام ضيوف معكم منى الشاذلي    مصرع عامل في حادث انقلاب دراجة نارية بالمنيا    الدفاع الأوكرانى: أوكرانيا ستتلقى 1.3 مليار يورو من حلفائها العام الجارى    أسعار البيض بالأسواق اليوم الخميس 5 يونيو    مسجد نمرة يستعد ل"خطبة عرفة"    عالم أزهري: أفضل أيام العشر يوم النحر يليه يوم عرفة    شريف بديع ل الفجر الفني: كنت شاهد على تحضيرات ريستارت..ورسالته مهمه وفي وقتها ( حوار)    حزب الوعي: نخوض الانتخابات البرلمانية على 60% من مقاعد الفردي    أحمد سالم: صفقة انتقال بيكهام إلى الأهلي "علامة استفهام"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورات العربية كشفت 'حمي الإخوان'.. والعلاج قريب جداا

'الفيس بوك' هو الذي فجر الأزمات العربية.. والربيع العربي نصف مؤامرة
 اللوبي اليهودي يقف حائلا صد أمام الإبداع العربي.. فهو لا يريد لشمس الشرق ان تُشرق
ألمانيا باعت إبنها الشرعي 'الدوتش مارك' وتبنت إبن لقيط إسمه 'اليورو' من أجل وحدة أوروبا.. فأين نحن؟!
 عامة الشعب إتخذوا دور المثقف وتغيرت الوظائف.. وأصبح لكل واحد منبر خاص إسمه ال'فيس بوك'
 في مصر فقط يمكن أن تتآخي الحضارات جميعًا وتتراكم.. وليس علي الكاتب المتمكن إلا أن يغرف منها
هو أحد الطيور المهاجرة.. المحلقة في سماء الإبداع.. بين تونس ومصر تجده.. وبين روسيا وألمانيا حكايات وقصص عاشها.. تنوع ما بين الشرق والغرب.. أكثر من ربع قرن جاب خلالها ذلك الشاب 'القيرواني' مسافرًا في رحلة بحث عن أرض جديدة أكثر اتساعًا له ينهل منها, بعدما ضاقت به 'القيروان' ذات الحدود الصارمة بفكرها الصوفي.. حتي تصل رسالته إلي العامة.. إلي الفلاح.. إلي العامل والمواطن البسيط.. واصفًا نفسه بحبة قمح تبحث عن أرض تضرب بجذورها في رحم الأرض ليطل علي نفسه ثم ليطل علي الآخرين.. و ليتحول مع العالم الاحترافي للكتابة إلي آلة يابانية تحول الصور إلي كتابات.
إنه الكاتب التونسي كمال العيادي القيرواني, الذي صدرت له حديثًا مجموعة نصوص قصصيّة عن المجلس الأعلي للثقافة بالقاهرة بعنوان 'أرواح هائمة' بعد مجموعة 'ليس للربيّع علامة' الصادرة عن دار التلاقي, وهي المجموعة القصصية الرابعة له, بعد مجموعة 'مدن' التي نشرت في ألمانيا العام 2004, ومجموعة 'رحلة إلي الجحيم' التي نشرت في تونس العام 2008, ومجموعة 'غابة الخبز' التي نشرت في فلسطين 2010. وصدر له العديد من المؤلفات الشعرية والترجمات وغيره, نُشر أغلبها في السنوات العشر الأخيرة من دور نشر عربية وأوروبية, ومنها إستراليا وألمانيا والمغرب وتونس ومصر.
'الأسبوع' إلتقته وكان لها هذا الحوار معه الذي تطرّق فيه إلي أزمات الكتاب والمبدعين.. وناقدًا للوضع العربي بعد ثورات ما أطلق عليها 'الربيع العربي'.. وكان هذا الحوار:
 أكثر من ربع قرن وأنت خارج حدود الوطن تونس.. ما سر غربتك الطويلة والمبكرة هذه خارج الوطن؟
أعتقد أن غربة الكاتب أو ارتحاله تختلف عن غربة أو ارتحال المواطن العادي، ذلك أن الكاتب في الحقيقة يٌهّرب بين حقائبة مشروعًا إبداعيًا أو رؤية يريد لها أن تسمو وتينع في أرض ملائمة تناسب قناعاته وثقافته واختيارته وانحيازه، كذلك كان الأمر بالنسبة لي, فالارتحال لم يكن فقط صوب المكان أو بغاية تغييره وإنما طمعًا في تأسيس عالم خاص تتشابك فيه وتتحقق جملة قناعاتي وإيماني ورؤيتي للحياة عبر للكتابة.
 هل كان ل 'القيروان' تلك المدينة التي كانت منبرًا للعلم وتعاليم الدين الإسلامي - مسقط رأسك - أثر في تكوين فكرك الإبداعي؟
بدأت مبكرًا أقتنع أن ل 'القيروان' حدود صارمة وحادة وضيقة بعد انخراط في المدرسة الصوفية القيروانية التي كانت تباهي بحدودها اللغوية، وتري أن الإبداع - ضرب في اللغة وتماه فيها وبها, منها ولها، لكنني كنت أعتقد عكس ذلك أن شجرة الحياة خضراء وممتدة الأغصان كما الجذور وكنت أحلم بأن تصل رسالتي إلي العامة.. إلي الفلاح إلي العامل إلي المواطن البسيط، وأري أن هذا حق وواجب ورسالة للكاتب.. من هنا بدء اختلافي مع المدرسة الصوفية 'القيروان' ذلك لأنها مدرسة نخبة توجه خطابها لفئة بذاتها ولا تنبش في طينة الحياة, فانتظرت حتي تحصلت علي شهادة الثانوية العامة 'البكالوريا' عام 1986 م وكنت اسميها 'شهادة التأهيل للتخلص من براثن القيروان العجوز'.
