كانت ظروف وأسباب تواري مصطفي مشهور عن العيون.. وعدم بروز اسمه ضمن قادة الإخوان.. أو حتي شبابهم 'الواعد' من وجهة نظرهم رغم أهميته وأهمية الأدوار التي لعبها، والتي تم الكشف عنها فيما بعد كانت كلها ظروف وأسباب موضوعية تمامًا.. فالرجل كان عضوًا مهمًا في تنظيم سري مسلح.. هو الجهاز السري الذي شكله الشيخ حسن البنا آواخر الثلاثينيات، ووضع علي رأسه عبد الرحمن السندي.. وقد سمح لبعض تلاميذ المدارس من أصحاب القدرات الخاصة بالانتماء إلي التنظيم والانخراط فيه وكان منهم مصطفي مشهور ومحمد مهدي عاكف.. ولأن مصطفي مشهور، كان مهيئًا بحكم تكوينه النفسي، والجسماني للعمل في ذلك الجهاز بكفاءة فقد تفرغ تمامًا لذلك.. ولم يعد ثمة أي مجال للزج به في العمل العلني شأنه شأن أعضاء التنظيم كافة.. وقد يزيد عليهم جميعًا لأسباب يعرفها قادة الإخوان.. فقد حرص زملاؤه علي استبعاده من القضايا التي وقع فيها عناصر التنظيم متلبسين.. حدث ذلك في قضية 'سيارة الجيب' حيث أدعي زملاؤه: أحمد عادل كمال، وصلاح شادي ومصطفي كمال عبد المجيد أنه لم يكن ضمن ركاب السيارة، وقبض عليه بالصدفة أثناء مروره بالمنطقة.. وتكرر ذلك في قضية 'تنظيم 1965' حيث حاول المتهمون خاصة أحمد عادل كمال وصلاح شادي التقليل من دورة.. وكل ما قالاه عنه أنه من العشرة الأوائل في التنظيم. في تلك الفترة 1947 1948 كان الشيخ حسن البنا قد تعرض لأكثر من صدمة.. فقد فشل في اختراق الأحزاب والالتفاف عليها خاصة حزبي الوفد، ومصر الفتاة.. كما كانت علاقته بالسراي والملك فاروق قد تدهورت رغم مبالغات البنا في تملق فاروق حتي وصل الأمر إلي نسبته للنبي وآل البيت.. وكان ذلك بعد اكتشاف الأمن لخطة الإخوان الذين استغلوا ظروف 'فلسطين' وجمعوا كميات ضخمة من الأسلحة، ودربوا جهازهم السري علي أعمال القتال، وفنون الإرهاب.. ومن ثم دفع الإخوان دفعًا إلي الصدام، حيث تم الاعتداء علي الأحزاب وقادتها، وتصفية بعض الشخصيات العامة.. ونسف المؤسسات والمنشآت ومنازل حارة اليهود.. ونهب البنوك.. وحرق دور السينما والكازينوهات.. ورتبوا لاستمرار حملتهم الإرهابية حتي يقضي الله أمرًا كان مفعولاً.. وهو الخطأ القاتل الذي دأب الإخوان علي الوقوع فيه حتي اليوم كلما ضاقت بهم السبل، وفشلت اندفاعاتهم الخرفاء. كانت الأحداث تتسارع بشكل غريب خلال ذلك العام 1948.. في 22/3 قام محمود زينهم وحسن عبد الحافظ 'من طلاب الإخوان' باغتيال المستشار أحمد بك الخازندار.. وفي 15/11 ثم ضبط سيارة الجيب وفي 4/12 قام طالب الطب الإخواني مصطفي أمين باغتيال سليم زكي باشا حكمدار العاصمة، وبعدها بأربعة أيام أصدر النقراشي باشا رئيس مجلس الوزراء قراره بحل جماعة الإخوان في 8/12 وبعدها بعشرين يومًا قام طالب الطب البيطري عبد المجيد حسن باغتيال النقراشي باشا.. في 28/12/1948.. وتداخلت الأمور وتم ضم أوراق قضية السيارة الجيب إلي قضية اغتيال النقراشي باشا.. وفشلت محاولات استبعاد مصطفي مشهور من قضية سيارة الجيب '!!!' بعد تأكيد شهود القضية وعددهم 13 شاهدًا علي أنهم شاهدوا مصطفي مشهود في السيارة.. وأنهم طاردوه وقبضوا عليه مع من كان معه. وقد أعلن