نبىل زكى حرصت وسائل الاعلام في بلادنا علي توجيه الاهتمام الي اشخاص واسماء مرشحي الرئاسة، ولم تظهر نفس القدر من الاهتمام بمعايير اختيار المرشح لهذا الموقع. وكل ما قدمته وسائل الاعلام من خدمات طوال الشهور الماضية هو نشر أو بث تصريحات يومية علي لسان هؤلاء المرشحين وتعليقات علي كل حدث حتي أصبحت تلك التصريحات »مقررة« علينا، او بالدقة،.. مفروضة علينا بمناسبة أو بدون مناسبة. وانني أتفق مع المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض السابق، عندما قال: »لا تعنيني شخصية الرئيس القادم بقدر ما يعنيني النظام القادم«. وكان المستشار الخضيري علي حق عندما اشار الي انه يحلم بنظام، وليس بفرد، اي مجلس شعب مستقل ومجلس وزراء له صلاحيات وليس سكرتارية للرئيس. والمستشار يقصد انه يريد رئيسا يحكم من خلال نظام ديمقراطي يضع الرئيس في حجمه الطبيعي، ولذلك يؤكد انه لا يريد رئيسا عسكريا، ولا نظاما عسكريا، ولا رئيسا دينيا، بل يطالب بان تكافح كل القوي السياسية من اجل رئيس مدني ونظام مدني ودولة مدنية. اذن.. ليس المطلوب ان يكون الرئيس القادم مجرد نموذج معدل لرؤساء مصر السابقين بعد ادخال بعض التحسينات. والمشكلة ان بعض تصريحات المواطنين العاديين والمعلقين والمحللين السياسيين تكشف نظرة للرئيس القادم.. لا تختلف عن النظرة الي حكام سابقين كانوا يديرون شئون البلاد بارادة منفردة، كما لو كان المواطنون هؤلاء - مع توافر كل النوايا الطيبة - ينتظرون عودة حكم الفرد المطلق او ديكتاتور جديد.. يدير كل شيء ويقرر كل شيء ويصنع كل شيء وفق مشيئته ودون مساءلة او محاسبة. صحيح اننا في حاجة الي رئيس يواجه تحديات المستقبل واخطاء الماضي. ولكننا ينبغي ان نصمم علي ان تكون سلطات هذا الرئيس محددة ومحدودة حتي تنجح عملية التحول الديمقراطي ولا يتغول علي بقية السلطات. صحيح اننا في حاجة الي رئيس لديه خيال ويملك امكانية التواصل مع القواعد الشعبية، وخاصة الاغلبية الصامتة، وان يتمتع بشخصية قيادية وباستقلالية في الرأي، ولكنه يجب ان يكون صاحب تاريخ وطني ومواقف مشرفة لأي شخصية عامة وصاحب اسم معروف علي النطاق القومي واشتهر بالنزاهة وحسن السمعة وبأعلي قدر من الامانة الفكرية والاستقامة والموضوعية ونظافة اليد وليس من المعقول ان ننتخب رئيسا لم نسمع له صوتا طوال أربعين سنة في اي قضية. وصحيح اننا في حاجة الي رئيس يملك خبرة في ادارة مؤسسات الدولة والتعامل مع القوي الدولية ويمتلك ثقافة متنوعة ويحرص علي اختيار مستشاريه من اهل المعرفة والكفاءة. ولكننا ايضا نحتاج الي رئيس يؤمن ايمانا كاملا بمبادئ وشعارات واهداف ثورة 25 يناير: خبز - حرية - كرامة انسانية - عدالة اجتماعية، ويكون مناصرا قويا للدولة المدنية الديمقراطية الحديثة. وصحيح ان الرئيس القادم يجب ان يكون توافقيا وغير صدامي، وان يعلن عن ذمته المالية وجميع ممتلكاته، ولكنه ينبغي ان يؤمن بان الامة هي مصدر السلطات وبتداول السلطة وبالتعددية السياسية والفكرية والحزبية والثقافية وبالفصل بين السلطات. وصحيح ان الرئيس القادم يجب ان يستوعب فكرة النقد والمعارضة وقبول الآخر، وان يكون رجل دولة وصاحب رؤية شاملة ويوزع مهام والمسئوليات، ولكنه ايضا يجب ان يكون من اقوي المدافعين عن حقوق الانسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والثقافية، وفي المقدمة حق العمل والتعليم والعلاج والرعاية الاجتماعية والسكن. الرئيس القادم يجب