 وإلي أين كانت وجهتك الثانية بعدما قررت التخلص من براثن القيروان العجوز علي - حد تعبيرك-؟
لقد كانت وجهتي الثانية 'تونس العاصمة' التي كانت تمور وتعج في أواخر الثمانينات بآراء متضاربة وخلافات ملهمة بين اليسار والوسط واليمين سياسيًا وإبداعيًا واجتماعيًا, حيث كانت تونس العاصمة في أواخر العهد 'البورقيبي' بؤرة متشنجة تبشر بولادة وانبثاق مدارس إبداعية جديدة كانت تتشكل من تقاطعات مع المدارس الغربية وخاصة اليسارية منها.. وكان الأدباء في تونس العاصمة يقفون في مواجهات يتبننون فيها الرؤي والمدارس الغربية وخاصة المدرسة الدادائية والعبثية 'صموئيل بيكيت'، 'أوجين يونسكو', المغنية الصلعاء, الكراسي 'في مقابل مدارس متجهمة أخري مثل الوجودية 'سورين كيركجارد ', وبقية المدارس الفنية التي تمثلها حركة السريانية 'سلفادور دالي'.
 ولكن رغم هذه التشكيلات من مدارس مختلفة في المسرح والشعر والسرد.. أكنت تخلصت من إرثك 'القيرواني' المتشبع بالصوفية؟
لقد كانت كل هذه التشكيلات انعكاسات لتكون نواة حركة حُبلي وواعدة، وكانت أول صدماتي وخصوماتي مع كبار مؤسسي ومبدعي الساحة الثقافية في ذلك الوقت وخاصة مع اليسار، وكان سببها ردًا علي سؤالكم أنني لم أكن قد تخلصت بعد من إرثي الصوفي، فضاقت بي الأرض ثانية وقررت الرحيل من جديد صوب أرض أكثر اتساعًا وأكثر رحابة، ولما كنت منبهرًا ومعجبًا بالإرث الروسي وبالمدرسة الروسية تحديدًا في الشعر والسرد 'بوشكين'، 'ليرمانتوف'، 'دافيدوف'، 'كريليوف'، 'دويستوفكسي'، 'مكسيم جورجي'، 'بولجاكوف'.. فقد قررت دراسة اللغة الروسية في المركز الثقافي الروسي، ولأنني عشقت اللغة نجحت بامتياز مكنني من منحة لدراسة السينما والسيناريو بمعهد السينما الدولي بموسكو.
 وهل استطاعت التجربة الروسية أن تشبع تعطشك وجوعك لأرض أكثر اتساعًا تنهل منها؟ أم قررت الرحيل مجددًا منها في رحلة بحثك عن أرض جديدة بحضارة جديدة؟
للحقيقة عشت تجربة روسيا ممتنًا، وأشبعت جوعًا وتعطشًا ونهلت من منابعها الأولي بلغتها, ولكنني مع نهاية فترة 'جورباتشوف' في بداية التسعينات اقتنعت نهائيًّا أن التجربة الشيوعية ليست أكثر من 'نمر من ورق', وكان فعلاً يتصدع أمام عينيَّ، فقررت أن أضرب وأبحث في أرض أخري ومنابع أخري وحضارة أخري ومنابع أخري، ولم يكن الأمر يستوجب الكثير من التردد لأعرف وجهتي 'ألمانيا' منبع الفلسفة وأتونها.. 'هيجل، ماركس، أنجلز، فيخته، بشلار، كانط وغيرهم'، فارتحلت إلي ألمانيا لأعيش فيها 22 عامًا أكملت فيها دراستي الجامعية الثالثة في أعرق الجامعات لدراسة الاقتصاد والتسويق الدولي ودرس لي أحد عباقرة الأرض المعاصرين البروفوسير 'زاموش'.. ودرست بعد ذلك ومارست مواطنتي في هذه الأرض أو في صحراء الثلج بعد صحراء الصقيع روسيا، ولكنني انتهيت أيضًا إلي أن منبع الكتابة يجب أن يكون الشرق.. حيث الشمس الملهمة وحيث الحضارات تسير كما الزمن جنبًا إلي جنب ومن جديد لم أكن بحاجة للتردد لأعرف أن وجهتي هي مصر عام 2009.
 ولم تأكيدك علي عدم التردد بأن وجهتك هي مصر علي وجه التحديد؟
لأنه في مصر فقط يمكن أن تتآخي الحضارات جميعًا, وتتراكم، وتري الزمن حينها يتقاطع، بشكل بديع وميلودرامي كما لا يوجد في أيّ بلد آخر فوق الأرض.. في مصر ينبوع التكوين البكر للتدوين والحياة, هذه الحياة التي تتداخل فيها الأزمنة والحضارات جميعًا وليس علي الكاتب المتمكن إلا أن يغرف، وكنت أكتب يوميًا بين 40 إلي 60 صفحة ومنذ أول يوم وصلت فيه إلي مصر ليس لتبجح أو ادعاء عبقرية مفتعلة ولكن لأن الأرض خصبة ولأنني أتعامل مع الصورة كآلة يابانية متطورة تسجل وتلتقط ثم تترجم إلي لغة وصور عبر اللغة.
