ريهام العادلي تكتب: ذكرى تحرير سيناء .. وعظمة الانتصار المصري    البورصة المصرية تخسر 50 مليار جنيه في ختام تعاملات الأربعاء    بعد الموافقة عليه.. أهداف هامة لقانون "التأمين الموحد"    محافظ أسوان يوجه بتركيب ماكينة صراف آلي لأهالي قرية العباسية بكوم إمبو    بث مباشر.. دورة غير عادية لجامعة الدول العربية لبحث التطورات في فلسطين    عاجل| الدفاع الإسرائيلي: تم القضاء على نصف قادة حزب الله بجنوب لبنان    سفير بكين بالقاهرة: الصين تساهم بنسبة 30% فى النمو الاقتصادي العالمي    المرصد الأورومتوسطي: اكتشاف مقابر جماعية داخل مستشفيين بغزة إحدى جرائم الحرب الإسرائيلية    مانشستر سيتي يتلقى ضربة جديدة قبل مواجهة برايتون    فانتازي يلا كورة.. من حصد نقاط "Bonus" في الجولة 34؟    لاعتراضه على شرب مخدرات أمام منزله.. مدمن يطعن عامل حتي الموت بالقليوبية    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع    ثقافة وسينما وموسيقى.. نشاط مكثف ل الأوبرا نهاية ابريل (تفاصيل)    أوبرا دمنهور تحتفل بعيد تحرير سيناء الأحد (تفاصيل)    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم العراقي مهدي عباس    5 كلمات.. دار الإفتاء: أكثروا من هذا الدعاء اليوم تدخل الجنة    حقيقة حديث "الجنة تحت أقدام الأمهات" في الإسلام    رئيس جامعة الزقازيق يُهنئ السيسي بمناسبة الذكرى ال42 لأعياد تحرير سيناء    الخارجية الأمريكية تحذر باكستان من احتمال التعرض لعقوبات بسبب تعاملاتها مع إيران    أسوشيتيد برس: احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين تستهدف وقف العلاقات المالية للكليات الأمريكية مع إسرائيل    قبطان سفينة عملاقة يبلغ عن إنفجار بالقرب من موقعه في جنوب جيبوتي    الصين تكشف عن مهام المركبة الفضائية «شنتشو-18»    برلمانية: ذكرى تحرير سيناء الغالية تحمل أسمى معاني الوفاء والعزة والفخر    11 يومًا مدفوعة الأجر.. مفاجأة سارة للموظفين والطلاب بشأن الإجازات في مايو    عاجل.. برشلونة يقاضي ريال مدريد بسبب هدف لامين يامال    أيمن الشريعى: لم أحدد مبلغ بيع "اوفا".. وفريق أنبى بطل دورى 2003    جِمال الوادي الجديد تحصد مراكز متقدمة بمهرجان سباق الهجن بشمال سيناء.. صور    يسري وحيد يدخل حسابات منتخب مصر في معسكر يونيو (خاص)    مع بدء الاستعداد لتقديم تطبيق التوقيت الصيفي.. تعرف على أهميته وفقا للقانون    برلماني: توجيهات الرئيس السيسي بتطوير منظومة النقل خطوة مهمة    المديريات تمنع مرور معلم المادة على اللجان أثناء فترة امتحان صفوف النقل    العدل تبدأ الجلسة الرابعة ل"اختراعات الذكاء الاصطناعى وملكية الاختراع"    دماء على «فرشة خضار».. طعنة في القلب تطيح بعشرة السنين في شبين القناطر    بعد أن وزّع دعوات فرحه.. وفاة شاب قبل زفافه بأيام في قنا    الترويج للاستثمار في مجالات التحول الأخضر والربط الكهربائي لتحويل مصر لمركز إقليمي للطاقة    محافظ الغربية يتابع استعدادات المركز التكنولوجي بطنطا لتطبيق قانون التصالح    نقيب «أسنان القاهرة» : تقديم خدمات نوعية لأعضاء النقابة تيسيرا لهم    أفلام موسم عيد الفطر تحقق 19 مليون جنيه خلال أسبوعها الثاني