انتهجت كثير من الحركات الأصولية المتشددة، المنضوية تحت عباءة الإسلام السياسي، النهج الانقلابي العنيف، وأسلوب الصدام والمواجهة المسلحة، لإرهاب الخصوم السياسيين والفكريين، لإزاحتهم والتخلص منهم، في سبيل تحقيق أهدافها في الوصول إلي السلطة والهيمنة السياسية والأيديولوجية. وكانت الاغتيالات هي الاستراتيجية المثلي في نهج تلك الحركات، لتصفية الخصوم، وكسر إرادة الدولة.. ونهج الاغتيال ليس إلا تعبيراً عن حالة من العجز والانهزام، واليأس، والإفلاس السياسي، والتدني الخلقي الذي تعانيه حركات الإسلام السياسي عبر تاريخها الطويل!! تاريخيا، كان الخوارج أول من انتهج نهج الاغتيال، دفاعاً عن فكرة 'الحاكمية' أو 'لا حكم إلا الله' استناداً إلي قوله تعالي: 'إن الحكم إلا لله' 'الأنعام: 57' ثم إلي قوله تعالي: 'ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون' 'المائدة: 44' وإلي قوله تعالي: 'ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون' 'المائدة: 45' وإلي قوله تعالي: 'ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون' 'المائدة: 47'.. من خلال ما تمليه عليهم أفهامهم وتأويلاتهم الخاصة لتلك الآيات التي تعرض لحاكمية الله في الكون.. كان ذلك في واقعة التحكيم الشهيرة بين الإمام علي بن أبي طالب 'كرّم الله وجهه' ومعاوية بن أبي سفيان في حربهما علي الخلافة.. حينها اعترض الخوارج علي الإمام علي بن أبي طالب لقبوله التحكيم.. إذ كانوا يرون أن الحكمين قد حكما بغير ما أنزل الله، ومن ثم فقد كفّروا الجميع، بمن فيهم أنفسهم، لأنهم ارتضوا تحكيم الرجال في الدين.. ولذا وجب قتالهم وضرب وجوههم بالسيف من وجهة نظرهم.. وعزموا علي اغتيال الإمام علي ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص فنجا الأخيران وأصاب عبد الرحمن بن ملجم الخارجي سيدنا علي بن أبي طالب بسيف مسموم، وهو خارج لصلاة الفجر!! وقد أحيا 'أبوالأعلي المودودي' مؤسس الجماعة الإسلامية في الهند، فكرة 'الحاكمية' من جديد في كتابه 'المصطلحات الأربعة' الصادر في سنة 1941، ومن أبي الأعلي المودودي تلقف سيد قطب، منظّر جماعة الإخوان المسلمين، والمؤسس الثاني للجماعة، فكرة 'الحاكمية'.. ومن جرّاء التأويل الخاص للآيات التي تستند إليها فكرة 'الحاكمية' وسم سيد قطب المجتمع بسمة الجاهلية.. وفي سبيل تطبيق الفكرة كفّر الحكام بدعوي عدم حكمهم بما أنزل الله.. فحدثت مآسٍ.. وأزهقت أرواح.. وعاني المجتمع المصري كثيرًا من العنف والإرهاب.. والترويع!! انتهج الإخوان المسلمون، الخوارج الجدد، نهج الاغتيالات للتخلص من خصومهم الذين يحولون بينهم وبين طموحهم في سبيل الوصول إلي السلطة فلم يكونوا يوما، ومنذ اللحظة الأولي لإنشاء الجماعة، سوي أهل سلطة وسياسة.. وبمجرد اعتلائهم سدة الحكم في مصر، انتعشت حركة الجماعات التكفيرية الإرهابية، وقويت صلتها بالجماعة الأم في مصر.. واستدعت جماعة الإخوان ورئيسها السابق أعضاء تلك الجماعات التي تطلق علي نفسها 'جهادية' من كل البقاع: من أفغانستان والسودان وباكستان وحركة حماس.. وغيرها.. ووفروا لها الظهير السياسي، والغطاء الأيديولوجي والدعم المادي واللوجيستي.. ليكوّنوا منهم 'الجيش المصري الإسلامي الحر'، ويجعلوه بديلا لجيش الدولة الوطني.. ويصبح أداتهم عندما يجدّ الجدّ.. فيحولوا مصر إلي سوريا أخري إذا ما اضطروا لذلك.. حسب تصريحاتهم المعلنة فها 'قد بدت البغضاء من أفواهم وما تخفي صدورهم أكبر'. وتكررت عمليات اغتيال الجنود والضباط في سيناء، لإظهار الجيش المصري العظيم بمظهر الضعيف العاجر عن حماية رجاله.. تمهيدا لتفكيكه والسيطرة عليه من خلال عناصرهم المعدة سلفا لتلك المهمة، وهو ما أطلق عليه 'قسم الوحدات' المكلف باختراق: الجيش والشرطة والقضاء.. ورأينا لأول مرة رئيس الدولة يوصي خيراً بخاطفي الجنود المصريين في سيناء، جنبا إلي جنب المخطوفين.. فتملكت الدهشة والحيرة الجميع وهم يرون رئيسهم يساوي بين حماة