 لكن هذه الصور التي وصفتها تحتاج إلي كاتب متمكن ذو حالة خاصة لينقل تلك التركيبات والصور بشكل يصل إلي القارئ بسهولة؟
أحيانا تنتابني نوبة من الضحك حين يرسل لي أحد النقاد متسائلاً وحائرًا ومستفسرًا عن مصادري في اقتناص هذه الصور والتركيبات والتقاطعات وهذا النسيج السردي الموقع والسلس.. كنت أضحك وحدي لأن الجواب لو كنت أجبته به لسخر مني ولما صدقني.. الجواب هو أنني لا أكتب ولا أفتعل ولا أتقعر في اللغة وإنما أنا أصف الواقع وأعب منه تمامًا مثل آلة يابانية متطورة كما قلت لكم.
 صف لنا شكل هذه الآلة من منظورك الأدبي؟
في رأيي علي الكاتب أن يكون بسيطًا وعميقًا كحبة قمح 'بقدر ما هي مستقلة بذاتها فهي منخرطة في جمع، كأن تقول في 'كيس' قمح لكن حينما تأخذ الحبة الواحدة من حبات القمح وترمي بها إلي الأرض, أي أرض - حمراء ملتهبة أو بيضاء مجمدة - فهي لابد أن تمر بمراحل كيميائية ضرورية، فأما أن تموت أو أن تحيا.. الموت هنا لا يعنينا.. فكم من كاتب قد مات في غير أرضه، لكن في الحالة الثانية - أي الحياة - أو التأقلم فهي تتحلل أولاً وتختلط عناصرها بعناصر التربة التي رميت فيها، فتضرب بجذورها وعروقها في رحم الأرض البكر لتنمو بعد ذلك كنبتة خضراء صغيرة تطل علي نفسها أولاً ثم علي الآخرين بعد ذلك.. لذلك أعتقد أن مقياس معرفة الفرق بين الكاتب والمستكتب والكاتب الفذ، هو أن المستكتب يستجيب ولا يقترح، وأن غاية الكاتب ملء الرفوف واستجداء الصكوك، واستئناس البنوك وهمه بالتالي أرضي.. لكن غاية الكاتب الحقيقي اللا مغشوش واللا مرشوش هو أن يضمن لنفسه حيز في التاريخ بعد موته ولو بألف سنة مما يعدون.
 كيف تري الادب العربي في الغرب؟ هل يجد مكانته الحقيقة وتقديره؟ وهل للترجمة دور وعامل مهم في نشره هناك؟
الغرب كلمة فضفاضة لابد من تقشير معناها، فهي عبارة تضم الجيد والردئ، الواهي والمتين، الغرب هو جملة من مواطنين وموظفين وعمال وقراء عاديين مثلنا تمامًا فيهم الألمعي والأحمق فيهم الذي تزود بثقافة متينة وفيهم البسيط الساذج، هؤلاء لا يعرفون الكثير عنا, ذلك أن من يطعمهم ويغذيهم معرفيًا هم جملة من المثقفين والكتبة والصحفيين والنقاد وهم النخبة والنخبة في الغرب قسمان.. قسم يدرك أهمية الشرق ويحاول جدًّا تقديم الحقيقي من الإبداع العربي ولكنهم عادة يواجهون حائط صلب ودرع صعب الاختراق يقف ورائه موجهون ومهندسون للخارطة الإبداعية العالمية.
ويؤسفني أن أصرح لكم أن هذه الجبهة بالذات لا تخلو من متاريس يهودية شديدة المكر والخبث وتحسب اللعبة بشكل جيد، فهم لا يترجمون للمبدعين الحقيقين المبشرين بأدب متين ورائد متمكن لكنهم يعيدون نحت نفس التماثيل التي نصدرها لهم.. ففي بلد مثل ألمانيا يترجم سنويا 175 ألف عنوان لا نجد منها إلا سبعة أو 8 عناوين لمبدعين عرب والباقي لمبدعين من أمريكا اللاتينة وآسيا ومن لغات أخري غير العربية.
 إذًا اللوبي اليهودي يقف حائلاً صدا أمام الإبداع العربي بإستراتيجية وتخطيط.. ولست بطريقة عشوائية.. والغرض ألا تشرق شمس المشرق؟
هذا حقيقي مائة في المائة.. فآلية التسويق الأوروبي يتحكم فيها هذا اللوبي اليهودي, وهذا اللوبي ليس من مصلحته تقديم الأدب العربي وخاصة كتابات الشبان الواعده، فها أنت تجد أن أغلب الترجمات التي تتردد هي لرواية 'موسم الهجرة إلي الشمال' للطيب صالح التي كتبت في بدايات الخمسينات أو لنجيب محفوظ كونه فرض نفسه قصرًا عالميًا أو لكبار الأعلام من مبدعي الستينات والسبعينات، ولنفهم ما يدور في كواليس الغرب في اختياراته يكفي أن نعرف أن كاتبًا مثل السوري 'رفيق شامي' يباع كل عنوان جديد له بمئات الآلاف ويمكنه أن يتحصل عن كل رواية علي مبلغ لايقل عن ثلاثة ملايين يورو إذا حسبنا أن الحد الآدني لمطبوعاته هي 500 ألف نسخة وأن سعر الرواية 48 يورو.
