التعليم العالي: 35 ألف طالب يسجلون في تنسيق المرحلة الأولى للقبول بالجامعات    حماة الوطن يدعو أبناء مصر بالخارج بالمشاركة الإيجابية في انتخابات مجلس الشيوخ 2025    رئيس جامعة سوهاج يشهد حفل تخرج 643 طالبا وطالبة بكلية التربية النوعية    وظائف خالية اليوم.. فرص عمل ب 300 دينارًا بالأردن    وزير المالية: نعمل مع الشركاء الدوليين على تحقيق أهداف التنمية الشاملة    ارتفاع معظم مؤشرات البورصة بمنتصف تعاملات اليوم    وزير الإسكان: بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع سكن مصر بالقاهرة الجديدة    بسبب زلزال روسيا، إخلاء محطة فوكوشيما النووية في اليابان    رئيس الإمارات يؤكد أولوية التوصل إلى وقف عاجل لإطلاق النار في غزة    عمّان تسير قافلة مساعدات إغاثية للمستشفى الميداني الأردني جنوب غزة/7    الداخلية السورية: مزاعم حصار الحكومة لمحافظة السويداء محض كذب وتضليل    بعد مغادرته معسكر تركيا، موعد عودة الكرتي إلى تدريبات بيراميدز    تشكيل ليفربول - صلاح أساسي ضد يوكوهاما.. وظهور أول ل إيكيتيكي    مصر ترفع رصيدها إلى 42 ميدالية متنوعة في دورة الألعاب الأفريقية للمدارس    المسكوت عنه فى أزمة الجيزة    مصرع شخص في حريق شقة سكنية بأرض اللواء    أمن المنافذ يضبط 40 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    كل ما تريد معرفته عن برنامج النقوش والبرديات والمخطوطات بكلية الآداب جامعة حلوان    وزير الصحة ومحافظ الإسكندرية يبحثان تنفيذ مشروع شبكة الرعاية الصحية    خالد عبد الغفار يتابع تنفيذ مشروع إنشاء شبكة رعاية صحية بالإسكندرية    محافظ أسوان يوجه بالانتهاء من تجهيز مبني الغسيل الكلوي الجديد بمستشفى كوم أمبو    طريقة عمل الجاتوه شاتوه، لحفلاتك وعزوماتك بأقل التكاليف    في حوار خاص ل"الفجر الرياضي".. مكتشف كاظم إبراهيما: شوقي حسم الصفقة ووليد رشحه لريبيرو    أبو مسلم: جراديشار "مش نافع" ولن يعوض رحيل وسام ابو علي.. وديانج يمتلك عرضين    محافظ الفيوم يكرّم طالبة من ذوي الهمم تقديرًا لتفوقها بالثانوية العامة    وزارة الأوقاف: تدعو لترسيخ القيم الإنسانية التي دعي إليها ديننا الحنيف بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر    جو شو: التحول الرقمي يبدأ من الإنسان.. والتكنولوجيا وسيلتنا لتحقيق تنمية عادلة    القبض على 5 أشخاص بتهمة التنقيب عن الآثار في القاهرة    انكسار الموجة الحارة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة    إصابة 5 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة ميكروباص بكفر الشيخ    برابط التقديم.. إنشاء أول مدرسة تكنولوجية متخصصة بالغردقة (تفاصيل)    السكة الحديد تُعلن مواعيد قطارات خط "القاهرة الإسماعيلية بورسعيد" والعكس    زيارة تبون لإيطاليا.. اتفاقيات مع روما وانزعاج في باريس    وزارة التضامن: التعامل مع حالات لسيدات وأطفالهن بلا مأوى تعرضن لمشاكل أسرية    مبيعات فيلم أحمد وأحمد تصل ل402 ألف تذكرة في 4 أسابيع    صفية القبانى: فوز نازلى مدكور وعبد الوهاب عبد المحسن تقدير لمسيرتهم الطويلة    لمسات فنية لريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقي العربية ترتدي