ورد بالدستور المصري ان الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع معني ذلك الا يخالف قانون يصدر من مجلس الشعب احكام الشريعة الاسلامية، وعند غياب النص في التشريعات الوضعية، فما عليه الا الرجوع إلي الاصل العام وهو الشريعة الاسلامية ليحكم الحالة المعروضة علي القضاء. وقد سكت القانون الجنائي المصري وكذلك قانون الاجراءات الجنائية علي اي تنظيم للدية، ولم تسمع مصر عن هذا النظام، اللهم الا في »القضاء العرفي« النظام القبلي في سيناء وغيرها في صحرائنا المترامية. وعلي ذلك وجب علي القاضي ان يعود إلي معرفة مباديء الشريعة الاسلامية لمعرفة ماهية هذا النظام، الذي لوطبق لقضي علي كثير من انهار الدم التي تسال بسبب القتل العمد أو الخطأ. والدية في الشريعة هي القصاص، وهي وجوبية في القتل الخطأ، اما القتل العمد فاشترطت الشريعة الاسلامية ان يرضي ولي الامر او المجني عليه بالدية بدل القصاص. ومقدار الدية في الاسلام هو مائة من الابل أو ألف مثقال من الذهب أو إثنا عشر الف درهم فضة. وهي تختلف باختلاف الزمان والمكان. ويتساوي في الحصول علي الدية كل نفس انسانية بالتساوي لا فرق في ذلك بين مسلم وغير مسلم، ولابين متعلم أو جاهل، ولا بين غني أو فقير، ولا بين امرأة أو رجل، لأن الجميع أمام الله سواء، ولأن الجميع في حق الحياة سواء. فالنفس الانسانية واحدة، ولا اختلاف بينهم في مقدار التعويض عنها. وقد جعل الإسلام لولي الدم الحق في رفع الدعوي وإسقاطها والعفو. لقوله تعالي »ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لولية سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان منصورا«. إن ما سطرناه سابقا ليس دفاعا عن أحد. وإنما هي قضية تفجرت لأول مرة امام الشعب المصري مما يستتبع ضرورة تنظيمها لما تعود به علي المجتمع من فائدة. فأي مجتمع لايسعده ان يري الكثير من ابناء شعبه مقطوعي اليد أو الرجل أو مفقوئي العين. أو أن تمتليء السجون بالمجرمين ويصرف عليهم من الضرائب التي يدفعها الابرياء. ان الاسلام لا يعرف ضياع دم جري علي ارضه. فإذا كان القاتل بلا مال، فعاقلته »أهله« من الذكور تتحمل هذه الدية، وتدفعها إلي أهل القتيل. فإذا لم يعرف القاتل فإن القرية، أو الحي، أو المدينة مسئولة عن دفع الدية لأهل القتيل. فإن عجزت العائلة، أو أهل الحي، أو أهل المدينة عن دفعها، وجبت الدية علي بيت المال وهو الآن »وزارة المالية« لأن الدماء في الاسلام لاتضيع هدرا. إن الفوائد التي تجنيها المجتمعات من هذا النظام توجب علينا ان ننظمها، وأن يخصص لها باب في قانون العقوبات. وانا لمنتظرون من مجلس الشعب الذي يرأسه أحد كبار فقهاء القانون الجنائي ان يبحث هذا الامر الجديد. كاتب المقال : محام