علي الرغم من أن الكاتب مدحت بشاي يقول إنه لم يصدق تعليق البابا شنودة الثالث علي دورات مؤتمرات التيار العلماني بأنهم كالبوم الذي ينعق في قرح الكنيسة إلا أنه اتخذ من هذه المقولة عنوانا لكتابه الصادر حديثا علمانيون أقباط علي أجنجة البوم والذي جمع فيه بعضًا من مقالاته كشهادة حية للتيار العلماني علي الواقع القبطي والمصري خاص وعام ومنها سوق المواطنة وبيان الستة وكنا نصلي ونسبح والآن نفتي ونحرم والانجيل في مصر قبل استكشاف أمريكا والدين للَّه والإبداع للوطن والعلمانيون وأفكار لا تموت.. الكتاب تضمن وهذا أمر غريب نشر المقالات والدراسات التي تم تقديمها للقاءات التيار العلماني الأول والثاني وهي مقالات سبق للمفكر كمال زاخر منسق التيار العلماني أن نشرها في كتابه العلمانيون والكنيسة. ولا ندري ما هي الفائدة من إعادة نشرها إلا المثل التكرار يعلم الشطار. إلا أن هذا لا ينفي القدر المهم الذي قدمه الكتاب وخاصة في جزء الاستهلال مفيد الذي قال فيه الأستاذ مدحت لقد كانت الكنيسة تسمح بقدر هائل من الممارسات الديمقراطية حتي حقب قريبة وعبر المتاح من وسائل إعلام محدودة لكنها كانت تبقي كافية ومؤثرة. وليسمح لي القارئ العزيز أن أعرض في البداية بعضا من فكر المفكر الرائع سليمان نسيم في مجلة مدارس الأحد يتحدث فيه عن خلل إداري في الكنيسة المصرية ينبغي اصلاحه. ولم تقم الدنيا في حينها ولم يغضب وكلاء المؤسسة الدينية المسيحية. لأن قياداتها في تلك الفترة كانت تتعامل مع قضايا التطوير والإصلاح بموضوعية وثقة في تفهم شعبها بشكل عام والنخبة منه بشكل خاص لتحقيق هدف ينشده الجميع للكنيسة المصرية. ولم يكن هناك انفتاح رذيل علي الإعلام عبر شهوة مقيتة للظهور والشهرة والمتاجرة بالشأن الديني.. وأري أهمية إعادة تذكير المعنيين بأمر كنيستنا المصرية العتيدة بأطروحات الرجل كمفتتح و.. المقال حمل عنوان الأسس العلمية للإدارة الكنسية والإدارة هنا تعني توفر مجموعة من المفاهيم والنظم والاساليب الكفيلة بتنظيم عمل ما والتنسيق بين عناصره بحيث تتحقق الغايات المقصودة منه بأقل تكلفة والسؤال الذي طرحه المقال هو أين كنيستنا من هذه المبادئ والمتغيرات جميعًا؟ ويقول بشاي إنه في نفس العدد من مجلة مدارس الأحد يوجد مقال سليمان نسيم يعد مثالاً لروعة الأداء النقدي الذي كانت ترحب به الكنيسة حتي أنها كانت تسمح بالنشر في مجلة تابعة لها طبعا أصبح هذا الأمر الآن غير ممكن وهو الأمر الذي جعل الذين ينقدون الكنيسة يكتبون في الصحف العامة ونعود للمقال الذي كان بعنوان 9 معاثر في حياتنا الكنسية لابد من تجنبها وهذا نصها للجيل الجديد من شباب الكنيسة الذي لم يعد من الممكن أن يري مقالات نقدية في مجلتها يقول الكاتب: إن الإنسان ليتساءل في حيرة: ما هذا الذي يحدث في الكنيسة القبطية الآن؟!.. والذي تنشر أخباره بتفصيل دقيق