قفاز الإجادة بإستاد الأسكندرية    ما حكم كشف وجه الميت لتقبيله وتوديعه.. وهل يصح ذلك بعد التكفين؟.. الإفتاء تجيب    معلومات الوزراء: مصر في المركز 44 عالميًا والثالث عربيا بمؤشر حقوق الطفل    مصر تُصدر أول شحنة تقاوي بطاطس ميني تيوبر إلى أوزبكستان    215 مدرسة بالفيوم تستعد لاستقبال انتخابات مجلس الشيوخ 2025    خسارة شباب الطائرة أمام بورتريكو في تحديد مراكز بطولة العالم    تحرير (145) مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    هل التفاوت بين المساجد في وقت ما بين الأذان والإقامة فيه مخالفة شرعية؟.. أمين الفتوى يجيب    ما معنى (ورابطوا) في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)؟.. عالم أزهري يوضح    علي جمعة يكشف عن حقيقة إيمانية مهمة وكيف نحولها إلى منهج حياة    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    نجاح 37 حكمًا و51 مساعدًا في اختبارات اللياقة البدنية    رابطة الأندية: لن نلغي الهبوط في الموسم الجديد    الخارجية الأمريكية: قمنا بتقييم عواقب العقوبات الجديدة ضد روسيا علينا    ليلى علوي تعيد ذكريات «حب البنات» بصور نادرة من الكواليس    الدفاع الروسية: السيطرة على بلدتين في دونيتسك وزابوريجيا    قبول دفعة جديدة من الأطباء البشريين الحاصلين على الماجستير والدكتوراه للعمل كضباط مكلفين بالقوات المسلحة    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    سعر الفول والسكر والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
تراتيل الوداع
نشر في الأخبار يوم 27 - 03 - 2012


جمال الغىطانى
وفي لحظة بعينها انحدر الدمع من عيني كبير المرتلين، وكان في نفس الوقت يقود التراتيل التي تفيض شجنا . في اليوم التالي لرحيل قداسة البابا شنودة الثالث. شعرت بالمصاب الشخصي. وكأنني أنتمي إليه، قريب حميم، صديق مقيم، خيم عليّ شعور بالفقد، حزن عميق له أسبابه، أهمها إدراكي قيمة الرجل لما يعنيه بالنسبة للوطنية المصرية، ولخصاله النادرة، ولصلتي الشخصية به، ورعايته لي اثناء محنتي الصحية، سواء في عام 6991، أو العام قبل الماضي، الاسباب عديدة منها العام والخاص، اتصور أن كل مصري، قبطيا أو مسلماً كان لديه ما يخصه تجاه هذه الشخصية الاستثنائية بحق كان تشييعه أقرب إلي الروح التي أظلت جنازة جمال عبد الناصر، تلك الروح الجماعية التي تظهر عند المصريين في الظروف الاستثنائية فتجعل منهم كلاً واحداً »الكل في واحد«، كان الحدث حزيناً، رغم أنه غير مفاجيء، أخبرني صديقي الدكتور فوزي اسطفانوس ان الحالة الصحية للبابا كانت واضحة امام الجميع في مستشفي كليفلاند، وفي ثقافتنا نتحاشي إخبار المريض مباشرة حتي لو كان الطبيب المتخصص، في الولايات المتحدة يمكن للطبيب أن يقول مباشرة، بدون مواربة إن المنية سوف تدرك المريض بعد مدة معينة، يقولها بصراحة. بدون مواربة، هكذا تطلع الجميع الي الطبيب الامريكي المعالج لكي يخبر البابا بحقيقة الحال، بالفعل قال له: لقد بذلنا أقصي ما بوسعنا وليس لدينا شئ آخر، يقول الدكتور فوزي إن قداسة البابا أطرق قليلاً، ثم عاد ظل الابتسامة علي وجهه، واستأنف نشاطه العادي، وعندما ركب الطائرة بالتأكيد كان يعلم أنه لن يرجع إلي هذا المكان.
