إن المعهد الديمقراطي الأميركي قدم تدريبات سياسية لأحزاب مصرية، من بينها حزب النور وحزب الحرية والعدالة وحزب العدل وحزب المصريين الأحرار. وهو ما يثير علامات الدهشة حول الازدواجية والتناقض في مواقف بعض أنصار التيار الديني الإسلامي من قضية التمويل الأجنبي. وأمام هذه الحالة من الغموض لأوضاع تلك المنظمات المالية، إن الأمر لا يتوقف عند مراقبة الجماعات السياسية والحقوقية فقط، بل يجب مراقبة الجمعيات الدينية أيضا التي تتلقي تمويلات من الخارج تضر بالبلد ويجب أن تكون مراقبة وفق القواعد الصارمة التي نتحدث عنه. أنا أدعو تلك الجماعات التي تتكلم باسم الإسلام، وتتصرف ببراغماتية أن تنحي مصالحها وأهداف أحزابها وجماعاتها جانبا، لتعلي مصلحة البلاد، حتي نخرج من هذه المرحلة التحضيرية للمرحلة الانتقالية التي ستأتي مع تولي رئيس جديد لمصر. أن أي بلد في الدنيا له قواعد وقوانين وأعراف يجب احترامها، ومنها القوانين التي تحكم العمل الأهلي، ويجب أن تعمل المنظمات في إطارها ولا تخرج علي أعرافها، وبالنسبة لمصر، فإن السؤال المثار هو: هل توجد مثل هذه القواعد الملزمة للمنظمات للعمل بها من عدمه، فهذه المشكلة الأساسية لموضوع التمويل الأجنبي! أن مكمن الخطورة في عدم وضوح تلك القواعد بما يسمح للمنظمات بالحصول علي تمويل بلا رقابة. وتأتي الخطورة لأن كل منظمة تبحث عن مصلحة الجهة الممولة لها، كما أن الجهات الممولة عادة ما تبحث في مصلحة البلد التي تنتمي إليها، بصرف النظر عن مصلحة البلد الذي توجه له تلك الأموال، رغم استخدام شعارات براقة ورنانة. ومارست أنشطة مكثفة مثيرة للاشتباه بها في ظل الكم الكبير من الأموال التي تقدمه لجهات مصرية، لا يعلم كثير من المصريين أن حركة 6 إبريل السياسية، لها أعضاء مشتركون في أكثر من جمعية أهلية متورطة أيضا في الحصول علي تبرعات من الخارج، وربما هذا ما يفسر لنا الشعور المصري العام بعدم الارتياح لأنشطة تلك الحركة. لقد أظهر تقرير لجنة تقصي الحقائق، حصول 'مركز دراسات المستقبل للاستشارات القانونية ودراسات حقوق الإنسان' الذي أسسه عدد من شباب 6 أبريل، وهم 'أحمد صلاح، وأحمد ماهر، وخالد طه وعزت بيدروس بدواني' علي دعم 262 ألف دولار تمويلا من مؤسسة فريدم هاوس، ومبادرة الشراكة الشرق أوسطية وهيئة الوقفية الأميركية. وقد نشر موقع 'ايجي ليكس' مستندات مهمة، تؤكد توقيع عقد شراكة بين أحمد ماهر إبراهيم رئيس حركة 6 ابريل، ووزارة الخارجية الاميركية. وينص عقد الشراكة علي إنشاء شركة استشارات قانونية تحت اسم 'مركز دار المستقبل الجديد للدراسات القانونية والحقوقية'، بالإضافة إلي عقد تمويل من مبادرة الشراكة الشرق أوسطية والتي تقع داخل مكتب شؤون الشرق الأدني بوزارة الخارجية الأميركية و'مركز دار المستقبل الجديد للدراسات القانونية والحقوقية' ويتضمن المستند الموقع في 29 مارس 2011 من قبل أحمد صلاح من حركة 6 ابريل دفع مبلغ 14650 دولارا الي 'مركز دار المستقبل الجديد للدراسات القانونية والحقوقية'، والذي يشاركه فيه أحمد ماهر رئيس 6 ابريل. كما نشر الموقع أيضا مستندا يتضمن منح وزارة الخارجية الأميركية، تمويلا من صندوق جائزة المساعدة الفيدرالية في أكتوبر 2010 الي نفس المركز، وقدره 53560 دولار. وإلي جانب ذلك، فإن الولاياتالمتحدة الأميركية، مولت مؤسسة أخري تدعي 'المعهد المصري الديمقراطي' بنحو 522 ألف دولار، كما أنه حصل علي 48900 دولار من الصندوق الوطني للديمقراطية. علما بأن هذا المعهد عبارة عن شركة مدنية يديرها كل من حسام الدين علي وباسم سمير والناشطة السياسية الشهيرة والمثيرة للجدل وعضو 6 إبريل إسراء عبد الفتاح نائبة رئيس مجلس إدارة المعهد.