القول بأن الناقد أديب فاشل ينفيه أن الكثير من نقادنا الكبار قدموا معطيات إبداعية إلي جانب مشروعه النقدي كتب لويس عوض رواية العنقاء ومذكرات طالب بعثة وكتب رشاد رشدي مجموعة عربة الحريم وماهر شفيق فريد مجموعة "خريف الأزهار الحجرية" وغيرها. لماذا يضيف الناقد الإبداع إلي كتاباته النقدية؟ ليس هناك ما يدعو إلي الدهشة -علي حد تعبير د.ماهر شفيق فريد- في اتجاه عدد كبير من النقاد إلي ممارسة الإبداعة الأدبي شعرا أو قصة أو مسرحا لأن كثيرا من هؤلاء النقاد بدءوا حياتهم الأدبية بمحاولة الكتابة في جنس أو أكثر من هذا الأجناس الأدبية ثم تفوقوا في دراساتهم الجامعية. وعينوا معيدين فأساتذة في جامعاتهم. ومن ثم اضطروا إلي التحول بحكم الوظيفة إلي كتابة الدراسات والأبحاث والنقد وإن ظل شبح الإبداع يراوده ويجذبهم إليه هكذا نجد أن رشاد رشدي ولويس عوض والقط ومصطفي بدوي وشكري عياد وعز الدين إسماعيل وغيرهم قد أخرجوا دواوين شعرية أو روايات طويلة أو مجموعات قصصية أو مسرحيات لكن هناك سببا آخر هو أن الناقد ربما كان يريد لا شعوريا أن ينفي المقولة القائلة بأن الناقد أديب فاشل فهو يريد إثبات ذاته بين الأدباء والبرهنة علي أنه لم يتجه إلي النقد عجزا عن الإبداع الأصيل ولا نستطيع أن نستعيد عاملا ثالثا هو أن إقبال الجمهور العادي علي القصة والشعر والمسرح أكبر كثيرا من إقباله علي قراءة النقد الأدبي والناقد كأي مشتغل بالكتابة يطمح لأن يصل إلي أكبر عدد ممكن من القراء وربما شعر بالغيرة وهذا ضعف بشري لابد أن نعترف به من إقبال القراء رجالا ونساء وكبارا وصغارا علي كتاب ناجحين مثل محفوظ وإحسان والسباعي وإدريس فهو يطمح لأن يحتل مكانا ولو صغيرا إلي جانبهم. وفي تقدير د.حسين حمودة أن تاريخ الأدب الإنساني فيه عدد من أصحاب التجارب التي يتقاسمها النقد والإبداع معا لعلنا نذكر إزرا باوند وت.إس.إليوت. وفي تاريخنا الأدبي أمثلة كثيرة لعل من أشهرها العقاد وعيد والخراط ولطيفة الزيات ربما يتفوق جانب علي جانب آخر من تجارب هؤلاء المبدعين النقاد. أو النقاد المبدعين. والمؤكد أن كل ناقد يحتاج إلي عملية فصل بين الدورين أن يكون مبدعا في حالة الإبداع وناقدا في حالة النقد لكن غالبا ما تتداخل الأدوار فيصعب الفصل فيما بينها وعلي كل حال فإن القاريء أو المتلقي يظل هو -وحده- القادر علي أن يحكم علي هذه التجربة أو تلك من حيث كونها إبداعا خالصا أو نقدا خالصا ومن جانب آخر هناك كتابات نقدية ترقي إلي مستوي الإبداع في الأدب العربي القديم هناك كتابات لهوجو وهناك الأرض لكونديرا وهذا يفتح باب التساؤلات حول الحدود القاطعة بين الإبداع والنقد إنها ليست نهائية أبدا. ويذهب د.حامد أبوأحمد إلي أنه يكتب الإبداع لأسباب كثيرة فالتعليم منذ ثلاثين أو أربعين عاما في حالة انهيار متواصل وكان انهيارا مقصودا والنقد يحتاج إلي شعب مثقف المتلقي لابد أن يكون مثقفا ثقافة عالية وهناك مقولة لاكتافيو باث إن أمة بلا شعر هي أمة عمياء النقد في الغرب حل محل الفلسفة هذا ما قاله البنيويون في أوروبا كما أن النقد يحتاج الآن إلي متابعة قوية فالمطابع تصدر كتبا كثيرة في الإبداع وتحتاج متابعة وأنا أري أن الإنسان بعد الستين صعب المتابعة وبالتالي أفضل أن تكون هناك أجيال أخري من الشباب هذا الكلام قاله أيضا لويس عوض: الشباب يريد أن نظل في النقد إلي آخر لحظة وهذا مستحيل أما السبب الثالث فهو أن أجهزتنا الإعلامية لم يعد بها مكانا للنقد أو الثقافة الجادة إنما نحن نعيش ثقافة النميمة والفضائح ونجوم الإعلام هو من السلفيين والمسجونين سابقا والذين يبيعون الكلام علي كل الطرق والمحاور يلقي أسئلة ساذجة بلا قراءة ولا ثقافة. المثقفون في حالة تهميش منذ عقود والوضع كما هو بعد ثورة 25 يناير لكل هذا قررت شخصيا أن أتواصل مع الجمهور عن طريق السرد الروائي.