في اليوم الثالث، أي يوم التشييع رحت أتابع طقوس الوداع من خلال التليفزيون، ولكم كنت أود التواجد بشخصي، غير أن ظروفي الخاصة تلزمني الابتعاد عن الزحام، واماكن التدافع والحشود، مازلت اذكر التراتيل المؤثرة التي اصغيت إليها في مراسم جنازة المرحوم سعيد سنبل والتي قادها البابا بنفسه، إن الانغام الجنائزية للموسيقي القبطية من أعمق الألحان الانسانية شجناً وتعبيراً عن الأحزان التي مصدرها الفقد والفراق الحتمي، أثق أن هذه الألحان نبعت من تأمل الانسان علي ضفتي النيل، هنا في مصر، صراعه مع الموت وعدم استسلامه بمحاولة البقاء من خلال الإبداع، البناء، الرسم، النصوص المؤثرة، ومن ذلك الموسيقي التي كانت من اختصاص المعابد، أي أن هذا الفن ارتبط بالعقيدة الدينية، الاحاسيس الانسانية من الم وفرح لا تتغير، لا يتبدل جوهرها، والتراتيل الجنائزية التي كانت تتلي عند الموت، وأثناء عملية التحنيط وخلال الدفن، وجدت طريقها الي التراتيل القبطية، ومن ثم إلي الموشحات والقصائد الصوفية الاسلامية، منذ سنوات أقمت في مدينة أخميم لعدة أيام. في ليلة واحدة استمعت إلي تراتيل قبطية منبعثة من إحدي الكنائس العتيقة، وقبل صلاة الفجر اصغيت إلي دعوات وتهجدات صوفية، أذهلني التشابه، إنها نفس المقامات، خلال السنوات العشرين الاخيرة اهتممت بالموسيقي القبطية، خاصة أن الكنيسة شهدت حركة احياء لها كجزء من إحياء التراث المصري، وبرزت أسماء اساتذة كبار منهم راغب مفتاح صاحب أول مشروع لتدوين النصوص القبطية وفقاً لنظام النوتة، وجورج كيرلس قائد الفرقة الموسيقية المتخصصة في الانغام والتراتيل القبطية. هكذا رحت أتابع الصلوات والتراتيل الجنائزية المصاحبة لوداع البابا. كان الشمامسة معظمهم من الشباب يقودهم ويتقدمهم وجه أعرف ملامحه ولا أعرف أسمه، أو بمعني أدق غاب عني في هذه اللحظة، أعلم انه كبير الشمامسة في الكاتدرائية، ضخم البنية، كان مقرباً من البابا، يقود الصلوات في حضرته. كان الرجل يؤدي ممسكا بصاجين ينبعث منهما رفيف حزين كلما تلامسا، وكان الألم علي ملامحه عميقاً ومؤثراً، كنت أفهم اللحظة التي يمر بها، ألمه الانساني العميق لفراق أبيه الروحي ومعلمه، وضرورة قيامه بدوره في طقوس الوداع، عند لحظة معينة انحدرت دمعات من عينيه وهو يرتل، كان الحزن عظيماً، أليماً، والانغام المصاحبة تعبر عنه، عن الفقد، عن جوهر الحياة والموت في لحظة نادرة.
الفقي في الكاتدرائية
الأحد:
بداية موفقة من الكاتدرائية الكبري بالعباسية. استضافة الدكتور مصطفي الفقي لالقاء محاضرة تعد مفتتحاً لسلسلة يلقيها كبار الادباء والمفكرين عن البابا شنودة الثالث رحمه الله. قدم الندوة وأدارها نيافة الانبا ارميا أحد أقرب الاساقفة إلي البابا الراحل، إذ عمل سكرتيراً شخصياً له ورافقه في جميع اسفاره الي الخارج، خاصة الرحلات العلاجية الي كليفلاند. طبيب شاب يعمل هناك قال لي إنه بمنزلة الظل لقداسة البابا. لا يفارقه، أقول بداية موفقة لأن الدكتور مصطفي ليس باحثاً متخصصا في قضايا الوحدة الوطنية. إنما صاحب دور اساسي في العلاقة بين الكنيسة والنظام السياسي، وكان علي صلة قوية بالبابا، إضافة إلي ذلك فهو متحدث موهوب وحكاء كبير، يتجلي ذلك في برنامجه الذي يقدم فيه حلقات بعنوان »الفرص الضائعة« عن رؤيته السياسية للاعوام الثلاثين الأخيرة من مواقع مختلفة، إنني لا أميل عادة إلي البرامج التي تعتمد علي حديث شخصي واحد. لكن موهبة الدكتور مصطفي التي تضعه مع صفوة الحكائين المصريين امثال زكريا أحمد ومحمود السعدني وزكريا الحجاوي جعلتني أنتظره وأحرص علي سماعه ورؤيته معاً. هكذا أمضي ثلاث ساعات مرت في القاعة الرئيسية بالمركز الثقافي الملحق بالكاتدرائية وكأنها ثلاث دقائق، رسم صورة متعددة الأبعاد لشخصية البابا الاستثنائي الذي جنب الوطن مهاوي عديدة بحكمته وقدرته علي تجاوز الأزمات، بعد مأساة كنيسة القديسين التي راح ضحيتها عدد من الضحايا كلهم من الأقباط، وقع الحادث قبل أعياد الميلاد، وتوقع الجميع أن يعتكف البابا. والاعتكاف قمة الغضب والحزن عند الاخوة المسيحيين، وبالتالي لن يقيم الصلاة في الأعياد، غير أنه غالب حزنه، ووضع اعتبار الوطن أولاً، وقاد صلاة أعياد الميلاد يقول الدكتور مصطفي إنه كان لا يغضب ولكن يحزن والفرق بين الغضب والحزن كبير، قال إنه التقي به خلال العام الأخير مرتين، وجري حوار عن الثورة. كان موقف البابا عقلانياً. إذا وجد في الثورة خيراً لمصر فهو معها، كان يتابع أحداث ما بعد الثورة بقلق ويتمني الهدوء والخير للمصريين عموماً. كان يتجاوز اللحظة الآنية إلي أفق أبعد، أفق الوطن، كان قداسته من خلال ما رواه الدكتور مصطفي أحد كبار الوطنيين المصريين المنتمين الي عمق هذا البلد. الأحد القادم يتحدث الشاعر الكبير فاروق جويدة عن البابا من خلال علاقته به ورؤيته له. ولكم أتمني أن تطبع هذه المحاضرات في كتاب يصدر في الذكري الأولي لبابا المصريين جميعاً.
