عبر التحكم الكامل بالچينوم الخاص بأحد أنواع البكتيريا، استطاع فريق علمي أمريكي »تخليق« خلية حية صناعية، يمكن وصفها بأنها »بلا تاريخ« لانها ابنة شرعية للكمبيوتر، إلا ان جدها الأعلي -في النهاية- يظل منتميا لاشكال الحياة البيولوچية! ليست فزورة، إذ أن الفريق العلمي لم »يُخلق« خليته من العدم، لكنه في الحقيقة صنع چينوم لاحد أنواع البكتيريا، ثم زرعه في خلية اخري بعد تجريدها من چيناتها الخاصة، وما لبثت الخلية بالعمل كأي بكتيريا طبيعية من النوع نفسه. بناء المنظومة الچينية الجديدة علي هذا النحو، يميزها عن سائر الخلايا الأخري بانها لا تملك تاريخا طبيعيا، لكنها قابلة للتكاثر الذاتي في المعمل، مما يعد اختراقا علميا يفتح أبوابا واسعة بلا حصر امام استخدامات مستقبلية، من شأنها صناعة ملامح مختلفة تماما لعالم الغد. من الطب إلي الطاقة، مرورا بالبيئة، ثمة استخدامات مرتقبة اكثر من ان تحصي، لكن ربما تكمن الاشكالية الاساسية في رهانات المستقبل بشأن أول خلية حية صناعية -أو بدقة »مُخلقة«- تتمثل في الزمن الذي علي البشرية ان تنتظره لتفعيل هذه الاكتشافات، عبر التوصل إلي تقنيات تجعل الاحلام حقائق ملموسة علي أرض الواقع. غير ان أكثر المجالات التي تثير التحفظات تتعلق بالاستخدامات العسكرية للاكتشاف الجديد، والخوف من استثماره في صناعة اجيال اشد فتكا من الأسلحة البيولوچية. لكن علي الجانب الآخر، ثمة توقعات بانتاج أنواع جديدة من الوقود الحيوي القادرة علي إحداث انقلاب في معادلة الطاقة التي مازالت تعتمد علي مصادر الطاقة التقليدية، والوجه الآخر يرتبط بانقاذ المناخ من التردي المستمر، ليس فقط من خلال انتاج الوقود النظيف، ولكن بتخليق خلايا تستطيع امتصاص الغازات الضارة من الجو، ثم استخدامها في انتاج الوقود! من شأن التوسع في انتاج هذا النوع من الخلايا، ابتكار لقاحات من أنواع حية جديدة من الميكروبات المفيدة، القادرة علي توجيه ضربات قاضية لڤيروسات مازالت تتلاعب بأرواح البشر، وتنزل الهزيمة تلو أخري بما توصل إليه العلماء حتي الآن من ألوان الدواء المتطور! الفتح الجديد يفرض العديد من الاسئلة، إلي جانب ما يقدمه من اجابات ووعود وآمال. فمثلا هل يدخل اختراع أول خلية »مُخلقة« في تنافس مع تقنيات الهندسة الوراثية، التي نجحت في ادخال تعديلات مؤثرة علي العديد من الچينات أم تتكامل جهودهما؟ وبالمثل يمكن التساؤل حول مدي استفادة ابحاث الخلايا الجذعية، وتطبيقاتها في المجالات الطبية من هذه الخطوة الرائدة في ابحاث انتاج الخلية الحية الصناعية؟ ثم هل تواجه هذه الخطوة ذات العقبات التي تعرضت لها تجارب الخلايا الجذعية بدعاوي أخلاقية؟ إلا انه وبرغم كل ما يمكن توقعه من اسئلة حرجة، أو محاولة فرض قيود بدوافع دينية، أو حتي تشكيك بعض العلماء لتحفظات منهجية، برغم كل ذلك وأكثر، يظل »تخليق« أول خلية حية صناعية انجازا خطيرا، تترتب عليه العديد من النتائج والاختراقات في استخدامات مستقبلية، ربما بلا حدود!