في دور العرض    توقعات علم الفلك اليوم الأربعاء 24 أبريل 2024    تعرف علي موعد عرض مسلسل نقطة سوداء    في ذكرى تحرير سيناء.. المؤتمر: أرض الفيروز بقعة مقدسة لمصر    مايا مرسي تشارك فى ندوة "الأعراف الاجتماعية المؤثرة على التمكين الاقتصادى للمرأة"    الكشف على1017 مواطنا في 10 عيادات تخصصية بالإسماعيلية    فوز الدكتور محمد حساني بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    قد تكون قاتلة- نصائح للوقاية من ضربة الشمس في الموجة الحارة    للوقاية من الإصابة ب "تشمع الكبد"- اتبع هذه النصائح    اسكواش - فرج: اسألوا كريم درويش عن سر التأهل ل 10 نهائيات.. ومواجهة الشوربجي كابوس    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    ضبط 4 أشخاص بسوهاج لقيامهم بالتنقيب غير المشروع عن الآثار    للقضاء على كثافة الفصول.. طلب برلماني بزيادة مخصصات "الأبنية التعليمية" في الموازنة الجديدة    « إيرماس » تنفذ خطة لتطوير ورشة صيانة الجرارات بتكلفة 300 مليون جنيه    الحج في الإسلام: شروطه وحكمه ومقاصده    «خيال الظل» يواجه تغيرات «الهوية»    أبومسلم: وسام أبو علي الأفضل لقيادة هجوم الأهلي أمام مازيمبي    رئيس هيئة الرعاية الصحية: خطة للارتقاء بمهارات الكوادر من العناصر البشرية    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف خاص: الطريق إلي اغتيال المرشد العام حسن البنا... (1)
نشر في التحرير يوم 30 - 08 - 2011

“إنني حزين أن يوجد إنسان واحد لا جماعة منظمة يصنع الموت للناس، ويحترف التخريب والتدمير، إن قلبي ليقطر حزنًا إذا كانت هذه الجماعة ترتكب جرائمها باسم الإسلام، وتجد من يصدقون دعواها، إن الإسلام الذي يقول في كتابه الكريم: “وجادلهم بالتي هي أحسن” لا يقر الجدل بالمسدسات والمدافع والمتفجرات”.
كامل الشناوي- كتاب “جرائم عصابة الإخوان”
ستة أعيرة من سيارة سوداء مجهولة تحمل الرقم 9979 قتلت البنا
في مساء السبت الثاني عشر من فبراير عام 1949، وأمام مقر جمعية الإخوان المسلمين من شارع الملكة نازلي (رمسيس حاليًا) قُتل حسن البنا، أطلق عليه مجهولان ستة أعيرة نارية قبل أن يفرا في سيارة سوداء، وبعد حادث الاغتيال لم يكن هناك سوى رقم السيارة 9979، التي ابتعدت بالجناة عن المسرح وعرف أنها كانت مخصصة لانتقالات الأميرالاي محمد عبد المجيد مدير المباحث الجنائية هي الضوء الكاشف لمسرح الجريمة، كما كانت أصابع تشير بالاتهام في اتجاهات متباينة تحاول أن تعرف.. من قتل حسن البنا؟
وبعد أسابيع قليلة حُفِظ التحقيق وقُيدت القضية ضد مجهول لكن رقم السيارة السوداء ظل يتنقل بين الناس ومعه الكثير من علامات الاستفهام بشأن واحدة من أكثر الجرائم السياسية غموضًا في العالم العربي، جريمة اغتيال مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا.
66 يومًا كانت تفصل بين ليلة اعتقال أعضاء الجماعة وليلة اغتيال حسن البنا، تلك كانت أيامه الأخيرة عاشها ينتظر أن يتم التخلص منه بين لحظة وأخرى، كل الشواهد كانت تؤكد له ذلك، حسن البنا كان يدرك تمامًا أنه رجل مقتول، تم اعتقال كل مَن حوله من جماعة الإخوان المسلمين وهو نفسه شخصيًا طلب أن يُعتقل وألح عليهم في اعتقاله ورفضوا.