كذلك الأمر يحاولون مع روايات أو مع كتاب قله مثل 'علاء الأسواني' الذي ترجم إلي 18 لغة بتمويل مريب لمجرد أن بدايته كانت حول قضية طرح العقار اليهودي في مصر، وكلنا يعرف أن قضية العقارات اليهودية المتخلفة في مصر طرحت عام 1999م تحت ما يسمي بقضية 'مخلفات اليهود وأملاكهم' ولكن بعد سنين فقط وقع تفجير أحداث سبتمبر 2011 وجمدت القضية، وبحث الغرب عن كاتب مناسب يطرح هذا الملف الخطير من جديد فلم يجدوا غير 'علاء الأسواني' من خلال عنوان مغري وهو 'بناية اليهود' أو 'عمارة يعقوبيان' كما نشرت فيما بعد.
ويا للاحتفاء الذي قوبل به 'علاء الأسواني' في الغرب، رغم أنه كاتب متواضع القيمة بلاغيًا وإبلاغيًا وإبداعيًا ونسيجة السردي يعاني من عاهات.. في حين أني أستطيع أن أعد لك عشرات الأسماء من المبدعين الشبان الذين يفوقون أكبر كتاب الغرب جدة وترافة وخلقًا واتقانًا في النسيج السردي، لكنهم يحبطون ويقمعون ويقع تجاهلهم كليًا لأن هذا اللوبي اليهودي لا يريد لشمس الشرق أن تُشرق وأن يتم تقديمهم للقارئ الغربي البسيط.
 ننتقل معكم الي بعض الجوانب السياسية.. كيف تري ثورات الربيع العربي وهل هي نابعة من الداخل أم صُدرت لنا؟ كيف تراها بعين المثقف والأديب؟
كل حدود السؤال صحيحة لكن حدود الجواب لا نهائية ومفتوحة، فالواقع أن 'قمقم سليمان' كان لابد وأن ينفجر لو كان الذي بداخله شباب الأمة العربية ضغط، وقمع وظلم وإحباط تراكمت مع انبثاق عولمة كسرت كل حدود الاتصال والتواصل فهذا التحمل الذي كان مبررًا حتي التسعينات لم يعد مقنعًا في الألفية الثالثة حيث أصبح العالم أصغر من قرية عبر الفيس بوك وتويتر، وكل وسائل الاتصال الجبارة والمذهلة.. كان البارود في القمقم كل الوقت ولكن كان ينقصه الفتيل، ثم جاء العنصر الثالث وهو الصاعق 'الفيس بوك' لتكتمل مبررات الانفجار، القنبلة المؤقتة منذ الستينات تجمعت عناصرها وكان لابد لها أن تنفجر والآن لنقولها بصراحة كم من مليون 'بوعزيزي' كان يصفع يوميًا ولا يرفع بعينيه صوب صافعه وخاصة إن كان من البوليس أو الحاكم.. لو عاش ال 'بوعزيزي' الفترات السابقة لما كانت هناك ثورة ولما كان هناك ربيع عربي، لكن الزمن يوفر ويكور ويوجد مستوجبات الثورة، فثار ال'بوعزيزي' وأضرم النار في جسده, لكنه لم يضرمها في جسده فقط ولكن كان مثله مثل الشرارة التي انطلقت في جبل القش فتصاعد اللهب بسرعة جنونية وكان لابد للطغاة أن يتساقطوا واحدًا إثر الآخر, فنُفي زين العابدين بن علي, وذُبح القذافي, وسُجن مبارك, وأحرق نصف وجه عبد الله صالح، وتصاعد الدخان ومازال في سوريا والبقية ستأتي 'يكفي أن نتابع الأخبار في الجزائر والسعودية وعمان وغيرها'.
هذا من ناحية ولكن من الغبن والحمق أننا نتصور أن كل ما حدث كان بفعل توفر العناصر التي تحدثنا عنها سابقًا، فهناك علي بعد رمية حجر واحد تفاقمت فقعات وبؤر لإذاعات وقنوات تلفازية كانت تتربص لتضخيم الحدث ومنها 'الجزيرة'، فالسيناريو أيضًا كان معدًا مسبقًا لتجسيم ما عبرت عنه 'كونداليزا رايس' بالفوضي الخلاقة.. وكانوا ينتظرون فقط ويبحثون عن الفرصة المناسبة لانطلاق الرصاصة أو الشعلة واحتضانها وتصعيدها وتبنيها، ففي يوم 14 يناير 2011 وعلي الساعة الثانية بعد الزوال لم يكن أحد يتوقع، ولاحتي أكثر المتفائلين أن هذا الديكتاتور البوليسي المتمرس المحنك المدرب المدعوم 'زين العابدين بن علي' سوف يختل توازن نظامه البوليسي بمجرد أن بضعة آلاف خرجوا محتجين بشارع الحبيب بورقيبه.. وها هو ويا للغرابة كما في أفلام الخيال العلمي يمتطي طائرة ويفر من البلاد خائفًا مذعورًا.. الآن لنراجع السيناريو جيدًا.. ماذا حدث بعد الساعة الثانية بعد الزوال يوم 14 يناير، كل المصادر المتأخرة تتفق علي رواية واحدة أن مستشاره الشخصي ورئيس الحرس الجمهوري والجنرال 'بن عمار' أعلموه جميعًا أن هناك اختراق لحرسه الشخصي وأن أمريكا تري أنه آن الآوان ليسلم السلطة، وأنهم معرضون لخطر جسيم.