ان يكون ملتزما بحماية حرية العقيدة، وما يرتبط بها من حق المواطنة الكاملة للجميع علي اساس المساواة التامة في الحقوق والواجبات، وملتزما برفض نزعات الاقصاء والتكفير، وبرفض التوجهات التي تدين عقائد الآخرين، والتصدي لاي محاولة لتمزيق النسيج الوطني والتحريض علي التعصب الديني واثارة النعرات الطائفية. والرئيس القادم هو الذي يكفل حرية العبادة واقامة الشعائر الدينية ويتعامل مع جميع المصريين علي قدر المساواة بصرف النظر عن المعتقد او الدين او الجنس او العرق او الاصل او المركز الاجتماعي. والرئيس المنتظر هو الذي يدافع عن حرية الرأي والتعبير والصحافة والاعلام ويدعو للتسامح والحوار وسيادة القانون ويكون اول من يحترمون القانون، وفي مقدمة المناصرين لحرية البحث العلمي وحرية الابداع الادبي والفني، وحق المعرفة والحصول علي المعلومات. ولا حاجة للتأكيد علي ان الرئيس القادم ينبغي ان يكون من اقوي المدافعين عن حقوق المرأة، وعن المساواة بينها وبين الرجل وعن حقوق الطفل. ومن حقنا ان نطمح في ان يتبني المرشح لرئاسة الجمهورية، الذي يريد ان يكسب ثقة الناخبين، مطلب الغاء المادة 28 من الاعلان الدستوري التي تحول دون الطعن في قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية. كذلك من حقنا ان نطالب المرشح - في ضوء التجارب المريرة السابقة - بان يلتزم بعدم تأسيس حزب سياسي وهو في موقع السلطة، حتي لا تتكرر كارثة »حزب الرئيس« الذي يحتكر السلطة والثروة، ويلتف حوله كل اصحاب المصالح الخاصة وطلاب المنافع والانتهازيين والمنافقين، كما اننا يجب ان نطالب بان يتخلي الرئيس القادم عن عضوية الحزب.. اذا كان - قبل انتخابه - منتميا الي حزب سياسي معين. والمفترض ان يتعهد الرئيس القادم باستعادة دور الدولة في التنمية والاستثمار، وان يتبني مطلب اعادة توزيع الثروة القومية بطريقة عادلة بحيث يقوم الاقتصاد الوطني علي اساس التنمية الشاملة والمستدامة والعدالة الاجتماعية، ومنع الممارسات الاحتكارية علي اطلاقها وحماية المستهلك، وتلبية الحاجات الاساسية للمواطنين وحماية المنافسة، وعدالة توزيع عائد التنمية علي المواطنين ووضع حد ادني واقصي للاجور والتأمين ضد البطالة. وعلي المرشح للرئاسة اذا اراد ان يكسب الناخبين الي صفه ان يتعهد، علي نحو واضح وقاطع، باحترام استقلال القضاء حيث انه لا يجوز لاية سلطة التدخل في القضايا او في سير العدالة، وكذلك استقلال النائب العام واستقلالية منظمات المجتمع المدني واستقلالية الحركة النقابية. ويحق لنا ان نتوقع ان يمتنع الرئيس القادم عن تعيين نائب له، نظرا لان هذا النائب ينبغي ان يكون منتخبا حتي نتجنب عملية التوريث السياسي لمنصب الرئيس. ويحق لنا ايضا ان نتوقع ان يتعهد الرئيس القادم - منذ الان - بمحو عار التعذيب وممارساته في بلادنا بعد ان اصبحت تلك الممارسات ركنا رئيسيا في عمل أجهزة الامن. ويقضي منطق الامور، بعد ثورة 25 يناير ان يكون الرئيس القادم داعية لسياسة خارجية مستقلة تنهي سياسة التبعية للقوي الاجنبية وان يلتزم بسياسة تراعي المصالح الوطنية والمصالح القومية العربية العليا. تبقي مسألة هامة: كيف ننتخب رئيسا قبل ان يكون لدينا دستور نتعرف - من خلاله - علي سلطات وصلاحيات واختصاصات هذا الرئيس كيف ستكون علاقة هذا الرئيس بالبرلمان.. والحكومة؟ وعلي اي اساس رشحت هذه الشخصيات نفسها للرئاسة دون ان تعرف حدود سلطاتها؟ كلمة السر: الدستور قبل الرئيس.