الوطن وأعدائه من الإرهابيين.. ويساوي بين الضحية والجلاد.. ين القاتل والقتيل فأية عدالة.. وأية حرية جعلوهما شارة علي حزبهم السياسي؟! ولا نظنه يشفع للدكتور مرسي كون الخاطفين والمخطوفين مصريين.. فهل 'تتساوي يد سيفها كان لك.. بيدٍ سيفها أثكلك'؟! كما قال الشاعر الراحل 'أمل دنقل'.. وللآن لم تتوقف عمليات الاغتيال الجماعي للجنود والضابط في سيناء، وكانت آخرها في العشرين من نوفمبر الجاري، والتي راح ضحيتها أحد عشر شهيدًا وأكثر من ثلاثين مصابا!! وبعد إبعادهم عن السلطة وعزل رئيسهم عقب ثورة 30 يونية استحوذ عليهم جنون الانتقام.. ووصلت موجة عنفهم وإرهابهم إلي ذروتها، خاصة بعد فض اعتصاماتهم غير السلمية في ميداني رابعة العدوية، والنهضة.. وصرح الدكتور محمد البلتاجي، معترفا علي الهواء، بأن العمليات الإرهابية التي تحدث في سيناء ستتوقف في اللحظة التي يعلن فيها الفريق أول عبد الفتاح السيسي تراجعه عن إنفاذ إرادة الجماهير بعزل الرئيس مرسي، وإعلان خارطة طريق جديدة لمصر.. تحقق لها آمالها المنشودة في الحرية والوطنية والكرامة الإنسانية.. وتنأي بها، إلي غير رجعة، عن جحيم العنف والإرهاب.. والنزعة السلفية الماضوية، التي لا تعشش سوي في أذهانهم هم فقط!! وتواصلت عمليات الاغتيال النوعية لضباط الجيش والشرطة علي يد الإخوان وحلفائهم من الجماعات التكفيرية.. بادئين بوزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم الذي حاولوا اغتياله بسيارة مفخخة.. ثم عملية اغتيال ضابط الأمن الوطني المتخصص في مكافحة الإرهاب الدولي النقيب محمد أبوشقرة، بشمال سيناء بوشاية من ضابط زميل له من الخلايا التي زرعها الإخوان في الأجهزة الأمنية، إبّان عام حكمهم الوحيد.. وهو ما يستدعي تطهير تلك الأجهزة الحساسة. وأخيراً عملية اغتيال المقدم محمد مبروك، ضابط الأمن الوطني المسئول عن ملف الإخوان.. والذي كان يعد لإثبات تهمة التخابر علي الرئيس السابق د.محمد مرسي مع أمريكا.. لا مع قطر وتركيا فحسب!! حيث تم قنص مبروك بدقة بالقرب من منزله!! وعملية اغتيال المقدم محمد مبروك تحمل بصمة الإخوان، فهي تشبه عملية اغتيال المستشار أحمد الخازندار بالقرب من منزله، أيضا، وهو في طريقه إلي عمله.. يعلق الدكتور عبد العزيز كامل، وزير الأوقاف الأسبق، وعضو جماعة الإخوان المسلمين علي عمليات الاغتيال الدموية التي قام بها الإخوان المسلمون إبّان عامي 1948 و1949 في كتابه: 'في نهر الحياة' قائلًا: 'لقد كان عام 1948 ومطالع عام 1949 الأعوام الدموية عند الإخوان أفعالًا وردود أفعال، سحبت وراءها أذيالًا وحفرت أخاديد ومزقت أجساداً وفتحت معتقلات باتساع لم تعرفه مصر من قبل، وأعدت قوائم بالآلاف كانت تحت يد الثورة حين أرادت أن تضرب ضربتها للإخوان في سنة 1954 وما بعدها'.. وشهد شاهد من أهلها!! فما أشبه الليلة بالبارحة، وإن كانت البارحة البعيدة نسبيا.. والأحمق من لا يتعلم من دروس الماضي.. ومن لا يقرءون التاريخ ولا يعتبرون بأحداثه.. كُتب عليهم أن يعيشوه مرة أخري. أما كان للإخوان المسلمين في الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، قدوة حسنة حين تنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان، حقنا لدماء المسلمين، فاستحق 'السيادة' التي تنبأ له بها رسول الله -صلي الله عليه وسلم- حين قال مشيرا إليه: 'ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين'؟! رحم الله شهداء الواجب الوطني من جنود وضباط الجيش والشرطة والمدنين الأبرياء جميعًا.. ولن تنكسر إرادة الوطن، فالإرهاب في النزع الأخير.. وما يفعله هو صحوة الموت.. وما أجمل أن نختم بمقطع من قصيدة الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، الأخيرة 'شارع عيون الحرية' التي يبث من خلالها، روح التفاؤل والأمل.. والعزيمة والتحدي.. يقول الأبنودي: ويا مصر مدّي خطاك لا تهدّي ويكعبلوكي انهضي ومدّي بيخلطوا الأوراق.. ولا نهتم حتي في ضعفك واقفة تتحدي