تتفاقم أزماتنا المجتمعية وأزمات فجوة الإدارة بشكل غير مسبوق، لأسباب عديدة منها عدم قدرتنا إلي اليوم علي تحطيم بنية الاستبداد الراسخة في مؤسساتنا العتيقة وأساليب إدارتها علي اختلافاتها سواء كانت هذه المؤسسات اجتماعية، جامعية، إدارية، قانونية أو سياسية أو دينية حينما تبتعد عن صحيح الدين وطبيعته السمحة وكنوزه التي ينبغي أن ترشدنا إلي التواضع والتوبة والاعتراف بالأخطاء وعدم التمادي فيها ومراعاة الآخرين والتسامح معهم والحفاظ علي المصالح العليا للمجتمع وللوطن وإلي ما ذلك من مفاهيم تبني ولا تهدم.. تحمي وتصون ولا تبدد.. ولكن ومع الأسف تتكاثر أزماتنا وتترك دون إدارة أو يستخدم أسلوب »النعامة« التي تضع رأسها في الرمال ظنا منها ان الخطر سيزول وكذلك أي أزمات بمجرد عدم التعامل معها، وهذا هو عين الكارثة.. في هذا المقال سأحاول التركيز علي جذر من جذور أزمات عديدة ولكنها تجلت بشكل مخيف في تصاعد أزمة القضاة والمحامين وفي أزمات جامعية بين أساتذة وعمداء وبين أساتذة وأساتذة وبين صحفيين ووزراء ذهبوا للمحاكم وبين رجال دين وقطاعات من المجتمع وبين معلقين رياضيين ومشاجرات علي الفضائيات إلي ملفات كثيرة متشابهة من حيث كونها نتيجة البنية الاستبدادية في لوائح وقوانين وسلوك لغوي واجتماعي يعكس هذه البنية الاستبدادية التي عمقها تعليم وإعلام زاخر بهذه النوعية من التفاعلات اليومية.. ولعل من المهم أن نركز في هذا المقال علي ملمح واحد من ملامح لغة التسلط المبتعدة عن أي تفاوض ايجابي ولكن لكي نبتعد عن كآبة الأمثلة التي يعج بها واقعنا إلي الحد الذي دفع بعض الأطباء إلي ان يطلبوا من مرضاهم الابتعاد عن الوجبات الضارة والراحة والابتعاد تماما عن الأخبار الاجتماعية والسياسي في وسائل الإعلام حتي يتم الشفاء نحتاج إلي تناول هذا الملمح التسلطي المتسبب في كثير من أزماتنا بأسلوب مرح وساخر وتهكمي لنعود من خلاله لروح الدعابة الذكية التي من المفترض أن تكون من أهم ملامح الحوار بين المصريين.. من هنا أسمي هذا الملمح التسلطي مبدأ »نعمين ياسي نظمي«.. وهذا التعبير كان قد ورد في اسكتش قديم للثلاثي المعروف »جورج وسمير والضيف أحمد« وكان من كلمات الكاتب المبدع حسين السيد ومن الممكن للمتلقي تفسير التعبير المرح بأن له دلالة الفردية والتحفز والرد الفوري الذي يبرز الاستعداد الفوري للتحدي وقبوله وشخصنة الأمور.. ان »مبدأ نعمين ياسي نظمي«.. اذن من الممكن توظيفه من باب اضفاء روح الدعابة اللازمة لإدارة مشاهد عبثية وكئيبة لفهم حقيقة وطبيعة الشخصنة والقابلية لها.. وهو الأمر الذي عمقته ظاهرة تضخم الذات في واقعنا.. عموقا والذات المهنية في واقعنا الثقافي إلي حد يجب مجابهته والتصدي له والحد منه.. ويصاحب »مبدأ نعمين ياسي نظمي« مقولات أصبحت ذات تردد عال جدا في تفاعلاتنا الاجتماعية مثل »أنت مش عارف أنت بتكلم مين!« »أنت مين أنت في بر مصر«.. »ربنا علي المفتري«، »ان مكنتش امسخر به الأرض ما ابقاش أنا« و»حياة الغالية لأخليه يمشي يلف وراء نفسه« »أنا حخليه يقول الحنة الفتل بكام الرطل«، إلي عشرات المفردات المماثلة، اضف إلي ذلك الأهمية الكبري لألقاب التخاطب في المجتمع.. فمثلا حين يسأل أحدهم عن أستاذ جامعي ما اسمك يقول »أنا اسمي دكتور فلان« وكأن لفظ دكتور هو اسمه الأول.. نعود لأزمة القضاة والمحامين المستفحلة لنذكر تردد مفردات صراعية غير مسبوقة اختلط فيها الخطاب السياسي »بالقانوني« كأن نسمع في المظاهرات »بالروح بالدم نفديك يامحاماة« و»نكون أو لا نكون« ومصطلحات سمعناها في الخطاب السياسي البائد علي غرار »نحن الآن في مفترق الطرق« و»نحن اليوم في منعطف خطير« إلي آخره.. ان جذور هذه الأزمة كجذور كثير من الأزمات الأخري في واقعنا الثقافي وهنا أحيل القاريء للفصل السادس والعشرين من كتاب مقدمة في علم التفاوض الاجتماعي والسياسي بعنوان »أنا أولا.. ثم بعد ذلك أنا أيضا!!.. اطلالة علي الذات المتضخمة في الحوار«.. لمزيد من التفاصيل بخصوص أكثر ملامح البنية التسلطية تدخلا في أزماتنا علي تنوعها علي أمل أن نعالج جذرا من جذورها والله ولي التوفيق.