أسماء الشوارع والمنشآت تحكي قصة ربما لا يلتفت لها الكثيرون، ستجد شوارع بيروت والقدس الشريف ودمشق وسوريا والخرطوم والسودان وميدان لبنان وشارع فيصل ونفق العروبة ومدينة الشيخ زايد، أينما ذهبت في أرجاء أم الدنيا ستجد أحياء ومدارس ومستشفيات تحفظ أسماء المدن والعواصم العربية، شهادة وبرهان علي أن قلب الشقيقة الكبري يتسع ليحتضن كل الأشقاء، تجري أسماؤهم علي ألسنة المصريين ليلاً ونهارًا في تأكيد علي أن المصري ليس إلا جزءًا من كل، وأن وطنه ماهو إلا امتداد لوطن عربي كبير، قد تنشغل كل دولة بنفسها أحيانا لكنه لا يطيق مصابا للشقيقة الكبري ذات الأيادي البيضاء والتاريخ الناصع في المحبة والعطاء، المحن الكبيرة تظهر المعادن وتجلو الذاكرة الطيبة للأخوة، والمحن المشتركة تجعل الترابط أقوي، وهو ما حدث لمصر قلب العروبة ونبضها، عندما كانت في قلب المحنة، هي المحنة نفسها التي تحاول النيل من الشقيقات وتلوح نذر عواصفها علي الجميع، وبينما مصر تنتفض ظن الغرب أن تركيعها واجب وأن حصارها ضرورة وأن معوناته الملعونة قد تمثل طوقا في رقبة أمة، هي بطبيعتها أبية، فحول شعرائها بنوا أمجادهم بشعر الفخر وانتصارات المعارك وهجاء من يبغضهم أو يسيء إليهم أو إلي ملوكهم وأوطانهم، ومازالت آخر معاركهم حرب السادس من أكتوبر المجيدة شاهدة علي قدرات يدرسها الأعداء لطلبتهم قبل الأصدقاء، هو الوطن الكبير حين يلتئم شمله، وهو المصري الذي لا يبخس الناس حقهم حين يمدون له يدا في محنة، ليس عن شعور بالضآلة فكم قدمت يداه لإخوته ولكن عن شعور صادق مثلته أمثالنا الشعبية الجميلة 'المعروف مالوش إلا الأحسن منه' و'تراعيني قيراط أراعيك قيراطين' ومن حبنا حبناه وصار متاعنا متاعه ومن كرهناه يحرم علينا اجتماعه' هي عقيدة وفي صلب التكوين، أن يأسر قلوبنا إغداق المحبة، بعد عام عانينا فيه جفاف الكره، وحوصرنا فيه بالطامعين في مصر، وهددنا في الحدود والرزق وابتلينا بمن يبذر بذور الفتنة ويشق الصف، حتي خرجنا بالملايين نسقط نظام الأهل والعشيرة ونعيد للميزان اتزانه وللعروبة كلها موقعها طاردين من قلوبنا من خان ومن تآمر.. *** تاريخ مجيد يبقي النموذج الأكثر وضوحا علي قيمة الدور العربي في تاريخ مصر الحديث هو حرب السادس من أكتوبر المجيدة، التي حفظ فيها التاريخ أدوارا عظيمة لدول شقيقة كالإمارات العربية المتحدة بفارسها النبيل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله-، صاحب الجملة الشهيرة ' ليس المال أغلي من الدم العربي وليس النفط أغلي من الدماء العربية'والذي لم يبخل علي مصر بكل ما تملك خزائن الإمارات وبتسخير كل الإمكانات وكل وسائل الدعم بما في ذلك شراء غرف جراحة متنقلة من كل أوربا وإرسالها لمصر، بينما كان الموقف المشترك بين الشيخ زايد آل نهيان وعاهل المملكة العربية السعودية الملك فيصل بن عبد العزيز بقطع البترول عن الدول الغربية المساندة لإسرائيل هو الموقف الذي يذكره التاريخ مسجلا أجل المواقف للرجلين العظيمين، حيث شلت مصانعهم التي لم تكن تعمل لأكثر من ساعتين في اليوم وتوقفت الطوابير الطويلة أمام محطات الوقود، وهو موقف تكرره المملكة ودولة الإمارات الآن وتشاركهما الكويت والبحرين والأردن