البنا تنبأ باغتياله .. وقال للشيخ الباقوري “سأختفي”
وكان البنا يتنبأ لزملائه: “إن عدم قيام الحكومة باعتقاله دليل رسمي علي نية الحكومة قتله”، قال للشيخ الباقوري: إني سأختفي!”، سأله: ماذا تقصد فإني لا أفهم؟ أجاب: “قد أغيب غيبة طويلة، ومن يدري فلعلنا لا نجتمع بعد ذلك”. واستدرك الشيخ البنا قائلاً: “رأيت في ليلة واحدة رؤيا تكررت مرتين قبل الفجر، وكنت في كل مرة أقوم من النوم وأستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ولكنني رأيتها مرة ثالثة في الليلة نفسها فلم أشك أنها رؤيا حق. رأيت أني امسك بزمام ناقة يركبها أبو بكر الصديق –رضي الله عنه– ثم إذا بيد تمتد إلي زمام الناقة فتأخذه من يدي فعلمت أم مهمتي قد انتهت، وأني لابد أن أغيب”.
الطريق إلي الاغتيال
يعد اغتيال حسن البنا هو نتيجة لسلسلة من الأفعال وردود الأفعال بين الإخوان والنظام، بداية
تعرض الإخوان لمحنة قاسية عام 1941 في وزارة حسين سري باشا بطلب من السلطات البريطانية صودرت مجلتي التعارف والشعاع الأسبوعيتين وألغي ترخيص مجلة المنار، ومُنعت نشراتهم من الطبع وأُغلقت ومنعت مطابعهم، ومُنعت اجتماعاتهم ونشر أخبارهم في الصحف. واعتقل حسن البنا وأحمد السكري وعبد الحكيم عابدين في 19 أكتوبر 1941، وأودعوا معتقل الزيتون وتحت ضغط القصر أفرج عن حسن البنا والسكري في 13 نوفمبر 1941، كما أفرج عن عبد الحكيم عابدين وحسن البنا. علي أن هذه المحنة خرج منها البنا بدرسين، الدرس الأول وهو تحاشيه الاصطدام مع البريطانيين بأي ثمن تفاديًا لإجهاض دعوته، والدرس الثاني العمل علي بناء التنظيم السري.كانت هذه هي المحنة الأولي التي لم تستغرق شهرًا. أما المحنة الثانية، فقد امتدت شهورًا وسنوات وكلفت الإخوان ألافًا من المعتقلين والمسجونين، كما فقدوا مرشدهم العام، بدءًا من إصدار مفتي الديار المصرية فتوى تدين أفعال الجماعة وتتهم قادتها بالكفر وكتب كثير من الكتاب مهاجمين ومنددين بجرائمهم وجمعت بعض هذه الكتابات وصدرت في كتاب بعنوان “جرائم عصابة الإخوان”. وقرر مدير المساجد بوزارة الأوقاف إجراء مسابقة بين خطباء المساجد موضوعها الآية الكريمة: “قل بئس ما يأمركم به إيمانكم إن كنتم صادقين”، وكان الهدف من المسابقة هو إعطاء الفرصة للأئمة لينالوا من جماعة الإخوان المسلمين ما شاء لهم أن ينالوا.
ثم تأكد اتجاه الجماعة إلي العنف بعد فشل فكرة استخدام الطريق البرلماني للوصول إلي أهدافها، فقد حاول حسن البنا دخول الانتخابات في دائرة الإسماعيلية عام 1942، ولكنه تنازل عن الترشيح بضغط من الحكومة مقابل مكاسب حصلت عليها الجماعة من وزارة الوفد تعطيها حرية الحركة ثم رشح نفسه مع عدد قليل من جماعته في وزارة أحمد ماهر مع نهاية عام 1944 وبداية عام 1945، ولكنهم هزموا بعد أن قامت الحكومة بتزوير الانتخابات فأصابهم الإحباط واليأس من الطريق البرلماني فاتجهوا إلي العنف أو عادوا إليه بعد أن تركوه حينًا.
