أتحدث عن المادة الكارثة رقم 28 من الإعلان الدستوري الخاصة بتحصين قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية ضد الطعن..ونص هذه المادة كالآتي "تتولي لجنة قضائية عليا تسمي (لجنة الانتخابات الرئاسية) الإشراف علي انتخابات رئيس الجمهورية بدءاً من الإعلان عن فتح باب الترشيح وحتي إعلان نتيجة الانتخاب. وتُشكل اللجنة من رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيساً ،وعضوية كل من رئيس محكمة استئناف القاهرة ،وأقدم نواب رئيس المحكمة الدستورية العليا، وأقدم نواب رئيس محكمة النقض وأقدم نواب رئيس مجلس الدولة.وتكون قرارات اللجنة نهائية ونافذة بذاتها، غير قابلة للطعن عليها بأي طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض لقراراتها بوقف التنفيذ أو الإلغاء، كما تفصل اللجنة في اختصاصها، ويحدد القانون الاختصاصات الأخري للجنة.وتُشكل لجنة الانتخابات الرئاسية اللجان التي تتولي الإشراف علي الاقتراع والفرز علي النحو المبين في المادة 39 ....الخ".. وقد وصفتٌ هذه المادة بأنها كارثة لأنها تعرض المنصب الاهم في مصر ، وهو منصب رئيس الجمهورية، للبطلان أو التشكيك في شرعيته مما يلقي بظلال كثيفة وخطيرة علي جميع قراراته..واخطر ما في هذه المادة أنها تلغي حقا دستوريا أصيلا هو حق التقاضي عندما تحصن قرارات اللجنة ضد الطعن..ناهيك عن أنها مجرد لجنة إدارية تتولي تنظيم الانتخابات من خلال قرارات إدارية ، وعليه فإن جميع قراراتها يجب أن تكون خاضعة للطعن عليها رغم أن اللجنة مُشَكَلَة من شخصيات تشغل أعلي المناصب في الهيئات القضائية..إذ أنه لو أن هذه الشخصيات القضائية الكبيرة اصدرت حكما قضائيا لكان من الواجب علينا أن نحترمه ونمتثل له ..ولكننا هنا بصدد قرارات إدارية قابلة للطعن والاعتراض .. والكارثة أن مجلس الشعب الذي يزعم أنه برلمان الثورة مرر ، من خلال لجنته التشريعية ، هذه المادة بشكل مريب ومثير للتساؤلات رغم تحذير العديد من الفقهاء الدستوريين والقانونيين والقوي السياسية من خطورة تحصين قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية ضد الطعون..ويبدو أن البرلمان يتجه الي السقوط في خطيئة اخري تثبت أنه أبعد ما يكون عن الثورة إذ أن مجلسي الشعب والشوري في طريقهما لتجاهل آراء العديد من فقهاء الدستور والقانون الذين أكدوا ضرورة انتخاب أعضاء اللجنة التأسيسية الخاصة بوضع مشروع الدستور الجديد من خارج اعضاء البرلمان..وذلك لأن الدستور ينظم عمل السلطات الرئيسية الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية..ولا يستقيم مشاركة احدي هذه السلطات ، وهي البرلمان، في وضع الوثيقة المنشئة لكل السلطات..ناهيك عن الطعن في شرعية بعض القوانين التي جرت انتخابات مجلس الشعب علي اساسها ..ولو تم قبول الطعن الذي احالته محكمة القضاء الإداري الي الدستورية العليا فإن ذلك سيبطل مجلس الشعب بطلانا ينسحب علي الاعضاء الذين لو تم مشاركة واحد منهم أو أكثر في صياغة مشروع الدستور فسوف يطعن ذلك بدوره في شرعية الدستور ذاته ..ولأن الدستور هو أبو القوانين وأساس الاستقرار فإن تعريضه لأي تجريح من أي نوع سينطوي علي خطر عظيم.. وأعود الي لجنة الانتخابات الرئاسية التي تضم في تشكيلها شخصيات مثيرة للجدل ، وهذا أخف تعبير يمكنني استخدامه، ناهيك عن أن نائب رئيسها هو المستشار عبد المعز ابراهيم رئيس محكمة استئناف القاهرة الذي تتردد شبهات خطيرة بشأن دوره في قرار إلغاء حظر سفر المتهمين الامريكيين في قضية التمويل الاجنبي..وهناك حملة توقيعات من جانب القضاة أعضاء الجمعية العمومية للمحكمة لسحب الثقة منه..وسواء تم سحب الثقة أم لا فإن وجود شبهات حول أي من أعضاء اللجنة سيلحق العوار بالدستور ويجرح شرعيته.. وإذا ظل البرلمان علي موقفه المعلن من المادة 28 وطريقة تشكيل اللجنة التأسيسية الخاصة بوضع مشروع الدستور ، فإنه سيكون قد خذل الشعب في استحقاقين رئيسيين من استحقاقات عملية التحول الديمقراطي وهما الدستور الجديد وانتخابات الرئاسة..وساعتها لن يستطيع أحد أن يزعم أن ذلك برلمان ينتمي للثورة.. وسبق أن عبرت عن انزعاجي الشخصي الشديد ، كما أعربت قوي سياسية عديدة بينها الجمعية الوطنية للتغيير عن قلقها العميق ، إزاء الإصرار علي أن تكون قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية نهائية ومحصنة ..وقلتُ إن معني هذا أنه يمكن لهذه اللجنة ، واكرر أنها لجنة إدارية وليست قضائية، أن تقول إن شروط الترشح لمنصب الرئاسة لا تنطبق إلا علي مرشح وحيد بعينه ، بل يمكنها حينئذ أن تعلن فوز ذلك المرشح بالتزكية ولا يستطيع أي شخص الاعتراض علي ذلك أو الطعن عليه بنص المادة 28.. والأخطر من كل ما سبق أنه رغم الغموض الذي يحيط بالسباق الرئاسي وفرص أبرز المتنافسين فيه ،فإن أغلب المراقبين والمحللين يتوقعون أنه ستكون هناك جولة إعادة في الأغلب ، وأن المرشح الذي يفوز بالمنصب الكبير في نهاية المطاف سيتحقق له ذلك بأغلبية ضئيلة ، ومعني ذلك أن الصراع في الجولة الثانية والأخيرة سيكون محتدما وحماسيا وعصبيا ، وربما لا يقبل انصار الطرف الخاسر الهزيمة بروح سمحة وعن طيب خاطر ، وخاصة أننا لا نزال علي عتبات الديمقراطية الحقيقية ، وذلك يؤكد ضرورة درء أي شبهات يمكن أن تشوب عمل لجنة الانتخابات الرئاسية ، وتحصينها ضد الشكوك وليس ضد الطعون..إذن علينا المبادرة ، وهذا هو واجب مجلس الشعب الذي يملك سلطة التشريع حاليا، بتعديل المادة 28 بحيث نفتح باب الطعن علي قراراتها ..فالمنصب الأعلي في مصر ما بعد الثورة لا يحتمل العبث ، وربما تكون هذه فرصة اخيرة لإصلاح أخطاء وخطايا المرحلة الانتقالية..