 كان للمثقفين دور في الربيع العربي وسرعان ما اختفوا وظهور أشخاص آخرين؟ كيف تري المشهد؟
شيء شبيه بالمعجزة حدث بعد سقوط أول نظام بوليسي في العالم العربي 'زين العابدين بن علي' وبعده مباشرة نظام التوريث 'مبارك' وهو أنه وقع تبادل وظائف بين الشعب العادي والمثقف، فالمثقفون والمبدعون اتخذوا طاولات ليحللوا كل شيء في نفس الوقت وُجد سدنة يحرمون كل شيء, كانت فرصة سانحة للكُتاب والشعراء والصحفيون والمثقفون، أنهم يسترزقون من هذا الذي يدور ويحدث وما يمور في المجتمعات الغربية، بينما كانت الشعوب أو العامة تتخذ دور المثقف فأصبح العامة سياسيون يهتمون بما يحدث ولهم آرائهم ومواقفهم ويدلون بآرائهم بثقة, حتي الفلاح البسيط أصبح مشاركًا سياسيًا والعامل المقموع أصبح ينظر ويقترح واختلط الحابل بالنابل وتغيرت الوظائف.
 هل تري أن هذه الأحداث انعكست علي المشهد الثقافي؟ وهل طغت المواقع الإلكترونية علي وسائل النشر التقليدية بالنسبة لكم؟
قد نختلف, أو نتّفق حول أي الفترتين كانت أفضل, ما قبل الثورة أو ما بعدها, لكنني علي ثقة, بأنّ هذا التحوّل والفيض في الخطاب وااتساع رقعة المشاركة, سيوّلد بالضرورة حركة أدبية جديدة وأكثر وضوحًا وحدّة ونضجًا أيضًا, وقد يستغرق ذلك بعض الوقت, لكننا تعلّمنا من مآثر التاريخ والتجارب الإنسانيّة أنّ الثورات تصاحبها في البداية دائمًا نوع من التسيّب والإندفاع والحدّة والتقاطع, ولكنها تفرز مع الوقت إنتلجينسيا جديدة وواعية ومتعطّشة للجديد.. وبكل تأكيد هناك انعكاس واضح.. فقد فاجأتنا الثورة بتعدد إمكانيات ومنابر التصريح وإبداء الرأي, فنجد أنّ لكلّ مواطن عربي تقريبا, منبر خاص, عبارة عن موقع للتواصل الاجتماعي عن طريق الصفحات الشخصية ب 'الفيسبوك', خاصة وأن هذه المنابر تساهم في تثقيف وتكوين سريع ومختص لكلّ من يرغب في ذلك, فيمكن لأي كان, أن يلبيّ كلّ حاجياته المعرفية من خلال مجرّد متابعة سريعة لنشاطات الكتاب والصحفيين والسياسيين والمثقفين من أصدقائه أو أصدقاء أصدقائه النشطاء. وبالتالي فكلّ مهتم أصبح في إمكانه أن يكون رأيًا ويدعّمه بالحجج والبراهين من خلال الإطلاع السريع علي ما يدور من أمور.
 ما هو رأيك بعدما وصل الإخوان المسلمون إلي سدة الحكم في تونس ومصر وليبيا؟ هل كنت منزعجًا؟ وهل كنت تتوقع أن يتم تنحيتهم بهذه الصورة السريعة كما حدث في مصر؟
أنا ممتن للثورات العربية بكل ما فيها وعليها، إنها كانت كما 'الحمي' التي ساهمت في إخراج الفيروس إلي السطح, فحين تستنجد بطبيب وتكشف له عن فقاعات جلدية أصابتك فسيبشرك بأنها بداية الفرج وأن الجرثومة تصاعدت من العمق إلي السطح ليسهل محاصرتها ومعالجتها.. هذا ما حدث في المجتمعات العربية, فالفيروس كان قد تأصل منذ عام 1923 م والتنظيرات الأولي لحسن البنا وصولاً إلي التعديلات الخطيرة التي أقرها 'سيد قطب' انتهاء إلي بداية التوغل العثنوني الوهابي.
 ألم تفكر في تحويل أعمالك الأدبية إلي أعمال سينمائية؟ أم أن سوق السينما أصبح لونًا آخر ومشاهد أخري تبتعد كثيرًا عن الإبداع وتحتاج إلي خلطة من نوع خاص'بلطجي, راقصة, وأغنية هابطة؟
عرض عليّ الأمر بالفعل حال صدور المجموعة مثل هذا الإقتراح من تونس ومن أحد الدّول العربية, و ثمة مشروع تحويل خمس قصص من مجموعة أرواح هائمة, وهي قصّة الرسائل المغشوشة وقصة رحلة إلي الجحيم, وقصّة رحلة صوب القيروان, وقصّة أنيتا وقصّة موت بدون وصيّة إلي أعمال درامية, لكن ما زال المشروع في طور الدراسة ولم نتّفق بعد.أنا أتعامل بحذر شديد مع ما يُعرض وما يُسوّق من أعمال درامية الأن.. ولست مستعجلا بصراحة.. لا أريد أن أدفع بشخوصي لمغامرة لست علي يقين تام أنها لن تُشوّه فيها كما وقع مع الكثير من الأعمال الأدبيّة المتميّزة..