النائب العام محمد عزمي بك قرار الاتهام في القضية فقدم 32 متهمًا أولهم مصطفي مشهود بتهمة الاتفاق الجنائي علي قلب نظام الحكم، علي النحو الذي جاء في بنود الاتهام وهي: قلب وتغيير دستور الدولة وشكل الحكومة بالقوة بواسطة عصابات مسلحة، واتلاف معدات وأسلحة الجيش المصري، وتخريب المنشآت الحكومية، وأقسام ومراكز البوليس ومحطات الكهرباء والمياه وغيرها.. ثم قتل عدد كبير من المصريين.. والأجانب وذلك عمدًا مع سبق الاصرار والترصد، وتعريض حياة الناس وأموالهم عمدًا للخطر باستخدام القنابل والمفرقعات لنسف عدد من السفارات والقنصليات الأجنبية وغيرها من الأماكن العامة والخاصة المأهولة بالسكان والمبينة بأوراق التحقيق.. ثم تعطيل وسائل النقل العامة بنسف قطارات السكة الحديدية وجسورها وخطوطها، ونسف الطرق والكباري العامة وسيارات الاتوبيس، وتعطيل القوي الكهربائية المولدة لحركة خطوط ترام القاهرة.. إلي جانب اتلاف الخطوط التلغرافية والتليفونية الحكومية عمدًا في زمن الفتنة التي اعتزموا نشرها بقطع أسلاكها وقوائمها ونسف أدائها أو اتلافها بوسائل أخري مما يترتب عليه أنقطاع الاتصالات بين ذوي السلطة العمومية وبين الناس عامة، وسرقة البنك الأهلي وبعض المحال التجارية بطريق الأكراه.. وذلك باقتحامها بواسطة أشخاص مسلحين بالمدافع والقنابل وقتل من يعترض سبيلهم من الحراس أو غيرهم والاستيلاء بذلك علي ما فيها من أموال ومحفوظات.. إلي جانب اتلاف مباني شركة قناة السويس وترام القاهرة، وذلك عمدًا بقصد الإساءة، مما ينشأ عنه تعطيل وتوقيف أعمال ذات المنفعة العامة.. ويترتب عليه جعل حياة الناس وأمنهم في خطر.. ثم قتل خيول البوليس عمدًا بدون مقتضي بطريق التسمم.. واقامة واستخدام محطات سرية للاذاعة اللاسلكية بدون اخطار السلطات الرسملة وبغير ترخيص منها. وما أشبه الليلة بالبارحة!! لقد تعمدت تقديم ملخص واف لقرار الاتهام.. الذي لا حق الإخوان مبكرًا.. وفي وجود المرشد المؤسس وبعد 200 سنة فقط من نشأة الجماعة.. ويكاد يكون قرار الاتهام ذلك هو نفسه الذي لاحق الإخوان علي مدي عمرهم وحتي اليوم.. وإذا كان قرار الاتهام عادة يترجم بكل أمانة الثابت في أوراق التحقيق.. من وثائق ومستندات واعترافات.. فالمعني واضح مثل الشمس.. يؤكد في كل لحظة أن لدي الإخوان خطة ثابتة لا تتغير ولا تتحول.. وهي التي عبَّر عنها قرار الاتهام.. الذي تكرر بكافة بنوده في العديد من قضايا الإخوان.. وعلي رأسها قضية محاولة اغتيال جمال عبالناصر في ميدان المنشية عام 1954.. وقضية تنظيم 1965.. ثم قضية اغتيال السادات.. وخطط التخريب التي أعدت للتنفيذ واشاعة الفوضي، وسفك الدماء.. ثم هي نفس بنود قرار الاتهام المعلق فوق رقاب الإخوان الآن.. وما أقترفوه ويقترفونه من أثام باتساع أرض مصر.. والتي استهدفت رجال الجيش والشرطة والخصوم السياسيين.. وكأن دعاة الإرهاب وشياطينه قد تم استنساخهم في العشرات والمئات من الإرهابيين سواء المقيدين داخل السجون بجرائمهم أو الهاربين بعارهم.. وكلها أدلة علي أن الإخوان لا يتعلمون.. ومازلنا مع أحد أبرز مؤسسي الجهاز السري المسلح للإخوان.. والمرشد الخامس: مصطفي مشهور.