ما أشبه اليوم بالأمس.. السائد في مصر الآن هي أفكار ومبادئ ومبادرات تقود مصر إلي مزيد من الغليان والانهيار.. وهناك مدرستان إحداهما تسعي وتبشر للبناء والتقدم »وأنا منهم«، والثانية تؤكد استمرار الانهيار والانقسام.. وقد برزت ما بعد الثورة »الفلسفة التوافقية« وهو العنوان الراقي لمؤامرات الغرف المغلقة.. برزت »أولا« في مشروع اختطاف وطن.. وبرزت »ثانيا« في محاولة اختطاف رئاسة الوطن.. وللفلسفة التوافقية جذور راسخة في التاريخ السياسي المصري منذ أكثر من ثلاثين عاما.. وكنت ولا أزال وسأبقي معارضا قويا لكل الفكر والممارسات التآمرية التوافقية باسم الديمقراطية.. وأعتقد أن ما حدث خلال عام سيدرس في كل معاهد الدراسات السياسية في العالم لكيفية التوافق في الاستيلاء علي وطن.. ورئاسة وطن. وأتعجب لثورة مرشحي الرئاسة علي فكرة »الرئيس التوافقي«.. كيف تعارضون فكرة التوافق علي شخص بينما تقبلون »التوافق« علي وطن؟؟؟ وأين كل منكم من المشهد الحالي للوطن وديمقراطيته، ولتسهيل الموضوع اسأل كل مرشح غير توافقي اسئلة محددة في المسألة التوافقية.. أولا هل توافقون علي ما قام به المجلس العسكري من إجراءات توافقية مع التيار الديني أدت إلي تفتيت وإقصاء وتهميش القوي الوطنية للثورة المصرية بهذه الصورة الفجة؟، ثانيا هل توافقون علي الإطار السياسي »التوافقي« الذي أدي إلي أسلوب ونتائج الانتخابات التي مكنت التيار الديني بهذه الأغلبية والتي تشبه أغلبية النظام السابق؟.. وإذا كانت إجاباتكم بالموافقة فأنتم شركاء متضامنون في المشروع التوافقي القومي.. وإذا كانت إجاباتكم بلا فكيف تشاركون في حكم يبني نظاما توافقيا بأشكال انتخابية منمقة ونزيهة الأداء توافقية الإطار.. ما أشبه اليوم بالأمس.. هذا الاجتياح المتميز لانتخابات الشعب والشوري هو نماذج متكررة لما كان يصيغه النظام السابق وأقطابه.. فهل ضاع الوطن بأكمله أم أنه يولد من جديد؟.. المتابع للأحداث يري تشابها وتواصلا في الانهيار والتدمير المادي والمعنوي للمصريين، وفي الفساد السياسي والفساد الأخلاقي، وفيما يحدث داخل الغرف المغلقة علي كيفية السيطرة علي مقدرات الوطن وكيفية الاختيار التوافقي لرئيس البرلمان ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية.. بل في إحلال وتجديد رأس المال الوطني أيضا »بالفلسفة التوافقية« أو »الغرف المغلقة« ما حدث في ثلاثين عاما يحدث منذ الاسبوع الثاني من فبراير الماضي أي أننا نحتفل هذه الأيام بسنة أولي توافقية ثورية وبداية الفساد الجديد.. وضاعت الديمقراطية.. وضاع حلم الشعب الثائر وثوار الشعب.. فساد الوطن هو فساد الساسة وفساد المنهج وفساد الأسلوب.. ما نراه الآن هو نموذج متكرر للمدرسة الميكافيلية والمدرسة التوافقية »التآمرية والمحتكرة«.. ما يجب أن نواجهه بشجاعة ووضوح وشفافية وجرأة أن ما هو علي الساحة ليس بالديمقراطية التي نحلم بها أو يحلم بها المصريون.. الديمقراطية التي يحلم بها المصريون هي ديمقراطية للجميع وليست لديمقراطية الفريق الأوحد.. لن تكون توافقية الأمس ولن تكون توافقية اليوم.. السؤال الحاكم هو أي وطن.. نريد وطنا للبعض؟ أم وطنا للكل؟.. وطنا ينحاز لتيار يحتكر أم وطنا ينحاز لشعب يحكم؟.. وطنا به تعددية حقيقية أم وطنا به فاترينة ديمقراطية.. وطنا يحتضن رأي الأضعف أم وطنا يحتكر بصوت الأقوي.. وطنا وسطيا لرجل وأمرأة، ومسلم ومسيحي أم وطنا يشعر فيه فرد واحد بالغربة.. وطنا لحرية الدين والفكر والعقيدة مرجعه الإسلام، أم وطنا يحتكر كل فكر باسم بعض من يفسر الإسلام.. وطنا للكراهية والغدر، والانقسام والإقصاء أم وطنا للحب والمصالحة، والوحدة والمشاركة.. مستقبل مصر هو في ديمقراطية حقيقية تنتخب رئيسها وبرلمانها، حكوماتها ومحافظاتها، جامعاتها وجمعياته.. لكل المصريين وبكل الأحزاب وكل الفئات وكل الأديان.