التدخل السافر من جانب أردوغان والحكومة التركية في شئون مصر الداخلية بل وفي شئون الدول العربية للسيطرة عليها مرة أخري باسم الخلافة وباسم الدين يثير السخرية والتعجب من تلك الشخصية المريضة التي تسعي إلي أن تخلق لنفسها دور ريادي علي دول أكبر منه قامة وقيمة في المنطقة وهي مصر، وهو في ذلك لا يسعي إلي الجهد والعمل والاعتماد علي القيم والمثل لإمكانية إقامة علاقة مع محيطه الإقليمي بل إنه يعتمد وكما فعل أجداده علي الزيف والخداع والنفاق والتآمر وإيذاء جيرانه من خلال تأسيسه للتنظيم الدولي للإخوان وعلي غرار ما فعلته الدولة العثمانية التي غزت العالم العربي والإسلامي باسم الدين، وهي حيلة اتبعها مؤسس الدولة العثمانية والسلاطين الذين جاءوا من بعده واستطاعوا من خلالها أن يسيطروا ويستولوا علي الكثير من البلاد العربية عندما سقطت الخلافة الإسلامية من المماليك وانتقلت إلي أيديهم وبعدها ظل المسلمون وعلي مدي أربعة قرون منخدعون و ملتفون حول تلك الأكذوبة والحيلة التي خالت عليهم، ولم يجنوا منها غير أنها أهلكتهم وأدخلتهم في الفقر والجهل والظلامية و قادتهم في مرحلة لاحقة إلي أن يستعمروا من الدول الأجنبية وعندها لم يجنوا من عثمان بن ارطغل وخلافته المزعومة شيئا . وما يحدث الآن من جانب قيادات التنظيم الدولي للإخوان في مصر واستقطابه لعدد كبير من المغيبين والمندفعين نحو المشروع الإسلامي والمسمي بالخلافة الإسلامية لا يدرك الكثير منهم أنهم يكرسون مرة أخري لعودة الخلافة للعثمانيين الجدد علي يد أردوغان كما حدث في العهود السابقة وهم لا يدركون أن أردوغان يسعي إلي استعادة الدور التركي في المنطقة تحت زعامته بعد فشله في الانضمام للاتحاد الأوربي رغم أنه يعمل وفق المخطط الصهيوني الأمريكي في المنطقة علي غرار الماضي مع فارق توزيع الأدوار دون أن يتعلموا من دروس التاريخ شيئا. ولقد استدعاني ذلك إلي أن استرجع بعضا من مراحل تاريخ الدولة العثمانية لكي أتعرف علي ما فعلته تلك الدولة في بعض من بلداننا، وروعت بعد ما قرأته من انتهاكات وجرائم وتاريخ طويل لتلك الدولة التي دخلت إلي بلادنا التي كانت خاضعة للدولة المملوكية تلك الدولة التي قدمت للأمة العربية والإسلامية ما لم تقدمه دولة إسلامية من قبلها ليس في مجال الدين والعلم والعبادة بل في شتي المجالات، لقد شهد العهد المملوكي ازدهارا كبيرا وتجمع فيه أكبر عدد من العلماء والأدباء وتطورت الفنون والعمارة، وتطورت التجارة والزراعة ونظم إدارة الدولة كما شهدت قوة عسكرية غير مسبوقة استطاعت بسلاطين المماليك أن تقهر المغول والتتار في عين جالوت وتقهر الصليبيين في المنصورة وتقضي علي فلولهم في الشام، كما سعي السلطان قنصوه الغوري أن ينتصر علي البرتغاليين عند مضيق باب المندب لكي يستعيد طريق التجارة لمصر والعرب بين الشرق والغرب ورغم أنه كان يساعد السلطان سليم الأول في ذلك عام 1511 إلا أنه غدر به بالشام وهزمه في مرج دابق ثم دخل مصر باسم الإسلام وقتل طومان باي آخر السلاطين المصريين بمصر في موقعة الريدانية عام 1517، وكان هذا يمثل بدايات الغدر والتآمر والخيانة من جانب العثمانيين عندما قضوا علي الخلافة المملوكية وغزوا البلاد الإسلامية واستولوا علي ثرواتها ومقدراتها وأرسل السلطان سليم الأول علماء وصناع وأدباء الأمة ليبني عاصمته في الأستانة علي حساب فقر الأمة الإسلامية وتخلفها إلي سنوات طوال كما نقل الخلافة من القاهرة إلي اسطنبول وحرض علي العرب ليعلي من العرق التركي وأدخل اللغة العربية مكان اللغة التركية، وفي هذا كتب ابن إياس قصيدة يعبر عن حزنه علي دولة المماليك ونظرته التشاؤمية تجاه الخراب الذي حل بالأمة مع قدوم العثمانيين فقال: نوحوا علي مصر لأمر قد جري من حادث عمت مصيبته الوري الله أكبر إنها لمصيبة وقعت بمصر ما لها مثلا يري وقد ظل السلاطين العثمانيين عبر تاريخهم يتآمرون مع الدول الأوربية علي حساب الدول الإسلامية حتي مجيء الحملة الفرنسية علي مصر والشام والتي ولدت في بلادنا الشعور بإحياء القومية والعروبة والدين