 ألا تتفق معي أنه رغم تاريخك الأدبي الحافل والمليء بكثير من الزخم.. إلا أنك مقل في أعمالك الأدبية؟
هذا حقيقي نوعًا ما, فكوني أؤمن بالحكاية فأنا بطئ في النشر وخلال ربع قرن من الكتابة لم أنشر إلا تسعة أعمال ولكن غيرت موقفي الآن ففي عام 2014م أنجزت ودفعت بستة مخطوطات لمؤلفات ضخمة تتراوح بين 500 إلي الألف صفحة للمراجعة والنشر في النصف الثاني من 2014.. أنا أؤمن الآن أن فترة التخزين والتخمر لم تعد مقنعة، اشتغلت ببطء وحميمية علي مشروعي الإبداعي وكنت أنشر مؤلفًا واحدًا كل أربع سنوات ولم أكن محترفًا ذلك لأن التدريس ومتطلبات الحياة والتوق إلي استقرار مادي استغرق مني الكثير من السنوات.. ولكنني كاتب نشط أكتب كل يوم، وبدايتي الفعلية ككاتب محترف بدأت تحديدًا منذ سنة 2005 م، بعد ذلك تحصلت علي التقاعد المبكر سنة 2009 م بعد 22عام من العمل اليومي علي الطريقة الألمانية 12 ساعة يوميًا، فقررت أن أخصص ما تبقي لي من كأس الحياة نخب الكتابة، وقررت أن أصدر كتابًا أو مؤلفًا كل 6 أشهر ذلك لاعتقاد وقناعة مني بأنه كما أن النجار يعيش ينتج طاولة أو خزانة كل شهر وكما الحداد عليه أن ينتج منتجًا كل أسبوع أو شهر فكذلك الكاتب المحترف عليه أن ينتج كتابًا كل ثلاثة أشهر كما الغرب، لهذه الأسباب ولأن لي أكثر من سبعة عشر مخطوط ومراجع وجاهز للنشر ولأنني أكتب يوميًا بين 40 إلي 60 صفحة فأنا علي يقين بأنني وصلت إلي قناعة ثانية وهي أن أعيش من حبر قلمي دون أن اقتات عليه.
 ما هي آخر مشروعات الأدبية المستقبلية؟
تصدر لي قريبًا أربعة أعمال مهمة: الأولي هي روايتي الضخمة ومشروعي ورهاني الأكبر 'نادي العباقرة الأخيار'. والعمل السردي الثاني هو 'مذكرات بلبل'. والعمل الثالث هو 'اعترافات الفتي القيرواني الشقي'. وكتاب ضخم بعنوان 'المُباح في الإستنباح' إضافة إلي عدد من كتب الأطفال المترجمة عن الروسية والألمانية.. وستصدر عن إحدي أكبر دور النشر العربية قريبًا جدًّا.
فضلاً عن مجموعة 'أرواح هائمة' التي صدرت حديثًا عن المجلس الأعلي للثقافة بالقاهرة.
 حدثنا عن أحدث إصداراتك 'أرواح هائمة'؟
'أرواح هائمة' هي مجموعة قصصية تتقاطع جميعها حول المغترب العربي وتجربته في المهجر, وركّزت في كلّ مجموعة علي جانب انطلوجي عام, وأنجزته بتقنية خاصة وأسلوب خاص يراوح بين الجديّة والسخرية والمرح والحبكة الدرامية. وقد لاقت نجاحًا مذهلاً, وتناولها أهمّ النقاد العرب بالعناية, فكتب عنها الدكتور 'شاكر عبد الحميد' دراسة بديعة في حجم المجموعة ذاتها تقريبًا, وقدّمها في أوّل حفل توقيع بأتلييه القاهرة, بعد صدورها مباشرة, كما كتب حولها نقاّد في حجم الدكتور 'صلاح الدين بوجاه' الناقد العربي الكبير وكذلك الناقد الألمعي 'فراج عبد النابي' وغيرهم. وأنا حقيقة سعيد لنجاح هذه المجموعة, التي صدرت منذ شهرين عن المجلس الأعلي للثقافة بالقاهرة, وأوشكت كلّ النسخ علي النفاد بعد مرور أقلّ من عشرة أسابيع, وهذا نادر في هذا الوقت الذي أصبحت القراءة الورقية فيه من الكماليات للأسف الشديد.ولذلك فسعادتي مزدوجة, أولا لصدورها عن أحد أعرق دور النشر العربية الجاادة, وثانيًا أن الطبعة الأولي نفدت بهذه السرعة أو كادت, وأعلموني أنّ مائة نسخة بيعت في معرض الكتاب منذ أيام بالقاهرة في أقلّ من ربع ساعة من إفتتاح الجناح بالمعرض. وهذه الأخبار ترفع من معنويات أيّ كاتب لأنها تشعره بأهميّة ما يكتب أصلاً.