لم ينس السعديون ولا القصر للإخوان مهادنتهم للوفد أثناء وزارته التي تألفت بعد حادث 4 فبراير 1942، لذلك سعي أحمد ماهر- الذي ألف الوزارة في أكتوبر 1944 بعد الانقلاب الدستوري الذي قام به القصر وأخرج به الوفد من الحكم – في انتخابات مجلس النواب في يناير 1945 إلي إسقاط المرشحين الستة من الإخوان المسلمين لعضوية مجلس النواب. وكان هذا تحديًا للإخوان. وعندما أعلن أحمد ماهر الحرب علي ألمانيا وإيطاليا عارضه الإخوان وكتبوا إليه بالعدول عن ذلك.
بعد اغتيال أحمد باشا ماهر بدأ حكم محمود فهمي النقراشي باعتقال المرشد العام حسن البنا، وأحمد السكري، وعبد الحكيم عابدين، وبعض الإخوان بتهمة الاشتراك في حادث الاغتيال. ولعل السبب الرئيسي في هذا الاعتقال هو أن العيسوي ذكر في معرض التحقيق معه أنه يطلب أخذ رأي زعماء البلد في إعلان الحرب، وذُكر اسم حسن البنا، ولكن أفرجت عنهم النيابة بعد أن اعترف القاتل محمود العيسوي بانتمائه للحزب الوطني. غير أن النقراشي قد سارع بإصدار أوامر بإخضاع نشاط وجميع تنظيماتها للمراقبة الدقيقة، وفرض علي الإخوان أثقل القيود في نشاطهم واجتماعاتهم وراقب منازلهم، وكان يسمح لهم بعقد اجتماعات عامة أو مؤتمرات فقط. وهي السياسة التي اتبعها طوال فترة حكمه، إذن فهي علاقة لا تتسم بالمحاباة.
انتهت الحرب العالمية الثانية 1945، ودخلت الجماعة بعد ذلك دور المحنة الكبرى لأنها تزعمت قيادة الحركة الشعبية وألهبت المشاعر الوطنية المطالبة بحقوق البلاد التي وعد بها الإنجليز أثناء الحرب. واجتمعت الجمعية العمومية للإخوان في 8 سبتمبر 1945، وأدخلت بعض التعديلات علي النظام الأساسي حتى أضحي شاملاً لجميع غاياتها ووسائلها، وأصدروا جريدتهم اليومية “الإخوان المسلمون”، وصدر العدد الأول منها في 15 مايو 1946، وأصبح بذلك صوتهم مسموعًا في مصر والبلاد العربية، وبلغ عدد أعضاء الإخوان العاملين في مصر وحدها نصف مليون والأعضاء المنتسبون والمؤازرون بلغوا أضعاف هذا العدد.
وفي أوائل سبتمبر عام 1945 ألقي حسين توفيق قنبلة علي سيارة النحاس أثناء مروره بشارع القصر العيني في طريقه إلي النادي السعدي، وقد انفجرت القنبلة ولكن لم يصب النحاس ولا سيارته بسوء، وفرَ حسين توفيق، ولم يضبط ولم يعرف أنه الجاني إلا من اعترافاته في قضية مقتل أمين عثمان حيث تمكن من قتله بعد ذلك. وبعد حادثي اغتيال أحمد ماهر وأمين عثمان وفي الفترة الممتدة من (1946 وحتى 1948) تعددت حوادث إلقاء القنابل، وأخطرها وضع قنبلة في دار سينما مترو يوم 6 مايو 1947 انفجرت أثناء ازدحام الدار بروادها، فكان لانفجارها دوي فظيع أودي بحياة خمسة من النظارة وأصيب كثيرون من الانفجار، وتهدم جانب من الدار، وكان لهذا الحادث وقع أليم لكثرة ضحاياه من الأبرياء. وتكررت في الإسكندرية سنة 1946 حوادث إلقاء القنابل علي الجنود البريطانيين. بالإضافة إلي ضرب أقسام الشرطة بالمتفجرات والقنابل. ولقد أكدت الأيام للنقراشي أن حذره في مكانه، حيث شهد حادثة كوبري عباس 9 فبراير عام 1946، ولقد كشفت تقارير وزارة الداخلية التي رفعت إلي النقراشي عن دور الإخوان فيها.
