جمال الشرقاوى عجبت لما قاله وزير زراعة مصر المهندس محمد رضا إسماعيل، مبررا عدم تصريف القطن، وتكدسه في بيوت الفلاحين حتي الآن. بقوله إنه ولا دولة في العالم تقدمت لشراء القطن المصري.. وهي عبارة مهينة لملك أقطان الدنيا. بزعم أنه غير مرغوب، أو بتعليق خيبة النظام الساقط، والذين لا يزالون ينهجون نهجه، علي شماعة المؤامرة الدولية.. التي طورها ووسعها الوزير الحالي، حتي يغلق باب المناقشة في مجلس الشعب، بأنها تشمل هذه المرة »كل« العالم؟! كنا نعرف ان تعاقدات تمت، وبيعت كميات.. فكيف لا يعرف ذلك وزير الزراعة..؟ وكيف يدلي ببيان رسمي.. وعن القطن.. مخالف للحقيقة.. حتي يبرر عجز الحكومات التي تولت منذ اكتوبر - موسم جني القطن - عن حل الأزمة.. وترك الفلاحين يتحملون عبء الأزمة وحدهم. المثير حقاً، أن مصدراً في هيئة تحكيم القطن أدلي بتصريح نشر في اليوم التالي في »الأخبار«، يخالف تماماً تصريح وزير الزراعة.. فقال إن 72 دولة من دول العالم متعاقدة علي قطننا. أستوردت 75 الفاً و386 طناً، أي 511 ألفا و066 قنطارا، بقيمة 281 مليونا و588 ألف دولار. وعلق المصدر بأن ذلك قليل، لأن عدد الدول التي كانت تستورد القطن المصري كان 04 دولة. ولم يرجع المصدر إلي »رفض« بقية الدول لقطننا.. وإنما للظروف الأمنية وخشية هذه الدول من ألا تستطيع مصر تلبية احتياجاتها، فدبرت نفسها هذا العام من دول أخري. القطن المصري له عظمته في العالم، وأن الذين سيطروا علي أمور بلادنا هم الذين أنزلوه من علي عرشه. فقد ألقي د. مختار خطاب وزير قطاع الأعمال الأسبق محاضرة في كلية زراعة القاهرة في ديسمبر 0102 قال فيها بالحرف أن المسئول عن انهيار القطن صناعة وزراعة هو الحكومة المصرية التي انصاعت بدون بحث لتوصية البنك والصندوق الدوليين، بعدم ضخ الدولة لأي استثمارات في صناعة الغزل والنسيج، وفوراً مساحة القطن انخفضت من نصف مليون فدان الي 003 ألف فدان. وتراكمت ديون الشركات، وتخلفت المصانع، وبيع منها الكثير، وتدهورت أحوالها حتي صارت أجور عمالها تدفع من خزانة الدولة شهراً شهراً! حدث ذلك بينما خبراء القطن وفي مقدمتهم الدكتور محمد السيد عبد السلام رئيس الجمعية العلمية لانصار القطن المصري يفاضل منذ سنوات طويلة دفاعآً عن استراتيجية متكاملة للزراعة والصناعة والتجارة، نشرنا تفاصيلها منذ سنوات.. ولا حياة لمن تنادي. لأزمة القطن حلول ممكنة: أولها حل التناقض بين الزراعة والصناعة فالزرعة الان تنتج اقطانا طويلة وفائقة الطول بينما 09٪ من مغازلنا تشتغل علي أقطان قصيرة التيلة وهكذا نعتمد في تسويق قطننا علي السوق العالمي بكل تقلباته ومنافساته. ونستورد لمصانعنا أقطانا قصيرة! الحل الذي يقدمه الدكتور محمد السيد عبد السلام هو، لحين ابتكار اصناف مصرية قصيرة التيلة وغزيرة الانتاج.. نزرع صنف الابلند الامريكي قصير التيلة، والذي أنتج منه الفلاحون 21 قنطاراً من الفدان، مقابل 5.6 قنطار من الصنفين جيزة 08 وجيزة 09. علي أن يحصر الابلند في الصعيد ابتداء من الفيوم، ويحلج وتعصر بذوره داخل الصعيد، حتي لا يحدث أي اختلاط مع الاصناف المصرية الممتازة. وبذلك نسد محلياً احتياجات صناعتنا، ونستغني عن الاستيراد. وفي نفس الوقت يجري تحديث مصانعنا شيئاً فشيئاً حتي تستوعب كل اقطاننا الطويلة التيلة وفائقة الطول. مع إضافة قيمة مضافة عالية لمصنوعات اقطاننا من غزول وتريكو ومنسوجات وملابس. وإذا كان البعض عندنا يائسين، بحجة أن الغالبية الساحقة من المستهلكين يلبسون الكاچوال والجينز والمنسوجات الرخيصة المصنوعة من الاقطان القصيرة.. فأصحاب الرأي الآخر يردون: هذا صحيح.. لكن ايضا الاغنياء في العالم يتزايدون. وأن الاقطان طويلة التيلة والممتازة لا يزيد نصيبها من الانتاج العالمي عن 2٪ فقط. حكي لي الدكتور محمد عبد الرحمن نجم رئيس قسم الغزل بمعهد بحوث القطن. والحاصل علي جائزة الدولة التشجيعية لنجاحه من تحويل عوادم الغزل الي منتجات نسجية ذات قيمة. وأيضاً استطاع أن ينتج بأرفع وأدق خيوط غزل في العالم مسجلة عالمياً باسمه.. حكي لي ان الهر »شالر« ممثل شركة »زنسر« الالمانية العالمية لانتاج آلات الغزل، عندما حضر لمصر، رفاقه الدكتور نجم. وعندما فتحت أمامه بالة قطن مد كفيه وملأهما، بشوق مدهش، وقربهما من أنفه، وأخذ نفسا عميقا، وقال لمرافقه: عندما أعود لبلدي سأذهب الكنيسة وأصلي وأشكر الرب أن جعلني أعيش لاشم رائحة القطن المصري«. فرت الدمعة من عيني المرافق.. فالأجانب يعظمون قطننا.. أما نحن فنهينه.. في وطنه. وكان ذلك عام 8002!