فانتشرت الحركات التحررية والنهضوية في مصر بقيادة محمد علي ومحاولته التخلص من هيمنة الدولة العثمانية، والحركة الوهابية في الحجاز وحركة ضاهر العمر في الشام وفلسطين رغم أنه قد سبقتها حركات تحررية وانفصالية من جانب أمراء المماليك ومنها حركة علي بك الكبير لولا تآمر الدولة العثمانية مع الغرب ورغم ذلك ظل المماليك وأمرائهم مخلصين لمصر وللعالم الإسلامي الذي ينتمون إليه وصولا إلي استبسالهم ضد الحملة الفرنسية للدفاع بشرف عن مصر مقابل تقاعس وتخاذل الدولة العثمانية التي كانت تمص الدماء فقط وتضخها إلي الأستانة. ولا يمكن أن ننكر النهضة التي قام بها محمد علي بعد أن نجح المصريون عام 1805 وعينوه واليا علي مصر بعد أن قامت الحركة الشعبية الثورية من خلع خورشيد باشا متحدين السلطان العثماني، ولقد حقق محمد علي الكثير من الفتوحات مستوليا علي السودان وضمها مع الحجاز وبلاد الشام إلي مصر و وصولا إلي أدنا بالقرب من اسطنبول بعد هزائم مخزية علي الجيش العثماني ولولا تآمر السلطان العثماني واستنجاده بروسيا لكان محمد علي بقيادة ابنه إبراهيم وجيش مصر العظيم قضي واستولي علي الأناضول كاملا، ورغم ذلك قدم محمد علي للسلطان العثماني الكثير من الخدمات الجليلة إلا أن التآمر والغدر والخيانة كانت من سمات العثمانيين وظلوا يعتمدون عليها حتي نالت من محمد علي وحدت من نفوذه وملكه بسبب تدخل الغرب في الشئون الداخلية للدولة العثمانية حتي تمكنوا من تقليص نفوذهم في دول أوربا الشرقية التي نالت استقلالها كما نالها الأرمن بعد المذبحة التي تعرضوا لها من جانب السلطان عبد الحميد الثاني عام 1914، وأثناء الثورة العرابية في مصر خان السلطان عبد الحميد الثاني عرابي وأصدر فرمانا يقر فيه أن عرابي مارق وخائن وكافر وأنه يقود جيش إسلامي لمحاربته مما أثر علي صفوف الجيش والأمة في تلك الفترة وانقسموا بسبب الخوف بين مؤيد ومعارض إلا أن تلك الخيانة علي حساب محاباة الإنجليز أصابت عرابي وجيشه في مقتل بعد خيانة الخديوي توفيق له ورغم ذلك قيلت الخطب والأشعار التي تدعوا الشعب للوقوف مع عرابي في محنته ضد الخديوي وضد الإنجليز لأجل مصر فقيل في ذلك: إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابيا عن يمينا وقيل أيضا: أخي قم واشكر إلهك وأحمد فالدين منصور علي يد أحمد وظل التآمر والتخابر والتحالف العثماني مع الدول الأجنبية حتي زاد نفوذها وتمكنت بأيدي وضعف وخيانة العثمانيين من احتلال الدول العربية دولة بعد الأخري ، وتمكنت الحركات الصهيونية والماسونية والتي يرجع أساسها إلي يهود الدونما بتركيا إلي إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين بعد تقاعس السلطان في النهاية ومساندة الإنجليز حتي ضاعت فلسطين، ومع موت السلطان عبد الحميد الثاني ثم وصولا إلي وصول مصطفي أتاترك الذي فصل الدين عن الدولة بمساعدة الجماعات السرية والحركات الماسونية وقلب نظام الحكم بداية من عام 1923 ووجدت تركيا نفسها من جديد تخلع عباءة الدين وتنسلخ عن الخلافة الإسلامية وتحذف الحروف العربية من اللغة التركية ويعلن أتاترك عن تركيا كدولة علمانية تطبق الدستور السويسري وتعلن سفور المرأة وغيرها من القوانين العصرية لدرجة أنه وفي أول دخوله للبرلمان قال لن نسير وراء كتابا يميز بين التين والزيتون ويقصد به القرآن وعندها انصدم المسلمون في تاريخ الأتراك وأكذوبتهم الطويلة باسم الإسلام حتي راح الشاعر أحمد شوقي يهجيه بقصيدة يعبر فيها عن حزنه وألمه لما صدر في آخر الأزمان من الأتراك في حق الإسلام فقال ' بكت الصلاة وتلك فتنة عابسة بالشرع وبيدي القضاء وقاح أفتي خزعبله وقال ضلالة وأتي بكفر في البلاد نواح ورغم هذا التاريخ المخزي للأتراك يأتي إلي أمتنا الآن عثماني جديد متعجرف يلاعب الأمة ويلاعب المتدينين العاطفيين باسم الإسلام وهو لا يدري أن التاريخ قد أثبت زيف أجداده وأن الأمة الإسلامية واعية لمخططاته وأن مصر بلد الحضارة والانتصارات والفتوحات بلد الأزهر والألف مئذنة ستدحر بجيشها وشعبها العظيم كل مخططاته.