المرشد العام حسن البنا
المرشد العام حسن البنا
حسن البنا في احدي المظاهرات
حسن البنا في وداع مجموعة من متطوعي الإخوان
حسن البنا يتحدث لأحد الصحفيين الأجانب
حسن البنا مع أثنين من أبنائه
ولما جاءت وزارة النقراشي الثانية (9 ديسمبر 1946- 28 ديسمبر 1948)، بادر البنا بكتابة مقال دعا فيه الحكومة الجديدة إلي إنهاء المفاوضات مع الإنجليز التي لا طائل منها، وكانت هذه هي بداية الحرب بين “النقراشي والإخوان”، ولذلك طلب البنا وساطة كريم ثابت – مستشار الملك – لدي النقراشي لإيقاف حل ومصادرة الجماعة، وذكر البنا في تقرير لمستشار الملك ضرورة عدم حل الجماعة لأنها “عونًا كبيرًا للملك والعرش في مقاومة الشيوعية”. وبعد ذلك قاموا بحوادث عنف داخل مصر، ووجهت لهم تهمة أنهم ينون إحداث انقلاب.
ومع حلول عام 1948 وقعت حوادث متتابعة وخطيرة هزت مصر وكان دور الإخوان هو الأخطر فيها – من وجهة نظر الحكومة- آنذاك ورأى البعض أن حركة الإصلاح الديني قد تحولت إلى جماعة تمارس الإرهاب لتحقيق مكاسب سياسية بعلم وتخطيط من حسن البنا، في 17 فبراير عام 1948 حدث أول انقلاب في العالم الإسلامي، اُغتيل الإمام يحيى حميد الدين حاكم اليمن على يد المعارضين لحكمة بزعامة عبد الله الوزيري، وكان لحسن البنا دور كبير في دعم وتنشيط هذا الانقلاب وتردد أن فكرة إعداد الشعب اليمني للثورة نبتت في المركز العام للجماعة وبالتعاون مع البدر حفيد الإمام يحيى. ولكن الانقلاب فشل ولكن هذا ترك مخاوف كثيرة عند النظام.
وفي التاسع والعشرين من أبريل عام 1948 قررت الدول العربية إعلان الحرب ضد اليهود، فتوجهت كتائب الفدائيين من جماعة الإخوان للمشاركة في تحرير فلسطين، كانت صلة حسن البنا بالقضية الفلسطينية قد بدأت عام 1936 عندما اشتعلت الثورة العربية الكبرى فاشترك متطوعون من الإخوان مع الثوار الفلسطينيين وجمعت التبرعات والأسلحة لدعم الثورة وعندما أصدرت الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين في نوفمبر عام 1947 بدأت جريدة الإخوان تدعو الجيوش العربية إلى دخول الحرب وشارك حسن البنا في تشكيل لجنة وادي النيل لجمع الأموال والسلاح للمتطوعين وفي عام 1948 قامت كتيبة من فدائي الإخوان بالرد على مذبحة دير ياسين فقاموا بتفجير مستعمرة كفار دروم ثم حاولوا مهاجمة مستعمرة دير البلح.
وفي تلك الأثناء وقع حادث خطير، في صباح يوم 22 مارس 1948، وهو اغتيال القاضي أحمد بك الخازندار وهو متجهًا من منزله في ضاحية حلوان إلى محطة السكة الحديدية سائرًا على قدميه أفرغت في صدره رصاصات طبنجة من عيار 9 ملي ماركة برت، كان الهدف هو الانتقام من الخازندار وإرهاب رجال القضاء إذا تقدم إليهم متهمون في قضايا مشابهة. وبذلك أصبحت أهداف الجهاز الخاص السري للإخوان غير محصورة في مقاومة الاستعمار والصهيونية. اتجه القاتلان صوب الجبل فحاصرتهما الشرطة وقبضت عليهما، وفي 22 نوفمبر 1948، حُكِم على المتهمين حسن عبد الحافظ ومحمود زينهم بالأشغال الشاقة المؤبدة.