جدير بالذكر أن هذا المعهد كان أول منظمة مجتمع مدني يتم استدعاؤها من النيابة العسكرية في عام 2011 للتحقيق حول شبهة التمويل الأجنبي من جهات أميركية وأوروبية باعتراف إسراء عبد الفتاح. من بين المؤسسات البحثية التي ينظر لها كثيرون بعين الريبة مركز 'ابن خلدون' الذي يديره الدكتور سعد الدين إبراهيم أستاذ الاجتماع السياسي الشهير، الذي تعرض للسجن بسبب نشاط المركز، وذلك علي الرغم من تأكيده علي صدور أحكام قضائية نهائية برأت المركز من أية تهم. وكانت تقارير رسمية أشارت إلي 15 شركة ومركزا حقوقيا مولتها الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، ومنها: المجموعة المتحدة 'محامون – استشاريون' ويديرها نجاد البرعي، حصلت علي تمويل بنحو '907 آلاف دولار'، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان '245 ألف دولار'، ومركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف '160 ألف دولار'، والمنظمة العربية للإصلاح الجنائي التي حصلت علي تمويل بنحو 2.1 مليون دولار، بالإضافة لمركز ابن خلدون، الذي حصل علي '1.4 مليون دولار'. أنها مفيدة لأن المجتمع ينقسم إلي دولة بمؤسساتها وأفرادها.. والمجتمع المدني هو الحل الوحيد أمام الأفراد لتنسيق الجهود الجماعية من دون الخضوع لسلطة الدولة.. كلما كانت قبضة الدولة قوية، كان المجتمع المدني بها غير رشيد ولم يقتصر الجدل علي تمويل تلك الجمعيات الحقوقية أو ذات الصبغة السياسية، إنما امتد الجدل ليشمل جمعيات ومنظمات دينية كبري. ويثور الجدل حول قضية محورية، فهل يكون تقييم هذا الأداء بمقدار ما تنجح المنظمات في مساعيها مثلا من أجل إطلاق سراح سجناء الرأي أو السجناء السياسيين، أو تحسين أوضاع معنية، إلي غير ذلك مما تتبناه من أهداف. أم يكون المعيار هو مقدار ما تبذله من جهد وفق الأصول المرعية بغض النظر عن النتائج المتوخاة. بمعني هل يكون معيار النجاح هو 'الالتزام بنتيجة أم الالتزام بغاية'؟.وإزاء عدم وجود معايير متفق عليها لتقييم أداء منظمات حقوق الإنسان، يثور العديد من المناقشات في الجمعيات العمومية لمنظمات حقوق الإنسان حول تقييم أداء منظماتها، لكنها تصطبغ عادة بالخطاب الانتخابي، وتظهر هذه المشكلة أيضا في الحملات الموجهة للرأي العام بقصد دعم أو نقد هذه المنظمات. كما تظهر في علاقة منظمات التمويل الدولية بالمنظمات التي تساعدها في إطار تقييم جدوي برامج المساعدات التي تقدمها هذه المنظمات. وتعكف هذه الأخيرة علي وضع معايير لقياس الأثر، لكن لم يتم حتي الآن التوصل إلي معايير محددة. والواقع أنه لا يمكن الاعتداد بمبدأ الالتزام 'بالنتيجة' في تقييم أداء منظمات حقوق الإنسان، فحقيقة الأمر أنه يؤدي إلي نتيجة خادعة أحيانا، حيث يضفي قدرًا من 'إرضاء النفس' بتحقيق نتائج فبينما قد تفخر منظمة بالمساهمة في إطلاق سراح بعض المحتجزين تعسفيا يظل غيرهم قابعا في السجون، وينضم إليهم زملاء جدد.ومن ناحية أخري فإن نوعية الإجراءات المتبعة، وهي ذات طابع إصلاحي ولا تهدف إلي تغيير 'راديكالي' لا تظهر آثارها في المدي القصير، ولا بشكل قطعي، ولكنها تتم عبر تراكم طويل المدي يؤدي إلي تغيير نوعي في النهاية. إن الإشكاليات المطروحة علي منظمات المجتمع المدني 'والحقوقية منها' هي تحديات مجتمع بأكمله، بكل ما يقتضيه ذلك من الارتقاء بأداء الدولة الي مستوي التحولات المطلوبة، وما يستلزمه من إدارة سياسية للنهوض بحقوق وحريات المواطن وضمان كرامته وحمايته من التجاوزات والانتهاكات ضمن مشروع مجتمعي تتداخل فيه المكونات والضمانات الدستورية والتشريعية والمؤسساتية والثقافية. وهذا يجعل منظمات المجتمع المدني مدعوة للمشاركة في وضع لبنات مشروع الإصلاح والديمقراطية، كما أنها مطالبة بالتقييم المستمر لأدائها ومتطلبات بلورة شعاراتها ومبادئها ضمن بنياتها. وهذا يستدعي بلورة الرؤي والخطط الملائمة لتقوية الأداء وتعزيز مكانة العمل في معركة البناء الديمقراطي المنشود.