محمد برغش أثناء حواره مع » الأخبار « ذهبنا إليه وفي أذهاننا أننا سنحاور الفلاح الفصيح وهو اللقب الذي اشتهر به.. وجدنا الجلباب البلدي الأنيق.. ووجدناه فصيحا ينطق بالحق.. لكن المفاجأة حديثه العلمي الموثق بالمعلومات وخبراته الواسعة بعالم الزراعة وكل ما يرتبط بها.. اكتشفنا أنه يستحق لقبا أشمل وأعم هو عاشق الأرض.. هذا السر العجيب الذي يذوب في كلماته ويتدفق من مشاعره ليصب في هدف إعادة القرية المصرية وحدات انتاجية متكاملة. في حوار استغرق قرابة الساعتين وضع محمد عبد المجيد برغش عضو المجلس الاستشاري ووكيل مؤسسي حزب مصر الخضراء وصفة مجربة لانعاش الزراعة المصرية.. اقترح وزارة جديدة لشئون الفلاحين وطالب بنقابة مهنية وليست عمالية تضم في عضويتها أكثر من 40 مليون فلاح مصري. روي حكايته مع المجلس الاستشاري ورأيه في المستقيلين من المجلس.. واصفا من يرددون مقولة الخروج الآمن للمجلس العسكري بالسفه وغياب العقل.. تحدث في كل شيء وقال كلمته في كارثة المبيدات المسرطنة وحادث نهب أموال الفلاحين من خلال لعبة الأسمدة. تخرجت في كلية التجارة جامعة عين شمس عام 1973 وعملت بالكويت 25 عاما وتترأس مجلس إدارة جمعية السلام التعاونية الزراعية بمركز بدر محافظة البحيرة.. هل يزعجك لقب الفلاح الفصيح؟ بالعكس لقب الفلاح الفصيح يفرحني وأصر علي أن يرتبط باسمي.. ليس عيبا أن أكون حاملا لدرجة الدكتوراه أو الماجستير وألقب بلقب فلاح. لابد أن هناك رابطة ما تربطك بشخصية فلاح كفر الهنادوة التي يبدعها علي صفحات الأخبار أستاذنا الكبير أحمد رجب والفنان الشامخ مصطفي حسين؟ الأخبار صحيفة متنوعة وشاملة ومن أبرز أبوابها كاريكاتير فلاح كفر الهنادوة وكنا ونحن صغار في القرية ننتظر هذا الكاريكاتير بفارغ الصبر وكنا نكلف أحد أبناء القرية يوميا ليذهب للبندر لاحضار جريدة الأخبار.. عموما هناك فارق بين فلاح يعتز بمهنته وبين تجريد الفلاح من هويته وذاته. نراك متعجلا للوصول بالحديث إلي ملعبك وهو الزراعة؟ بصراحة الزراعة في مصر منذ 2004 لم تر وزيرا صاحب قرار.. كل الوزراء الذين جاءوا بعد هذا التاريخ بدءا من أحمد الليثي تأنقوا الكلمات ونسوا العمل. عفوا لكن وزير الزراعة حتي عام 2004 كان د. يوسف والي الذي يحاكم حاليا في قضايا فساد وهو المسئول عن المبيدات المسرطنة؟ أنا لا أقول سوي الحق فهذا الرجل كان أيام القطن تجده مع الفلاح في كل المراحل .. التقاوي شبه مجانية.. المقاومة بدعم 50٪ مكافأة لزراع القطن.. تسوية الارض بالليزر علي نفقة وزارة الزراعة.. باختصار كان معنا علي كل "ترعة وملال وحد" وهو أول من عمل فرق جمع اللطع يدويا. لكنه المسئول عن المبيدات المسرطنة؟ علي فكرة لم تربطني بهذا الرجل أية علاقة شخصية وهو من الفيوم وأنا من البحيرة لكني أقول الحق.. لقد جاء يوسف والي وزارة الزراعة ومصر تستخدم 44 ألف طن مبيدات خفضها إلي أربعة آلاف طن فقط.. كنا نستخدم الرش بالطائرات الذي يبيد كل شيء فقرر ايقافه.. باختصار كل ما يقال عن مبيدات مسرطنة أو غير مسرطنة لا تعدو إلا أن تكون مثل حكاوي القهاوي. لديك خريطة طريق لاصلاح الزراعة.. هل لنا أن نتعرف علي أهم معالمها؟ لا طريق للخروج من أزمتنا الزراعية سوي بالاهتمام بالبحث العلمي لرفع الغلة الرئيسية للفدان لأن مصر لا تملك ترف المال ولا كثرة المياه.. بجانب كون استصلاح الأراضي مرتفع التكاليف.. علينا تعظيم قدرة المنتج النهائي من المياه عن طريق الزراعة الغازية بدلا من الغمر. وما الزراعة الغازية؟ هي تماثل نظام الصوب لكن بطريقة علمية أحدث حيث تتحول كل مغذيات النبات لصورة غازية وكذلك الري بالغاز بنظام البخر وهذا يوفر ثمن استهلاك المياه وواحد علي عشرين من تغذية النبات.. والاهم من ذلك انتاجيتها التي تعادل ثمانية أضعاف الانتاج الحالي وكونها آمنة ولا تصاب بالحشرات أو الفطريات لأنها معزولة. وما رؤيتك لكيفية توفير سلة الغذاء الاستراتيجية؟ علينا انتاج رغيف العيش من مجموعة حبوب وليس القمح فقط من خلال اعلاء تكنولوجيا انتاج الخبز بما يجعله متعدد الانواع حسب السن والحالة الصحية.. يجب مكافأة الفلاح علي زراعته للحبوب وعدم تصدير حاصلات زراعية قبل تصنيعها بشكل كامل لاعلاء القيمة المضافة لمنتجاتنا الزراعية.. فنحن بلد زراعي ويجب أن تؤسس صناعاتنا علي الزراعة.. القصد أن يكون لدينا تصنيع زراعي محترم وعدم حصره في الشيبسي والبيبسي والسمن.. مع ضرورة اعلاء استخدامنا للألوان والاصباغ الطبيعية عبر الاهتمام بالزراعات ذات الألوان مثل الفراولة وغيرها.. تطور مصر مرهون بمنظومة زراعية تحقق الاكتفاء الذاتي من الطعام.. وهذا كلام منظمة الفاو التي قالت منذ 5 سنوات أن علي الدول الفقيرة التي لاتنتج غذاءها مضاعفة انتاجها 5 مرات بسبب ندرة المياه وزيادة التصحر.. وأقول إن مصر إذا لم تتصد لمشاكل الغذاء فستواجه في فترة قريبة بمعادلة اقتصادية صعبة لن يكون حلها بالنقود اللازمة لشراء الغذاء فنحن شعب يستورد ما يتراوح بين 45 إلي 55٪ من غذائه. لديك خبرة طويلة في العمل بالتعاونيات.. ما الدور المطلوب منها لإنقاذ الزراعة؟ قانون التعاون الزراعي الحالي أهم ما يدمر الزراعة المصرية ويسحق آلياتها ويعطل أي تقدم في الزراعة.. هذا القانون الذي ينظم عمل 8 آلاف جمعية تعاونية زراعية في مصر تمثل البناء الديمقراطي الوحيد الذي لم تمسه يد العبث حتي الآن يحولها إلي عبد لدي وزارة الزراعة ويحول هذا القطاع الكبير إلي نهر جباية قذرة لقطاعات وزارة الزراعة. وما الحل إذن؟ لدينا تطوير لهذا القانون وآلياته يحرر التعاونيات من الجور ويضعها علي بداية القرن الجديد في التصنيع والمشاركة واقامة الكيانات الكبيرة لتوصيل المنتج بأقل من نصف ثمنه الحالي من خلال تحملها عبء التسويق والتوزيع والمشاركة في مشاريع انتاج الاسمدة واقامة المصانع وكل ما يهم العملية الزراعية.. الآن مستلزمات الانتاج الزراعي تحتكرها الدولة وتذهب في قنوات يسرق بها الفلاح.. السعر الرسمي لشيكارة السماد 70 جنيها تصل الفلاح بسعر 200 جنيه هكذا عنوة منذ عام 2006 فمن المسئول الساكت عن هذا الفعل الشيطاني ويشارك فيه.. لدينا مصنعان في أبو قير والدلتا فهل تعجز الدولة عن معرفة كمية الانتاج ولمن يذهب وكيف يباع أم أن الفلاح هو آخر مسئوليات الدولة.. هذا النظام في توزيع الاسمدة يعرض الفلاحين لنهب 30 مليار جنيه سنويا من استخدام 10 ملايين طن سعرها الرسمي 7 مليارات جنيه وتباع للفلاحين ب 40 مليار جنيه. وهل تقدمت بمقترحاتك هذه لأي جهة رسمية؟ نعم قدمت لحكومة د. عصام شرف حلولا ل 37 مشكلة تواجه الزراعة والارض والحيوان والنبات في مصر.. مقترحات تعيد احياء مصر القديمة التي كانت تحتل في السابق من قبل الرومان وغيرهم من أجل القمح والبردي.. مقترحاتنا تتضمن مشاريع تعيد مصر لهذا العصر في إنتاج القمح وتصنيع الورق من مخلفات الشوارع وقش الارز والمخلفات الزراعية.. مشاريع تعيد احياء الاكل الطبيعي تقضي علي الملوثات الصناعية والصرف الزراعي علي حوض النيل وتحيي منظومة الزراعات التعاقدية بغرض التصدير وانتاج رغيف الخبز.. إنتاج الفول المدمس بدلا من استيراد 75٪ من استهلاكنا من 11 دولة أبرزها بلغاريا وتركيا.. كنا نزرع 750 ألف فدان فول تراجعت المساحة إلي 130 ألف فدان.. أيضا كنا نزرع 100 ألف فدان عدس الان تراجعت المساحة لألف فدان فقط ونستورد 95 ٪ من الاستهلاك.. وكذلك الحبوب الصلبة "الفاصوليا والبازلاء واللوبيا" كان لدينا اكتفاء ذاتي منها الان نستورد 45 ٪ من استهلاكنا.. أليس هذه مصيبة وقائمة. وماذا أيضا؟ أطالب أعضاء مجلسي الشعب والشوري باثبات حسن النية تجاه أكثر من 40 مليون فلاح في مصر بإعداد تشريع لعمل نقابة مهنية للفلاحين فالفلاح يملك وينتج وعنده أفكار "نوهاو" وليس مجرد عامل زراعي.. نريد نقابة مهنية للفلاحين وليست نقابة عمالية لإصدر وثيقة تأمين لمخاطر الزراعة ووضع شروط لمعيشة سليمة ومعاش كريم وعلاج مناسب للفلاحين. ولماذا لا تكون مجرد شعبة تابعة لنقابة الزراعيين؟ نحن الأكثر عددا ونحن الأصل وهم مهندسون زراعيون محترمون يعملون لخدمتنا ومساعدتنا ولهم نقابتهم.. وأري أنه من العار علي البرلمان عدم التصدي لهذا المطلب لأنهم جميعا أبناء فلاحين من الصعيد أو الريف.. نعرف أن هناك من يحارب انشاء مثل هذه النقابة من منطلق الخوف من أي عمل نقابي تنظيمي يضم هذا العدد الكبير من الفلاحين.. انهم يعملون ألف حساب لجميع تنظيمات الفلاحين ظنا من امكانية توحدهم ويكون لهم شأن سياسي.. ودليل ذلك ما تعرضت له صفة الفلاح والعامل من تشويه طوال ال 40 عاما الماضية.. الدستور كفل لهم نسبة ال 50٪ لكنهم لم يصلوا اليها لمرة واحدة مع اجتهاد السفهاء للاعتداء علي هذه الصفة.. نحن مع بقاء نسبة ال 50 ٪ عمال وفلاحين وسنحارب من يحارب اسقاطها.. وماذا عن رؤيتكم لرئيس مصر القادم؟ إلي الان لم تطرح علينا برامج من قبل المرشحين المحتملين لانتخابات الرئاسة ونحن في انتظار البرامج لتحديد موقفنا ومن ندعمه.. كفانا عواطف وكفانا عصبيات سأنتخب برنامجا وليس أشخاصا.. وإذا فاز مرشح ولم يحقق برامجه سأقاضيه أمام المحكمة الدستورية العليا لأنه لم ينفذ برنامجه.. الفلاحون سينتخبون البرنامج الذي يحقق أحلامهم ويرفع عنهم الظلم ويحترم كرامتهم هل لكم في كلمة أخيرة؟ الكل تحدث كثيرا والكل غالي أشد المغالاة في الطلبات.. اجتمعنا علي خطأ واحد وكأننا بعد 11 فبراير 2011 طوينا مصر واقتصاد مصر وطوينا العمل بجدية حول لحمة تجمعنا علي هدف واحد هو اعلاء قيمة العمل ورفعة الاقتصاد.. جلسنا نتمركز حول نقطة واحدة هي تخوين البعض حتي غدونا نقترب من اقتصاد متراجع وموارد تجف.. نسينا أن أية سياسة لا تؤسس إلا علي اقتصاد ناجح.