وفي 13 مايو– وقبل دخول الجيش المصري فلسطين – أُعلنت الأحكام العرفية، وفي 20 يونيو نسفت بعض المساكن في حارة اليهود الذين ينتمون إلي طائفة اليهود الربانيين في القاهرة، ردا علي مذبحة دير ياسين التي ارتكبها اليهود في فلسطين في 9 أبريل 1948.
وفي 16 يوليو ألقت طائرة إسرائيلية – حلقت في سماء القاهرة – قنابلها علي أحد الأحياء الفقيرة– حي البراموني – قرب قصر عابدين فهُدمت منازل كثيرة وقتلت عددًا من السكان. وكان الرد علي هذا الحادث في 19 يوليو هو نسف محلي شيكوريل وأوريكو، وفي صباح نفس اليوم أعلنت الحكومة المصرية الهدنة الأولي.
وفي أواخر يوليو وأوائل أغسطس، أعلن الوطنيون عدم رضائهم عن هذه الهدنة فدمروا محلات بنزايون وجاتينيو، كما دمر في 22 سبتمبر جزء من حارة اليهود القرائيين. وفي 12 نوفمبر دُمر انفجار آخر شركة الإعلانات الشرقية التي ساعدت النشاط الصهيوني في ذلك الحين.
ولم تستطع سلطات الأمن أن تنسب هذه الحوادث إلي الإخوان المسلمين إلا في أثناء عرض قضية الجيب علي في ديسمبر 1950، حين نسبتها إليهم دون دليل، إذ قرر المدعي أن الجماعة عمدت إلي لفت الأنظار إليها عام 1946، باستخدام العنف المباشر ضد الإنجليز، وبإثارة الاضطرابات من أجل فلسطين، ولهذا يكون الإخوان المسلمين مسئولين عن حوادث النسف والتدمير، التي وقعت علي اليهود في مصر في الفترة ما بين يونيو ونوفمبر سنة 1948.
وفي 15 نوفمبر عام 1948 استطاعت الحكومة بطريق الصدفة في وقت قصير أن تضع يدها علي أخطر تنظيم سري مسلح أنشأه الإخوان في غفلة منها، وذلك عندما ضبطت سيارة جيب في أحد شوارع العباسية من دون أرقام تحتوي على قنابل وأسلحة وذخيرة ومتفجرات ومعها خططًا لعمليات نسف السفارتين البريطانية والأمريكية ووثائق تحتوي على أسماء أعضاء التنظيم والشفرة السرية للاتصال بينهم ودراسات حول أهداف مزمع تدميرها، واتضح من الوثائق والمضبوطات أن الإخوان هم المسئولون عن حوادث التفجير التي وقعت في الشهور الأخيرة.
وفي 25 سبتمبر 1949 وضع الناب العام محمد عزمي بك تقرير الاتهام في هذه القضية، فقدم 32 متهمًا بتهمة الاتفاق الجنائي علي قلب الحكم. وقد أحيلت القضية إلي دائرة جنائية عسكرية عليا ثم أحيلت إلي دائرة جنايات عادية بعد رفع الأحكام العرفية برئاسة أحمد كامل بك وعضوية محمد عبد اللطيف بك وزكي شرف بك. ومثل النيابة محمد عبد السلام بك. وقضي الحكم ببراءة 14 متهمًا وبحبس الباقين مددا تتراوح بين ثلاث سنوات وسنة واحدة.
وبعد أيام من انكشاف النظام الخاص وفي صباح يوم 4 ديسمبر عام 1948 اغتيل اللواء سليم زكي – حكمدار شرطة القاهرة – على يد طالب في جامعة فؤاد الأول علي إثر مظاهرة كبيرة في الجامعة أثارها الإخوان ضد محادثات الهدنة المقترحة لحرب فلسطين، وأذاعت الحكومة أن الطالب ينتمي إلى تنظيم الإخوان في حين لم يستطع البوليس ضبط أي شخص أسندت إليه تهمة إلقاء القنبلة. وفي اليوم نفسه طلب حسن البنا من حامد جوده – رئيس مجلس النواب- التوسط لدى النقراشي باشا رئيس الوزراء لبدء صفحة جديدة بين الحكومة والجماعة لكن طلبه قوبل بالرفض فأدرك المرشد خطورة الموقف.