متغيرات
الخميس:
أحاول عبثا أن أتذكر المناسبة التي رأيته فيها لأول مرة، لكن المؤكد أنني كنت أراه بانتظام اثناء انتظاره أمام المصعد الرئيسي بالمبني القديم للمؤسسة. وفي الممرات التي تطل عليها أبواب الغرف أثناء حركية بين الطوابق المختلفة.
كان ذلك عام تسعة وستين وتسعمائة والف، وكان عمله في مجال مختلف. يتصل بالإعلانات، كان وسيماً، طويل القامة، رشيقها، انيقا، يرتدي باستمرار حلة تتكون من جاكت غامق، وبنطلون فاتح، وحذاء شديد اللمعان، وكان اسود الشعر، يتحدث علي مهل، ويتحرك بحساب، وكان البعض يتحدث عن الفتيات الجميلات اللاتي يحطن به باستمرار، قيل ان علاقاته عديدة، وقيل انهن مندوبات يقمن بمساعدته خاصة ان مجال عمله مع شركات اجنبية، ودوائر خارجية. لم أعرفه عن قرب، ولكنه كان يبدو لي دائما شخصية مصقولة، كل ما يمت اليه محسوب، اما وجهه الخالي من التجاعيد فكان يبدو لي خالياً من انعكاس اي مشاكل داخلية أو هموم كتلك التي أشعر بها، خاصة في هذه الفترة التي يفصلني عنها الآن ما يقرب من نصف قرن.
لم أنتبه الي خروجه من المؤسسة الا بعد مضي وقت طويل، وعندما سمعت بذهابه كان ذلك صدفة اثناء حوار بعض الزملاء، ولم أهتم، لم اتوقف كثيراً، شأن أسماء عديدة، ووجوه شتي لشخصيات عابرة تمر بنا اثناء مرورنا بمحيط الحياة، ثم تختفي بسرعة بدون ان تخلف اثراً حقيقيا، وقد يبدو أحدها في افق الذاكرة لحظة ما، فيتردد تساؤل مضمونه »تري أين هو؟ أو هي؟«، ثم تغيب الملامح الباهتة وربما الي الأبد.
سمعت أنه اسس مكتباً خاصاً للإعلانات، وأنه دخل نشاط النشر، ربما خطر اسمه عدة مرات علي ذهني خلال سنوات عديدة، وعندما يرد اسم انسان كنا نعرفه، فإننا نتذكر ملامحه، أو بعضها. دائما كنت استعيد صورته الانيقة، وسامته.
حتي وجدت نفسي بصحبة صديق عزيز نتجه اليه منذ اسبوعين، كان صاحبي ماضيا اليه لعمل يتصل ببعض انشطته، وكان الزميل القديم قد ترك نشاط الإعلانات تماماً واتجه الي مجال الكتب، افتتح مكتبة ضخمة في إحدي ضواحي المدينة، كنت متشوقاً للاطلاع علي ما عنده، ولم يكن اللقاء به شخصيا يهمني لأننا لم نكن اصدقاء يوما.
دخلنا قاعة المكتبة الرئيسية، الارفف بحق عامرة، العناوين شتي، لوحات فنية، اتجه صاحبي إلي غرفة المدير، بعد لحظات سمعت صوته يناديني بينما كنت أحدق إلي عناوين الكتب وأقلب صفحاتها.
التفت
ياه
هل هذا هو الرجل الذي كان زميلي يوما؟ كانت الصور تتعاقب علي ذهني بسرعة، الملامح القديمة.الوسيمة، وما أراه أمامي.
