الأزمة الحادة بين تركيا وإسرائيل في أعقاب الهجوم الإسرائيلي علي سفن الإغاثة لن تهدد، فقط ، العلاقات الثنائية بين البلدين وإنما بدأت تؤثر، بالفعل، علي العلاقات التي كانت وثيقة جداً بين تركيا وبين الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي. كلام كثير قيل عن »التدهور الصامت« في علاقات النظام الحاكم في تركيا بالدول الغربية نتيجة الصعوبات والعقبات التي تؤجّل أو تؤخّر إنضمام تركيا للاتحاد الأوروبي رغم كل ما فعلته، وأكدته، أنقرة لإثبات الولاء للغربيين والانتماء للقارة والقيم الأوروبية! التأجيل العمدي من جانب: بروكسل لمنح الأتراك الهوية الأوروبية الموحدة، أصابهم بصدمة تتضاعف تداعياتها مع مرور الأيام. فالأتراك يعتقدون أن الحكومات والشعوب الأوروبية ترفض مشاركتهم في حمل جنسية واحدة، بدليل أن الحكومة التركية نفذت بعض لا كل التعديلات الدستورية والقانونية والسياسية والاجتماعية التي طالب الأوروبيون بها توطئة لقبول تركيا عضواً كامل الحقوق والواجبات في الاتحاد الأوروبي، ورغم هذه الاستجابات العديدة فما زال قرار الضم : »محلك سر« حتي اليوم! ويتحسر الأتراك علي 60عاماً ماضية أثبتت بلادهم طوالها أنها كانت وماتزال الحليف الدائم، والمهم، للغرب والغربيين: إقتصادياً، وسياسياً، وعسكرياً. فتركيا شاركت معنوياً، وقتالياً في حروب الغرب ضد خصومهم. والأهم أنها كانت الأولي في الشرق الأوسط دعماً، ومساندة، لإسرائيل لا لشيء إلاّ لإرضاء الولاياتالمتحدة وللدول الأوروبية الكبري: بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا. طوال عقود من الزمن .. لم تهتم تركيا بالتأثير السلبي لتحالفها مع إسرائيل علي علاقاتها مع الدول العربية، فتوطيد صلاتها مع أمريكا وأوروبا هو الأفضل، والأسلم، والأجدي، لها من ضياع حفنة صفقات تجارية مع العرب وغيرهم. ولأن »آخر خدمة الغز علقة« كما يقولون صدم الأتراك صدمة عمرهم مع استمرار شك الأوروبيين في سلامة وصلاحية ضم تركيا إلي الاتحاد الأوروبي. ومع ابتعاد أنقرة شيئاً فشيئاً عن »العلمانية«، وقيام حكومة تتظاهر بالالتزام بفصل الدين عن الدولة، طبقاً للدستور، رغم أنها تثبت يوماً بعد يوم أنها في طريقها إلي إلغاء هذا الفصل من خلال تعديلات دستورية يمهد أنصار الحكومة لدي العامة لقبولها.. و »كله بالدستور«.. طبعاً وهو ما أدي إلي تصاعد صيحات رافضي انضمام تركيا إلي أوروبا. هناك من يعتبر أن مكان الأتراك في القارة الآسيوية: جغرافياً، وتاريخياً، وحضارياً، وثقافياً.. وجميعها يختلف جذرياً عن الحضارة والقيم الغربية الأوروبية. هناك من يصعّد انتقاداته للنظام الحاكم التركي بحجة سعيه إلي أسلمة البلاد، والتراجع البطيء والمنهجي لإلغاء التوجه العلماني الغربي الذي أسسه »مصطفي كمال أتاتورك« في أعقاب الحرب العالمية الأخيرة. وهذا التراجع لم يبدأ مع »أردوجان« و»جول« وحزبهما الحاكم، وإنما بدأ منذ عام 1989 بعد انهيار الشيوعية ونهاية الحرب الباردة.. وأتاح الفرصة أمام التيار السلفي التركي للتسلل داخل بلاد القوقاز، وأزربيجان، وغيرها من الجمهوريات الإسلامية التي كانت داخل حدود ما كان يعرف ب : الاتحاد السوفيتي. وهناك أيضاً من يضيف قائلاً إن التقارب التركي مع سوريا، ثم مع إيران، بدأ مستتراً ثم أصبح علنياً، صريحاً في عام2002 بوصول الحزب الإسلامي بقيادة »الطيب أردوجان« و »عبدالله جول« إلي الحكم، حيث تولي الأول رئاسة الحكومة في حين تولي الثاني رئاسة الدولة. وسارع »أردوجان« بإجراء مباحثات صعبة مع الأوروبيين من أجل التعجيل بقبول تركيا عضواً كامل الحقوق والواجبات في الاتحاد الأوروبي ، بتأييد ودعم من الولاياتالمتحدة علي أمل الإبقاء علي استمرار إلتزام تركيا بواجباتها كعضو فعال في حلف الأطلنطي: ثاني أقوي جيش في العالم بعد أمريكا. نسبة كبيرة من الأوروبيين رفضوا الإسراع في انضمام الأتراك إلي اتحادهم، وطالبوا »أردوجان« بتقديم إصلاحات محددة خاصة بحقوق الإنسان، والالتزام بالعلمانية وإلغاء عقوبة الإعدام، وحظر التنكيل بالمواطنين الأكراد، والاعتراف بجرائم الإبادة التي ارتكبوها ضد مئات الآلاف من المسيحيين الأرمن، و.. و.. إلي آخر قائمة الشروط والطلبات التي يتوقعها الأوروبيون من الأتراك للنظر في طلب قبول عضويتهم في الوحدة الأوروبية. لم يرفض »الطيب أردوجان« الشروط، والمواصفات، المطلوبة.. و وعد بقبولها والالتزام بها.. إن لم يكن غداً فربما بعد غد! .. وللحديث بقية.