بلغت المواجهة بين حكومة النقراشي والإخوان المسلمين ذروتها عندما أصدر النقراشي بصفته حاكمًا عسكريًا في 8 ديسمبر عام 1948 أمرًا عسكريًا رقم 63 بحل جماعة الإخوان المسلمين وشعبها، وغلق الأماكن المخصصة لنشاطها وضبط أوراقها ووثائقها وسجلاتها ومطبوعاتها وأموالها.
وفور صدور هذا الأمر الذي صدر في الحادية عشرة مساءً تم تعيين مندوب خاص من وزارة الداخلية لإدارة ممتلكات جماعة الإخوان المسلمين لصالح وزارة الشئون الاجتماعية، وكان ذلك بناء علي المذكرة التفسيرية التي قدمها عبد الرحمن عمار بك وكيل الداخلية لشئون الأمن العام، ذكر فيها وقائع عديدة من القتل والنسف والتدمير ارتكبها أفراد من هذه الجماعة تبريرا لاتخاذ قرار حلها.
وانتهت المذكرة إلي القول: “أنه يتبين من استعراض الحوادث التي عددتها أن جماعة الإخوان المسلمين قد أمعنت في شرورها بحيث أصبح وجودها يهدد الأمن العام والنظام تهديدًا بالغ الخطر”.
بذل البنا جهودًا لإنقاذ الموقف حتى أنه حاول الاتصال بالملك وبإبراهيم عبد الهادي رئيس الديوان الملكي لكنه لم يتلق أي رد، كان العد التنازلي قد بدأ، في السادس من ديسمبر صدر أمر بإغلاق صحيفة الجماعة. وفي الحادية عشرة مساء أذاع الراديو نبأ الأمر الصادر من الحاكم العسكري العام رقم 63 لسنة 1948 بحل جماعة الإخوان المسلمين بكل فروعها في البلاد ومصادرة أموالها وممتلكاتها.
ولقد أعدت جريدة الأساس يوم 4 ديسمبر مانشيت علي ثمانية أعمدة بحل جمعية الإخوان المسلمين. وبعد دقائق كان المبنى قد حوصر من كل ناحية بقوات الشرطة التي قبضت على كل من فيه، انتظر البنا دوره لكن لم يتعرض له أحد فتشبث بسيارة البوليس لكنهم أبعدوه وكانت الأوامر القبض على كل أعضاء الجماعة عدا حسن البنا. وقد ظن النقراشي أنه قبض علي جميع قادة التنظيم حتى إنه رفض اعتقال حسن البنا تحقيرًا لشأنه، وعندما طلب البنا إليه اعتقاله مع من اعتقل من أعضاء مكتب الإرشاد، كانت إجابته: “لا خطر منك بعد أن قصصنا أجنحتك”.
علي أنه كان مخطئًا فقد أفلت من البوليس عدد من التنظيم السري كان يجهل أسماء أعضائه، وكان علي رأسهم مسئول النظام الخاص عن مدينة القاهرة، السيد فايز، الذي كون سرية من ست أفراد لقتل النقراشي. وتصاعد شعور الإخوان العدائي ضد النقراشي باشا الذي أصدر قرار الحل، واعتبروا هذا القرار استفزازًا لهم لقتل النقراشي باشا. وتم ذلك في العاشرة من صباح يوم الثلاثاء 28 ديسمبر عام 1948- أي بعد عشرين يومًا من قرار الحل. وفي هذه المرة تم الاغتيال داخل بهو وزارة الداخلية نفسها وأمام أعين ضباط الشرطة. واتُهمت جماعة الإخوان بارتكاب الحادث.
