تقول الحكمة الصينية: لا يمكن أن تدخل قلعةً مُحصَّنةً، ما لم تعرف ما بداخلها! وتقول الحكمة الهندية: لا تأكلْ أكثرَ ممّا تهضم! وتقول الحكمة العربية: إذا تكلَّمتَ عرفناك! ونحن نقول للإخوان المسلمين: بأفعالكم، ومواقفكم، وتصريحاتكم، وسوء نيَّاتكم.. عرفناكم'قبيلةً لا تعترف إلاَّ بشيخها، وقانونها، ومراسيمها'! فهل عرَف الإخوانُ مصرَ حقَّاً؟! وهل قرءوا تاريخها السحيق، وطبيعة شعبها الذي يستعصي علي الخِداع؟! وهل وقع الثَّعلبُ الإخواني في الفخِّ الذي وضعه لغيره، فسقط سريعاً، بعد أنْ ملأ الدنيا ضجيجاً، وهو لم يرَ خارطةَ مصر التاريخية، والثقافية، وعصيانها عن التَّحلُّل والذَّوبان؟! بدايةً، فلمْ يتَّعظْ الإخوانُ من سقوط مبارك، فظنوا أنهم ماكثون في حكم البلاد والعباد'500'عاماً، كما قال الرئيس المخلوع/ مرسي العيّاط للفريق/ السيسي! فكان مُخَطَّطهم للتبديل، والتغيير، والإحلال، والتمرير، والتحريف، والتجريف! فكما فشِل مُخَطَّط مبارك لتوريث ابنهِ حكمَ مصر، فشِل- أيضاً- سيناريو الإخوان لهضم مصر، وامتصاصها، وإخراجها إخراجاً غير مدروسٍ، ولا مُمَنهجٍ بالمرَّةِ! نعم، سقط مبارك، ولكنْ بعد ثلاثين عاماً أَسندَ فيها الأمورَ لحكماء، وأعرفِ الناس بمصر، تاريخاً وشعباً، فأقنعَ بعض الشئ، لأنه فهم نفسية، وطبيعة شعبه، فترك لهم بعض المساحة الممكنة لحرية الحركة، فلم يُطبقْ علي خِناق البلاد مرَّةً واحدةً، بل، استمرَّ كلّما مرَّتْ السنون يزيد في قبضهِ علي حبل السلطة، والشعب لا يشعر، لأنَّ الحركة من جانبه كانت بطيئةً، ومدروسةً بعنايةٍ فائقةٍ من جهابذةِ السّاسة، الأدري، بما يؤخذ، وما يُترك! فكان حاله مع خصومه، ومناوئيه كحال معاوية بن أبي سفيان، في المكر والدَّهاء، والدَّسِّ، والحيلة، والأخذ، والتَّرْك! وفي النهاية، صار الحبل كله بيد مبارك، والشعب يُمسِكُ الهواء، ويقبِضُ علي الجَمْرِ! فثار عليه الشعب في ثورة'25 يناير2011م'! فكانت الإطاحةُ به درساً لمن يعقِل، ويعتبر! أمّا مرسي العيّاط، وجماعته.. فكان تعاطيهم مع الحكم والشعب، كحال يزيد بن أبي سفيان، الذي لم يكن جديراً بالحكم، ولا مُستحِقَّاً له، فأوغرَ صدورَ خصومه ومُعارضيه، فقد حكم بالسيف والنار، فارتكب من الجرائم ما استحق الثورات عليه، لأنه أطبق علي كلِّ شئٍ، فلم يتركْ لغيره مجالاً للحركة معه! فقد كان يأخذ فقط، فعندما أخذ كلَّ شئٍ، تركَ كلَّ شئٍ أيضاً! فمنذ أولِ يومٍ لمرسي في الحكم، وهو يجهل طبيعةَ البلد الذي يحكمه، ونفسيةَ الشعب الذي يجثم علي صدره! فقد اعتقد أنَّ رئاسته لحزب الحرية والعدالة لا تختلف- في شئٍ- عن رئاسته لمصر! فإذا كانت الجماعة والحزب يُدارانِ بالسمع والطاعة، والبيعة، وعدم الشوري، وتغليب أهل الثقة علي أهل الخبرة، والكفاءة، فكذلك ستُدارُ مصرُ، بمنطقِ وعقلية القبيلة الإخوانية! فخلال عامٍ واحدٍ، فتحَ مرسي- ومعه مكتب الإرشاد-كلَّ الجبهات عليهم، مثلما فعل هتلر في الحرب العالمية الثانية، عندما حارَب علي أكثر من جبهةٍ، فتكالبتْ عليه الدنيا، فهزمته شرَّ هزيمةٍ! فكذلك خاض مرسي حروبه المُصطَنعة مع