كما أعلن العراق عن دعمه وتأييده لمصر، وهي دول تربطها بمصر روابط الأخوة والعروبة ومواقف الدعم الكبيرة والنصرة، فقد شاركت البحرين في قطع البترول عن الغرب في حرب أكتوبر كما دعمت مصر بالمال وأرسلت الكويت بكتيبة مشاة في حرب أكتوبر وشاركت الطائرات العراقية بواجبات في الضربة الأولي في 6 أكتوبر، ويذكر الفريق سعد الدين الشاذلي أن القوات البرية المصرية كانت ترفع طلباتها بالقول 'نريد السرب العراقي' أو 'نريد سرب الهوكر الهنتر' وهو ما اعتبره الشاذلي شهادة لكفاءة السرب العراقي وحسن أدائه كما شاركت العراق والأردن علي الجبهة السورية، وإذا كان وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الخالد قد أكد لدي افتتاحه مبني سفارة الكويت في جمهورية مصر العربية العام الماضي أن الكويت تري في مصر الشقيقة والسند الاستراتيجي الذي يساند أشقاءه في كل الظروف مؤكدا أن مصر في عام 1961 كانت من أوائل المبادرين في التحرك لضمان استقلال الكويت وانضمامها لجامعة الدول العربية مشيرا إلي أن الكويت تستذكر دائما مواقف مصر الحازمة تجاه التهديدات التي أعقبت الاستقلال، فإن تلك التصريحات قد أصابت كبد الحقيقة وهو ما يؤكده الدكتور عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان حول العلاقة التكاملية التي بدأتها مصر منذ عقود وتكملها الدول الشقيقة الآن، فيؤكد أن مصر تزعمت الدول العربية منذ إنشاء الجامعة العربية سنة 1945 حيث لم يكن هناك فقط إلا 7 دول مستقلة هي مصر والسعودية واليمن والأردن وسوريا ولبنان والعراق، وكانت باقي الدول العربية بدءًا من ليبيا والجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا ودول الخليج من الكويت حتي عمان خاضعة إما للاحتلال البريطاني او الفرنسي، حيث لعبت مصر دورا كبيرا في حصول تلك الدول علي استقلالها وتأكد الدور المصري بالنسبة للعرب بعد ثورة 1952 عندما حدد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الدائرة العربية في مقدمة علاقاته وسياساته الخارجية، وحدد أولوياته في الحصول علي استقلال البلاد الباقية تحت نفوذ المستعمر، ثم بدأ يحيي العروبة من مرقدها وبدأ الحديث عن الوحدة العربية التي تأكدت بالوحدة بين مصر وسوريا وعندها بدأ الغرب في محاربة سياسات مصر في الوحدة والتحرر من الاستعمار، فوقفت بعض الدول العربية مع الغرب ضد مصر. وأكد الدسوقي أن مصر كانت من منطلق دورها كشقيقة كبري ترسل المدرسين إلي السعودية وتدفع للمدرس المصري 3 أمثال راتبه من خزانتها فضلا عن إرسال الأدوات الكتابية ليس فقط للسعودية وانما لدول الخليج، وهو ما يذكره بعض الشيوخ الكبار بالفضل لمصر، التي كانت تخرج كسوة الكعبة منها وفتحت جامعتها وقلبها للعالم العربي مؤكدًا أن مصر كانت تعامل الطالب العربي في ذلك الوقت معاملة الطالب المصري في سداد الرسوم الدراسية. مؤكدا ان الموقف العربي المشرف في حرب أكتوبر كان امتدادا لتلك الروح التي جعلت من مصر في خط المواجهة مع العدو الصهيوني فتكاتفت لصالحه أيادي الأشقاء. ***ضد الإرهاب في الحرب التي تخوضها مصر ضد الإرهاب، جاءت كلمة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة فاصلة في مداخلة هاتفية لأحد