العديد من النّقاد والمهتمين بالشأن الإبداعي والثقافي اعتبر كتابك 'الملك الأبيض' الصادر سنة 2010 بسيدني بأستراليا, هو أول كتاب ورقي يؤسس لأدب التعليقات, كمدرسة جديدة في الكتابة والأنماط الأدبية, لم تكن معروفة قبلك, لا عربيًّا ولا عالميًا, فماذا عن هذا النوع الأدبي وما هي حكايته؟
طرح عليّ هذا السؤال في العديد من الحوارات التي أجريتها للشرق الأوسط والدستور والصباح والشروق والعديد من المنابر الصحفية العربية, والواقع أنني فعلاً, كنت أول من استغرب للضجة الكبيرة التي أحدثها كتاب 'الملك الأبيض' الذي صدر بسيدني في أستراليا بداية سنة 2010.
لكنني لست مسؤولاً وحدي عن صدور ونشر هذا الكتاب, لأن الصديق شربل بعيني وهو كاتب محترم وطيب جدًّا يعيش في سيدني, فاجأني ذات يوم برغبته أن ينشر بعضًا من تعليقاتي من موقع 'دروب' الذي أتولي رئاسة تحرير قسمه الأدبي, وهي تعليقات لم تتجاوز المئة, وكنت نشرت أكثر من ستة آلاف تعليق في الموقع وكانت تعليقاتي عبارة عن تحايات عادية وآلاف من المتابعات اليومية حول النصوص التي كنت أنشرها, وحين أعدت قراءتها ذهلت أنا نفسي, فقد كانت شهادات في منتهي الأهمية عما يدور من أحداث ومن إبداعات وتحولات, بشكل ترميزي أحيانًا وشعري أو شاعري أحيانًا أخري, ووافقت فورًا بعد أن اطلعت علي عشرات المقالات التي تري في هذه الرسائل المكتوبة من طرف واحد إحدي الفلتات الإبداعية النادرة التي من العيب والعار والظلم إهمالها.
بعدها توالت المقالات حال صدور الكتاب وانتهت الطبعة الورقية الأولي والثانية, ليعتبرها النقاد أول تجربة عربية وربما عالمية لتأسيس أدب جديد سمي بأدب التعليقات الإلكترونية, وبعد ذلك توالت الكتب المشابهة, وثمة من استمات بعد سنوات بالإصرار أنه أدب عربي قديم وأنه لا فضل لي في السبق فيه, ورغم أن هذا الكلام مردود كون العرب لم تعرف شيئًا اسمه أدب التعليقات وإنما الهوامش وهذا أمر آخر, لكن لم ولن أهتم بالرد.
 رغم اختلاف اللغات والحضارات في أوروبا إلا أنهم استطاعوا أن يتوحدوا ويجتمعوا علي هدف واحد مشترك.. ورغم وحدة التاريخ واللغة والتراث والعرب في فُرقة.. لماذا؟
في عام 1993م قرأت مصادفة بأن أحد غيلان فلاسفة الاقتصاد يعيش في ميونخ ويدرس في جامعة اسمها 'صابل اكاديمي' فاستفسرت عن شروط القبول لهذه الجامعة فقيل لي الشرط الوحيد أن يقبلك البروفيسور 'زاموش'.. نجحت في اختبارات الدخول وكان يومًا مشهودًا أن جلست في مدرجه في الصف الأول تحديدًا، نظر لي وسألني وكأن لون بشرتي استفزه بين كل الألمان ذوي البشرة الشمعية البيضاء، ما اسمك؟ ومن أين أنت؟ أجبته اسمي 'كمال العيادي' وقبل أن أكمل قاطعني غير مهم من أين أنت؟ أنت تحمل جواز سفرك في وجهك، هل تعلم, قاطعني قائلاً: في هذا المكان تحديدًا الذي تجلس فيه كان يجلس منذ 17 سنة طالب ألماني, لا يهم اسمه الآن لكنه كان أحد تلاميذتي، أتعرف ماذا فعل؟ هيئ لي أنه أحد الطلبة الألمعين ونجح بامتياز خلال كل السنوات السبع وتحصل علي إمضائي كمشرف علي رسالته بعد ذلك.. دُعي إلي العمل بشركة 'ميلكا' لمنتجات الألبان ومشتقاتها كمدير عام للتسويق، وكانت هذه الشركة تكسب مئات الملايين وكانت ناجحة جدًّا وبالمصادفة لحسن حظه وجد علي مكتبه حال انتدابه عرضًا من شركة صينية لاستيراد ثلاثة ملايين طن من الحليب ومشتقاته، وكان من مسئوليته كمدير للتسويق أن ينتج غلاف مناسب لعلب الحليب فأوجد الأحمق غلاف برتقالي لكل منتجات الشركة.. بعد ثلاثة أسابيع أعلمت الشركة رسميًا أنها بصدد الإفلاس ذلك لأن ثلاثة ملايين طن من منتجاتها رجعت بأكملها إلي هولندا حيث كان يعمل علي نفس متن البواخر التي حملتها إلي الصين، أتعرف يا 'كيمال' - كما كان يقول لي - لماذا؟ أجبته: لا يا سيدي، سألني ثانيًا: هل تعرف لماذا أفلست شركة هولندية كبري أرسلت لها أحد تلاميذتي أيها الكيمال؟
فأجبته: لا يا سيدي لا أعرف.. أجابني: أيها الأحمق لقد اختار اللون البرتقاليّ ولم يكن مهيئًا ليعرف أن اللون البرتقاليّ هو لون الموت والحزن بآسيا لهذا أفلست الشركة.