القضاء، والإعلام، والجيش، والشرطة، والأزهر، والكنيسة، وشباب الثورة، والعُمّال، وأهل الفن، وعوام الشعب، والبلاد العربية، والإفريقية، والعالم من حوله! فقد أراد مرسي الإمساكَ بمقاليد البلاد في قبضته دَفعةً واحدةً، فأهاجَ عليه الجميع! وممّا زادَ من ورطتهِ فقدانه، وفقدان جماعته لأهل الحلِّ والعقد، من المستشارين العُقلاء، وهو ما ظهر بجلاءٍ في مؤسسة الرئاسة، التي خلتْ من الكفاءات، والعباقرة! وممّا سرَّع من وتيرة السقوط الإخواني، اعتقاد الإخوان أنَّ سياسة حكم الجماعة بالحديد والنار، والتصفيات، والعزل، والتشويه، والاغتيال، والقمع، والتواطؤ، والعمالة، والخيانة، والاحتكار، والإقصاء، والاصطفاء، والإحلال والإبدال، هي أنجح وأنجع السياسات لحكم مصر! وممّا عجَّل بخسْفِ الإخوان، وغروب شمسهم، ظنُّهم أنَّ مصرَ بعد إجراء عمليات'الأخونة' السريعة، ستُصبحُ ولايةً ضمن التنظيم الدولي للإخوان، وأنها ستفقد عافيتها، واستعصاءها علي الذَّوبان! وأنها ستكون قابلةً للتَّحلُّلِ، والتَّشكُّلِ، والتَّدوير، لخلْقِ كائنٍ بلا حَولٍ، ولا طَولٍ! ومن ثمَّ، فلم يقرأ مرسي، ولم يعرِفْ هو، ولا قبيلته أنَّ مصرَ صبَرتْ علي حكم الفاطميين، وكذلك الأزهر الشريف صبرَ علي حكمهم، ثُمَّ انتفضتْ، فقضتْ عليهم، وانتفضَ الأزهرُ، فتحوَّلَ إلي المذهب السُّنِّي! ولم يقرأ مرسي، ولم يعرِف هو، ولا عشيرته، أنَّ مصرَ تخلَّصتْ من الاحتلال الفرنسي بسرعةٍ في عام'1801م'، لأنَّ نابليونَ ظنَّ هو، ورجاله أنَّهم قد أجهزوا علي هذه البلاد، وعلي شعبها، حتي فوجئوا بثورة الشعب، والأزهر! فلقد أثبتتْ التجربة الإخوانية القصيرة جدَّا في حكم مصر، أنها جماعة راديكالية، جاهلةٌ بالتاريخ، والجغرافيا، وعلوم السياسة، والدبلوماسية! وأنها جماعة احترفتْ العملَ تحتَ الأرض، حتي وهي تحكم مصر، كانت تُدير الأمور مثلَ المافيا، والمنظمات السرية! فلم تؤمن يوماً بالدولة المصرية، ولا بتاريخها، وتضاريسها، وجغرافيتها، ولا دستورها، ولا قانونها، ولا حضارتها، ولا ثقافتها! فقد حاربتْ، وناهضتْ المنظمات الدولية، وقوانينها! فتحالفتْ مع العشائر المارقة، والعصابات الإجرامية، والجماعات الإرهابية، لتكوين دولة الجماعة، القائمة علي التخوين، والتكفير! لذلك، كان دستورهم الذي كتبوه لحكم مصر، هو دستور الجماعة! وكان إعلامهم هو إعلام الجماعة الفاقد للمهنية، والاحترافية! وكان فكرهم، هو فكر الوصاية، والمنع، والمصادرة، والقهر! ومن هنا، لفظتْ مصرُ'الإخوانَ' بين عشيَّةٍ وضُحاها! لأنَّ الإخوانَ قومٌ لا يقرأون، ولا يفكِّرون، ولا يتَّعظون، ولا يعقلون! وصدقَ قولي عنهم في قصيدتي'إخوان الهِباب': 'خُوّانُنا'.. هذا اسمُهم! مِن وضعِ'عقّادِ' العُبابْ! مُتأسلِمونَ أذاعها'حسنُ البِناءِ' لَمّا رأي قَتْلَ الصِّحابْ ما عاد في مِصْرَ العُلا إلاَّ مُسيلمةُ الكِذابْ! قَصُّوا جَناحَكِ غِيلةً! حكموا بصُندوقٍ عُجابْ! في مِصْرَ'شاطرُ' صَفِّهمْ يشري الضَّمائرَ بارتيابْ! في مِصْرَ'مُرشِدُ' زيغهمْ حَمّالُ نهضتهِ السَّرابْ! فاعتبروا يا أُولي الأبصارِ، ويا أُولي النُّهَي!