البرامج 'هناك العديد من الدموع وغصة لما يمر به الشعب المصري، فنحن مع مصر ولن نتأخر فلا أحد يعلم مكانة مصر لدينا، هذا ليس هدية ولا منة، فالعرب كانوا سيزالون من الوجود لولا وقفة الشباب المصري في 30 يونية، فدولة الإمارات مع مصر قيادة وشعبا فمصر كانت كريمة معنا وعلينا الترحم علي هؤلاء الشهداء، نحن نتنظر اليوم الذي ستنتصر به مصر'، إنه الإرهاب الذي تبنت تثبيت دعائمه وإطلاقه عبر مصر جماعة الإخوان، والذي يصفه الكاتب الكبير يوسف القعيد في تصريحاته ل'الأسبوع' بأنه العدو الأشرس لأنه عدو غير مرئي يضرب هنا وهناك بينما كنا في حرب 73 نحارب ضد عدو معروف في مكان محدد، ويؤكد القعيد كلام حاكم الشارقة، بأن مصر والعرب يحاربان الآن عدوا مشتركا وان العرب الذين قدموا المال لدعم مصر في تلك المرحلة الحرجة عليهم أن يقدموا ما هو أهم من المال في مواجهة التحديات الصعبة التي تواجهها مصر أمام مجتمع دولي منحاز مطالبا بتكرار الموقف العظيم للملك فيصل في حرب أكتوبر مضيفًا ان تلك المشاعر الفياضة التي تجلت في تصريحات تؤكد موقفًا واضحًا ومنحًا مالية قد يدعمها التلويح بالسلاح نفسه الآن، لأن استخدام جميع وسائل الضغط أمر مهم في ظل الموقف الدولي الراهن. ومطالبا مصر بالشفافية الكاملة تجاه ما يتم التبرع به من تلك الدول خاصة أن مصير ملايين دخلت مصر من تركيا وقطر وامريكا في عهد الإخوان مازال مجهولا حتي الآن خاصة مع تأكيدات الدكتور حازم الببلاوي رئيس الوزراء بأن العرب سيدعمون مصر برقم يزيد علي 12 مليار دولار لكن لن يعلن عنه الآن. وإذا كان المصريون لم يتصوروا أن تصف الدول الكبري الموجة الثانية في 30 يونيو 2013 بالانقلاب العسكري، علي الرغم من انها الموجة الأشد عنفا من ثورة يناير، حيث خرج الملايين يطلبون منذ اللحظة الأولي رحيل الدكتور محمد مرسي وجماعته، وأن يتجاهل المجتمع الدولي إرادتهم ويدعم الفاشية الإخوانية، وان يساهم في التسويف والمماطلة ليتمدد اعتصاما النهضة ورابعة ويشكلان خطرا جسيما علي أمن مصر القومي، في لعبة دولية مكشوفة بعد أن أفشل 30 يونية وانحياز الجيش للشعب مخططات الغرب وتآمرهم المكشوف مع الإخوان، إذا كان كل ذلك قد حدث بما يمكن القول إنه حدث بسرعة فائقة من تلك الدول تجلت في عقد جلسة مجلس الأمن الطارئة لبحث الوضع في مصر وموقف الاتحاد الأوربي المنحاز كما تجلي علي صعيد آخر في التسامح الدولي غير المبرر مع جرائم الإخوان من هدم للكنائس وتفجيرات ومذابح مروعة، وهو ما يبرز أهمية الدور العربي في المرحلة الراهنة ليس علي صعيد الدعم المادي فقط 'علي اهميته' وإنما علي صعيد التأثير في القرار الدولي، فقد جاء الموقف العربي الداعم لموقف مصر كأخ يشد عضد أخيه في اللحظات الأولي من انكشاف المخطط الغربي وبعض دول المنطقة، لتدخل المعادلة دولٌ ذات ثقل، تزيد الموقف الأمريكي المتلاعب ارتباكا، وتجعل من التلويح بقطع المعونة الأمريكية فعلا بلا قيمة، وتزيد من عزلة تركيا وخروجها بعيدا عن الصف الإسلامي بكل أطماعها التي جعلتها تنوح لسقوط حلفائها الإخوان وتحشد القوي الغربية ضد مصر، لا فرق في ذلك بينها وبين قطر التي تبث الأكاذيب وتنتهك كل الأعراف والقيم عبر قناتها 'الجزيرة'.