سألني بعدها سؤال صريح وواضح: يا أستاذ 'كيمال' أين درست؟ هذه أكاديمية للذين أنهوا مرحلتهم الجامعية الثانية، أجبته في موسكو، فنظر إلي كلّ الصفّ وقال لهم ساخرًا: هذا أمر من بروفيسور'زاموش': كفي الآن مع روسيا وكيمال,...لنكمل الدرس.
بعدها بأسبوع أو أقل حينما استأنس وجودي كأجنبي وحيد وسط قطيع من الألمان سألني أنا بالذات سؤالاً ماكرًا: ما هو أهم منتج ألماني في المائة عام الأخيرة؟ فأجبته هناك ما لا يقل عن 10 منتجات 'مرسيدس، BMWو، سيمنز،.. ' وأردت أن أكمل تسمية بعض المنتجات المعروفة، فقاطعني قائلا: 'يا كيمال يا تونزيا ' - وكان قد عرف في الأثناء جنسيتي - ألم أقل لك أنك غبي!! أهم منتج خطير مثمر أنتجته الحضارة الألمانية هو 'الدوتش مارك' ولكن أتعرف أيها الأحمق التونسي - وكان يتكلم هكذا وقد فهمته - أن ألمانيا تبيع الآن في مشروع عظيم ابنها الأكثر برًّا وهو 'الدوتش مارك' وتقايضه بهجين مشبوه اسمه اليورو، وتدفع مقابل ذلك ومقابل الاعتراف بهذا الابن غير الشرعي خمسة وأربعون مليار مارك لأسبانيا، وثلاثون مليار مارك لليونان، وسبعون مليار للبرتغال، وعدة مئات من المليارات من عملتها لتقوي ركبة ومفاصل البلاد الأوروبية الضعيفة صناعيًا واقتصاديًا ومقابل ذلك تبيع بالخسارة ابنها الشرعي 'الدوتش مارك' كعملة, هل تعرف لماذا يا 'كيمال' الأحمق والغبي؟ أجبته: 'لا أعرف'.. أجابني لأن فرنسا تنتج شيكولاته وشمبانيا وحلويات ومرطبات وبريطانيا تنتج الورق والمعدن المحول والأدب والفنون وألمانيا تنتج الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات والآلات الضخمة لبناء جسور وتحويل البحار إلي أراضي والأقمار الصناعية والمركبات الفضائية، فاذا حسبت ذلك بمنطق بسيط يا كيمال الغبي، تري أن فرنسا لتبيع سبعة بلايين كرتون من الشيكولاته لتنافس صفقة واحدة لبيع قمر صناعي, فأنت عليك الآن أيها التونسي أن تعرف وحدك, لماذا باعت ألمانيا ابنها الشرعي لتراهن علي ابن لقيط!!.
أعتقد أنّ في سرد هذه الحكاية التي حدثت معي, إجابة وافية عن طريقة تفكير الغرب ومشروعهم وهي تنير لنا بعض الطريق لو أننا أردنا يومًا أن نخطو خطاهم ونصل إلي بعض ما وصلوا وننتج أدبًا وإقتصادًا متينًا من أجل حياة آمنة ومريحة، ولكن, هل هذا ممكن في ضوء ما تري من صراع وذبح وقتال وتمزّق ينفخ الغرب نفسه يوميًا في أتونه؟ لنكون السوق الأكثر شراهة لإستقبال منتوجهم وآلات حربهم, ولنبقي المارد ذو الركبة الصلصال الذي يحتاج إلي ترميم طرقه وجسوره وأرضه بعد كلّ حرب قبل الدخول في حرب جديدة.. هذا هوّ السؤال الموجع.. كون الجواب عليه يكاد يكون معادلة رياضية صارمة ولا تتغيرّ.. ولكن يبقي للأدب وحده إمكانية تغيير قوانين اللّعبة, وعلي الأقلّ كشفها وتعرية مخططاتهم, أنا لا أثق بالسياسة, ولا باالسياسيين.. أنا لا أثق إلا بالمبدع والإبداع. وهذا أمر لا جدال فيه بالنسبة لي.. بالفنّ والإبداع, سيظلّ الأمل قائمًا للتغيير والتفوّق علي الغرب.. لدينا الشمس.. ولدينا منابع الحياة وأروع عناصرها, ولا ينقصنا غير الإيمان والسلام والأمن والثقة والتخطيط.. وهذا لا يمكن توفيره بسرعة في الوقت الحالي إلا عبر الفنون والآداب والكتابة وجميع أشكال التعابير الثقافية, وكما تفوّقت بلدان أمريكيا اللاتينية في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات علي الغرب في الإبداع, فيمكننا أن نسلك ونؤمن بنفس هذه الخارطة والمسلك المطروق، لكن نحتاج أيضًا إلي الثورة علي القائمين بتصريف الأمور وإدارة المؤسسات الثقافية, وبث روح شابة جديدة, مليئة بالإيمان والوطنية ومتمكّنهة.. وعمومًا, طابور العواجيز أوشك أن يتم رحلته في الحياة, فأغلبهم في السبعين والثمانين والتسعين من العمر, ونهايتهم الطبيعية قريبة بحول الله, حتي بدون ثورة ناسفة.
ولهذه الأسباب أنا مطمئن، ومليئ بالأمل في الغد القريب ومستقبل الأدب العربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.