في وجهه خطوط عامة تنتمي إلي الملامح القديمة، فقط مجرد الهيئة الخارجية، السمات، لكن العينين اللتين تنظران صوبي منطفئتان، مرهقتان، وكأنهما علي وشك الإغلاق، الشعر الاسود الفاحم، اللامع اصبح رمادياً، لكن البياض غالب، اما الذقن فكلها بيضاء، بدا واضحاً أنه لم يحلق منذ يومين علي الأقل، خطواته أقصر، أبطأ، تميل قامته إلي الأمام، وكأنه علي وشك أن يهوي. يتقدمه كرش مترهل يدفع بالصديري الداخلي بعيداً عن البنطلون فيبدو جزء من القميص وزراره المفكوك!
أما ياقة الجاكته فلم يكن عسراً ملاحظة خط رمادي عند الاحتكاك بالعنق، ثمة إهمال عام في هيئته، في لباسه، أما انفه فبرز بشكل لافت للنظر، تحيطه وجنتاه المتهدلتان.
كان الواقف امامي خابيا، منطفئا، علي وشك الغروب. وكان الماثل في ذهني قويما. سامقاً، متوهجاً، انيقاً. مد يده ليصافحني ، وكنت أري آثار خطو الزمن، فالزمن لا يمكن رصد جوهره أو كنهه. إنما نري ما يتركه من أعراض فقط، فجأة خطر لي بينما يتطلع إليّ مرحباً بعينيه المتعبتين.. تري.. كيف يراني؟
كيف أبدو له بعد انقضاء كل هذه السنين؟.. هل يراني كما أراه!
جودة الحياة
ومن منا لا يتمني أن تصبح الحياة أفضل؟، لذلك بدا العنوان غريباً للمؤتمر الذي عقدته جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا ونظمه وأشرف عليه استاذ العمارة البارز عادل يس، وحضره عدد من كبار المتخصصين والرموز علي مدي يومين، العنوان أو المصطلح ظهر لأول مرة في السويد عام 2791. وتم البدء في تطبيقه عملياً بانجلتره عام 2891، وذلك بوضع شروط للحياة المتقدمة المريحة للانسان وتطبيقها علي القري أولاً، ثم المدن، ثم البلاد، لسنوات ظلت انجلتره تحتفظ بالمركز الأول، ثم حلت مكانها فرنسا، والآن كندا، اما مصر فمركزها الآن المائة وستة وثلاثون من مائة وخمسين بلداً، كيف يمكن تحقيق جودة الحياة؟. هذا ما دار حوله المؤتمر، من المحاضرات التي تابعتها باهتمام ما تحدث به الدكتور علي الفرماوي رئيس صندوق تطوير المساكن العشوائية (ضمان مناطق سكن امنة) ولأول مرة أعرف بوجود هذا الجهاز التابع لمجلس الوزراء، قدم شرحاً تفصيلياً للمناطق غير الآمنة علي مستوي مصر، الاحصاء دقيق والتوصيف بالارقام والصور أدق، ما أبهرني علم ودقة الدكتور الفرماوي نفسه الذي عمل بالامم المتحدة، ويبدو أن مصر فيها من الخبرات الكثير، ولكن ما لم يظهر صاحب الخبرة في التليفزيون يصبح علمه لا قيمة له. المهم الظهور، ويصبح الأهم الظهور في برامج التوك شو الليلية، عندئذ يزداد الثقل وتعدد الفرص، إن مصر في حاجة إلي كشافة متخصصين في اكتشاف الخبرات البعيدة عن الضوء، ومن هؤلاء يمكن التوصل الي مسئولين جدد بدءاً من رئيس الدولة إلي الوزراء والمسئولين عن القطاعات المختلفة، العشوائية ليست مقصورة علي الفقراء والأحياء المتدهورة، إنما موجودة في المناطق الجديدة، ويكفي زيارة الي القاهرة الجديدة للوقوف علي العشوائية الثرية وتعبيرها عن الجهل. أحد اصحاب المعاهد العلمية بني المقر علي هيئة كولزيوم روما، وبالتأكيد لا يعرف أنه المكان المخصص للعبيد وقتالهم حتي الموت في الامبراطورية الرومانية، هناك عشوائية الروية وذلك أخطرهاوأظنها السائدة الآن، لذلك تبدو جودة الحياة بعيدة عن المتناول في مصر لمدي.
من ديوان الشعر الاجنبي
قال الشاعر الكردي شيركو بيكه سي
ههنا الليلة:
الجبل شاعر
الشجرة قلم
النهر سطر
والحجر نقطة
وأنا:
علامة تعجب
ترجمة جلال زنطابادي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.