تعيش مصر انقسامات حادة.. أجمل ما فجرته ثورة 52 يناير هي هذا الفيض من الوطنية والحب والمواطنة والمشاركة وأسوأ ما نتج بعد يناير هي الانقسامات الخطيرة بين المصريين دينيا وعقائديا، سياسيا وايديلوجيا... مشاهد الانقسام عديدة ومؤسفة بل ومؤلمة منها أولا: حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية وكنيسة أطفيح وأحداث ماسبيرو وقبلها نجع حمادي وتوابعها من أحداث هزت الوطن وركائز الوحدة الوطنية والمحبة التي عاش بها المصريون عبر العصور والتي برزت صورها الرائعة في مسيحي يحمي المسلم في صلاته في ميدان التحرير اثناء الثورة ومسلم يحمي الكنيسة في مدينته وقريته... مشاهد لحدة النقيضين بين قسوة الإجرام وعمق المحبة... وثانيا: ما يتابعه المصريون من احاديث لقيادات سلفية ترد المجتمع الي عصر الجاهلية وتدمر عصور التحضر الإنساني وتلغي مفاهيم المواطنة سواء لمسيحي أويهودي أو حتي لمسلم أو علماني، صورتها وسائل الاعلام كنماذج حية لالغاء الآخر والاعتداء علي المفاهيم الاساسية لحقوق وحرية الإنسان... وثالثا: انقسام يزداد حدته بين مجموعات التيار الديني والإخوان المسلمين من جهة وبين المتشددين من الأقباط والمسيحيين والكنيسة من جهة أخري. الهوية المصرية هي لمسلم ومسيحي، وإخواني وليبرالي وعلماني وسلفي وليس لأحد منهم فقط... وكأننا نتناسي أن مصريتنا هي الأصل والهوية... وأن التحيز والانقسام الديني والطائفي هو أكبر خطر تواجهه مصر الآن. رابعا: تعيش مصر انقساما سياسيا خطيرا من مجتمع قضي علي ديكتاتورية الحزب الواحد بالأمس وحرمان الوطن وتياراته من الممارسة السياسية الحقيقية كان أبرزها الجماعة المحظورة »الإخوان المسلمون« والتقدميين والليبراليون والاشتراكيون »في فترة من الفترات« بل محاربة كل صوت وكل قيادة تسعي للإصلاح والتغيير... واليوم يتحول المجتمع -وللأسف- الي أغلبية للتيار الأوحد يقوده الإخوان المسلمون ويسعي لحذف الآخر... محظور الأمس أصبح غير محظور اليوم... وأغلبية الأمس أصبح محظورا اليوم... تحول خطير لا يبشر بديمقراطية بل وينذر بديكتاتورية جديدة. خامسا: انقسام بين مؤسسات التيارات والاتجاهات الوطنية أساسه عدم التكافؤ السياسي والمالي والزمني بين أكثر من 74 من الأحزاب الوليدة والتي لا يزيد عمرها علي 9 أشهر والأحزاب الدينية التي تمارس السياسة باحتراف... ما حدث ويحدث هو تنافس غير متكافيء في الزمن والإمكانات المالية والمعلومات والدعم والعدالة والتكافؤ يؤدي الي انقسام بين المؤسسات السياسية اللازمة للديمقراطية هذا الانقسام يؤدي لتزييف إرادة أمة وتدمير لركيزة الديمقراطية المنشودة. سادسا: انقسام حول الفكر والثقافة والفنون فيه هو أيضا إقصاء الآخر فكرا أو عملا، حرية أو مذهبا موضوعا وشكلا... ويضيع الوطن في قضايا حسمتها الأجيال عبر قرون من الزمان... سابعا: انقسام قادته الحكومة السابقة مع الشعب والثورة أدي إلي انهيار الوطن وضياع ما يزيد علي أربعمائة مليار جنيه... أدعو للحكومة الجديدة المبشرة بأن تطلق نوبة صحيان وثورة بناء في كل انحاء الوطن. ثامنا: انقسام عشائري حيث ينادي أهل النوبة وأبناء سيناء وغيرهم بحقوق زايدت عليها حكومات ونظم سابقة... ويؤدي استمرار الاحتقان بشأنها الي انقسامات غير معلوم مداها. تاسعا: انقسام حول معاهدة السلام وخطورته أن عدم الإدراك الحقيقي والسياسي والواعي له يمكن أن يعيد مصر لعصر الحروب من جديد... بل إن هناك من يدعي بسيناريو لاحتلال سيناء. عاشرا: انقساما علي أولويات العمل والأشخاص والأحزاب والتيارات ودور النخبة والقوي الوطنية والدستور والمؤسسات وبيئة وهيكلة الوطن... انقسامات حادة في المجتمع وصراع بين اعادة الهيكلة أو بناء هيكل جديد لانطلاقة بناء... فهل تبني الأمم بالانقسام أم بالوحدة... مطلوب وعي ورشد وقيادة وعمل لتحويل انقسام أمة الي وحدة وطن... للانطلاق بل والقفز الي طريق التقدم والتنمية والرخاء.