أصدر البنا عقب اغتيال النقراشي بيانًا عامًا عنوانه “بيان للناس” استنكر فيه اغتيال النقراشي، وقد نشرت صحف مصر صباح يوم 11 يناير نداء المرشد العام تحت عنوان “بيان للناس” وها هو جزء من البيان: “وقعت أحداث نسبت إلي بعض من دخلوا هذه الجماعة دون أن يتشربوا روحها أو يلتزموا نهجها، مما ألقي عليها ظلاً من الشبهة، فصدر أمر بحلها وتلا ذلك هذا الحادث المروع حادث اغتيال دولة رئيس الحكومة محمود فهمي النقراشي باشا الذي أسفت البلاد لوفاته”.
وباغتيال النقراشي اتسعت دائرة الاعتقالات علي يد خلفه إبراهيم عبد الهادي، فقد اعتقل 4000 معتقل واجهوا تعذيبًا قاسيًا وفي مواجهة ما يعانون من تعذيب، بدأت الشكوك تنتاب أعضاء الجهاز السري حول فكرة الجهاد ومدي انطباقها علي عمليات الإرهاب التي قاموا بها ضد خصومهم. وكان الأستاذ مصطفي مرعي قد طلب من البنا أسماء الأعضاء الخطرين ومكان الأسلحة ومحطة الإذاعة السرية. قال الشيخ حسن البنا: الاعتقالات مستمرة بإسراف وأريد الإفراج عن بعض المعتقلين لأعرف منهم الخطرين ومكان السلاح. ووعد مصطفي مرعي ببحث طلبات الإفراج، ولكن حدثت محاولة نسف محكمة الاستئناف وتحديدًا في 13 يناير 1949، حاول شفيق إبراهيم أنس – وهو أحد أعضاء الجهاز السري- إحراق غرفة التحقيق لقضية السيارة الجيب وفيها ملف القضية وكافة أحرازها في دولاب بمحكمة الاستئناف بميدان باب الخلق (ميدان أحمد ماهر)، والهدف إعدام الدليل علي التهمة التي تلحق بالأشخاص المدونة أسماؤهم في أوراق التحقيق، سلم شفيق القنبلة لأحد السعاة لوضعها داخل المحكمة ولكن السعاة اشتبهوا فيه فحملوا الحقيبة خارج المبني حيث وضعت في ميدان باب الخلق حتى انفجرت، ولم يمض قليل حتى انفجرت في الساعة الثامنة والدقيقة العشرين صباحًا، وكان لانفجارها دوي هائل ارتجت له المنازل المجاورة وأحدث فجوة عميقة في الميدان وتلفًا كبيرًا في دار المحكمة وكسر زجاجها ونوافذها وأصيب من جراء الانفجار خمسة عشر شخصًا من المارة في الشارع، وألقي القبض علي شفيق إبراهيم أنس. وقد دلت ملابسات هذا الحادث علي أن الجاني كان يقصد نسف مكتب النائب العام وما فيه من أوراق ووثائق تدين بعض الإرهابيين من أعضاء الجمعية.
وقد نظرت هذه القضية أمام نفس المحكمة التي نظرت قضية اغتيال النقراشي. وكان ممثل الاتهام فيها هو محمد كامل القاويش. ولم تستغرق المحاكمة إلا أياما قليلة صدر بعدها الحكم علي المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة.
كما أصدر البنا بيانًا أخر “ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين”، بعد هذا الحادث، ومن بعض نصوصه التي كتبها حسن البنا بيده ومن كلماته:”وقع هذا الحادث الجديد، حادث محاولة نسف مكتب سعادة النائب العام وذكرت الجرائد أن مرتكبه كان من الإخوان المسلمين، فشعرت بأن من الواجب أن أعلن أن مرتكب هذا الجرم الفظيع وأمثاله من الجرائم لا يمكن أن يكون من الإخوان ولا من المسلمين”.
ونتيجة لذلك، كانت هذه التطورات تعني التصفية السياسة لحسن البنا والتي مهدت لتصفيته جسديًا بحادث اغتياله في 12 فبراير 1949. وهذا هو موضوع الحلقة الثانية ......


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.