ليس مصادفة أن تتردد هذه الأيام أغنية »حليم« الشهيرة »اللي شبكنا يخلصنا« .. علي ألسنة غالبية أبناء مصر المحروسة »أم الدنيا«. ليست المناسبة هي حلول ذكري رحيل العندليب الاسمر ولكن لتطابقها مع حالهم الآن وهم يواجهون محاولات طمس هوية وطنهم الحضارية الإسلامية الوسطية.. باعتباره منارة للاسلام الحق والمتنور واصحاب الديانات السماوية من أهل الكتاب، بالإضافة إلي كل الأعراق التي عرفها التاريخ. من المؤكد أن هذه الغالبية التي وقفت وراء ثورة 52 يناير التي أشعلها شباب مصر المتحضر قد صُدمت في شكل الديمقراطية الخادعة والتفصيل التي تم رسمها ببراعة التآمر والتواطؤ والتضليل. لا جدال أنها اكتشفت كذب ما زعموه للإيقاع بهم في براثن التجارة بالدين وخداع العقول.. كان سلاحهم اطلاق الشعارات المزيفة علي غير أساس. كل هذه المزاعم التي تم الترويج لها والتي استهدفت مقدرات الامة المصرية ذهبت كلها أدراج الرياح وتبخرت أمام ما نشهده الآن من غضب شعبي. نعم كانت صدمة الشعب مدوية وفي غاية العنف عندما ظهرت الحقيقة علي أرض الواقع وتبين للجميع أن القفز علي السلطة كان الهدف الوحيد لعملية اللعب علي أوتار ارتباط المصريين بإسلامهم وأن لا مجال للحرية أو الديمقراطية التي تمنوها وتطلعوا إلي تحقيقها عندما قاموا بثورتهم. كانت المفاجأة التي أذهلت جماهير الشعب ومازالت تذهلها هي هذه الهوه الشاسعة بين ديمقراطيتهم وحريتهم وبين تلك التي تريدها لهم جماعة الإخوان التي ركبت الثورة واستعانت »بصديق« لإقصاء كل القوي الوطنية الأخري. تمثلت هذه الديمقراطية في السيناريو الملاكي الذي ليس إلا استنساخاً لديمقراطية الحزب الوطني الذي رزحت مصر تحت سلطته وهيمنته لثلاثين عاماً باعتباره الاختيار السياسي الأوحد. وإذا كانت الظروف الصعبة التي تجسدت في تصاعد المشاكل الاقتصادية والاجتماعية بعد هزيمة 7691 وحالة الإحباط التي سادت والتي تلاها بعد ذلك التعايش مع الأمل والتفاؤل عقب انتصار 3791.. قد شغلت الشعب عن الحرية والديمقراطية.. إلا أن ذلك لم يكن يعني التخلي عن هذا الحق. وفي انتخابات 2010 تواصلت عمليات التدليس والتزوير لارادة الشعب التي استهدفت إسدال الستار علي إتمام مرحلة التمهيد والإعداد لتوريث مصر لجمال مبارك خليفة لوالده الرئيس السابق حسني مبارك. وجاءت اللحظة الحاسمة بعد أن فاض الكيل لينتفض الشعب ثائراً مردداً عبارة الزعيم الشعبي العظيم أحمد عرابي »لقد خلقنا الله أحراراً ولن نورث بعد اليوم«. هذه الحقيقة الدامغة التي تقول ان الشعب لا يموت.. تناساها أباطرة الحزب الوطني والسائرون علي هديهم الآن من جماعة الإخوان الذين لا يدركون ان هذه الخطوات غير البريئة لن تنفعهم ولن تحقق هدفهم في السيطرة والهيمنة علي مقدرات مصر. إن أحداً ما كان يرفض أن يستعيد أبناء هذه الجماعة الحرية التي يستحقونها ولا الدور الذي يمكن أن يقوموا به في خدمة الوطن.. ولكن ما كان أحد يتوقع أن يتم فتح الطريق أمامهم للسير علي نفس أخطاء الحزب الوطني. لقد كان أول مسمار في نعش الحزب الوطني جنوحه الي اقصاء كل القوي الوطنية الأخري ومنهم المنتمين لجماعة الإخوان الذين تم اتهامهم سواء علي حق أو غير حق بالتآمر علي أمن الوطن واستقراره. الآن يتكرر المشهد علي يد من كانوا يشكون بالامس من الابعاد والاقصاء. نعم.. إن من حق الشعب أن يستعيد ثورته وروح التحدي التي أسقطت النظام السابق وأن يطالب من أتاحوا للحزب الوطني الجديد المتمثل في حزب الإخوان المسلمين.. محاولة إعادة عجلة التاريخ إلي الوراء.. إن الشعب يقول بأعلي الصوت لمن ورطوا الوطن في هذه الأزمة »اللي شبكنا يخلصنا« ولعل وعسي!!