في الصحف والمجلات العامة ضمن أخبار المجتمع الصاخب والصراعات السياسية والمذهبية والدولية في كل مكان، وسط المقالات والتحقيقات، ذات الصيغة المهذبة وغير المهذبة! وكأن الكنيسة، التي هي أصلاً موضوعة في العالم واحة للسلام ومنارة للأمم، وميناء للسلام والأمان وسفينة للنجاة، قد صارت هي أيضًا ضمن بؤر التوتر والشقاق والمنازعات التي تسود العالم اليوم. يا اللَّه! أهكذا صارت أخبار الكنيسة؟.. أما آخرها فكان خبر هذه الأحداث المؤسفة بل هذه المأساة المحزنة المبكية التي حدثت في كنيسة القديس أبوسيفين يوم عيده في مصر القديمة، والتي تعرض فيها أبونا قداسة البابا رمز الكرسي المرقسي الاسكندري من مهانة تأسف عليها كل قبطي ومسلم علي حد سواء. إنها حلقة في سلسلة أحداث فوجئ بها الشعب القبطي علي مدي السنوات الطوال الماضية وكلها تتلخص في الآتي: ثقة لا حد لها توضع في شخص، ثم فجأة شكوك لا حد لها، ثم ضربة قاضية، ثم تشهير في الصحف وفي الكتب التي يصدرها صحفيون يقصد كتب محمود فوزي مع البابا. شيء لم نسمع به من قبل، ولم يفعله أحد من قبل ولم يحدثنا التاريخ بمثله إلا في عصور الصراعات التي أفرخت انقسامًا حادًا في الكنسية مازالت تعاني منه المسيحية في العالم حتي اليوم! ما هذا الذي يحدث في الكنيسة! وبأي وصف يمكن وصفه؟ وإلي متي يستمر ذلك؟ ومتي ينتهي؟ لا شك أن هناك خللاً ما في آلية إدارة الكنيسة وتدبير شئونها وراء كل ذلك الأمر الذي نخشي معه أن يتكرر في المستقبل أيضًا ما حدث بالأمس وأول أمس فما هو هذا الخلل؟ وما هي طرق إصلاحه والوقاية منه مستقبلاً؟ أي ما الضمانات التي تحمينا من تكراره؟ يصعب علي المرء أن يحدد ويركز علي عنصر واحد من مجموعة عناصر متعارف عليها تقليديًا وتاريخيا لابد من توافرها في تدبير الكنيسة وإداراتها، فإذا أتي مسئول وتغاضي عنها حدث هذا الذي حدث. لكننا نعرض هنا لبعض الأسئلة والتساؤلات التي يتداولها المهتمون بالشأن الكنسي، نعرضها لعل الجميع، وعلي رأسهم المسئولون أن يحاولوا بروح الانفتاح مناقشتها والإجابة عنها بطريقة تدلهم علي طريق للحل والنجاة مما يمكن أن يؤدي به هذا الخلل في آلية الإدارة والتدبير من أذي وخطر علي الكنيسة ورسالتها حاضرًا ومستقبلاً. المواجهة الشخصية ما لاحظه الشعب القبطي وعلق عليه هو: المواجهة الشخصية للراعي الأكبر مع مرءوسيه من كهنة أو رهبان أو علمانيين أعضاء الشعب ممن يخدمون في الكنائس والإيبارشيات والمعاهد، هذه المواجهة الشخصية التي ظهرت بأجلي وضوح في حادثة كنيسة أبوسيفين. وقد تأسف الجميع للوضع الذي وضعت فيه القيادة الكنسية العليا في موقف خصومة شخصية مع راهب كاهن، مع أن كرامة الأب تكمن في أن يظل في موقع الراعي والأب، ويظل هو المرجع والحكم النهائي الأخير بين المتخاصمين والمتنازعين من خدام وأعضاء شعبه، والسؤال الذي جري علي ألسنة الجميع، ألا توجد قيادات كنسية حكيمة في رتب أقل كان يمكنها التعامل مع الأحداث اليومية للكنيسة بطريقة هادئة منظمة وتدبرها تدبيرًا حسنا حكيما بما ينأي بالأب البطريرك عن مثل هذه المواجهات الشخصية، والتي حدثت مع أفراد عديدين من جميع الرتب الكهنوتية أو من الشعب؟ وتتداعي الأفكار فنتساءل ونسأل بعض المسئولين الذين كانت قد أثيرت ضدهم مؤاخذات حادة بسبب سلوك أو تصرف غير لائق، فبدلاً من أن يتراجعوا تراجع الشجعان ويحاولوا أن يصححوا من مواقفهم، أو يرجعوا عما تمادوا فيه، بدلاً من ذلك تسببوا في أن تقوم القيادة الكنسية العليا بالدفاع عن مواقفهم واعتبار من يمسهم كمن يمس الأب الأكبر نفسه! لماذا وضعوا قداسة البابا في هذا الوضع المحرج غير العادل؟ إننا نقصد أولئك الآباء الذين أساءوا استخدام السلطان الكهنوتي بل استخدموه في غير ما وضع له، فأهانوا أولاً صاحب السلطان ومانحه، اللَّه عز وجل، وأساءوا ثانياً إلي الكثيرين من الآباء الكهنة وأعضاء شعب الكنيسة القبطية في مصر والمهجر، وذلك بخلاف ما يسمح به القانون الكنسي المختص بالتأديبات الكنسية، ثم أساءوا ثالثًا إلي شخص الجالس علي عرش مارمرقس وأحرجوه وجعلوا أخطاءهم كأنها منسوبة إلي قداسته ومحسوبة عليه! ثم نقصد أيضًا أحد المسئولين الماليين في الكنيسةالذي نسبت إليه تجاوزات مالية عديدة، لماذا يحرج قداسة الأب البطريرك ولا يترك المجال لمن يكون في وضع يعلو علي الشبهات، فتنتفي العثرة وتستقيم الأمور وتكف الإشاعات إن كانت مجرد إشاعات؟ المخاصمة الشخصية لقد استبشر الجميع خيرًا يوم تولي قداسة البابا مقاليد الكرسي البطريركي الإسكندري، وعلي الأخص رفقاؤه في الخدمة السابقون الذين كانوا يخدمون معه أو كانوا معاصرين له، بل ومعلموه وآباؤه الروحيون الذين كان قداسته يستمد الكثير من مبادئه وتعاليمه منهم قبل رهبنته وبعدها، وكان من المتوقع أن يستمر التعاون والتشاور بين رفقاء المسيرة والخدمة السابقين، ولكن بمرور الوقت أهمل أصحاب الكفاءات الروحية والعلمية اللاهوتية في الكنيسة واستعيض عنهم بالشباب غير المهيأ والذي لم يحصل من الخبرة والمعرفة ما كان للخدام القدامي هؤلاء. إن كنيستنا هي كنيسة تقليدية، أي كنيسة استلام وتسليم، يسلم فيها الأقدمون والمختبرون الأجيال الصاعدة والشباب المبتدئين، هكذا تواصلت مسيرة التعليم والحياة المسيحية في الكنيسة منذ عصر الرسل مرورًا بآباء الكنيسة الأبرار وحتي عصرنا الحاضر، ولكن هذا التسليم توقف بتجاهل دور الشيوخ (أي شيوخ الخبرة والمعرفة) والاعتماد فقط علي حديثي السن والمعرفة والخبرة ممن يدينون بالتبعية والطاعة المطلقتين! وليت الأمر اقتصر علي ذلك بل وعلي المدي برزت ظاهرة مؤسفة أقلقت الكنيسة ومازالت، تلك هي ظاهرة الخصام والمقاطعة أي مخاصمة بعض هؤلاء القدامي ومقاطعتهم، وبهذا خسرت الكنيسة جيلاً تحلي بالخبرة والمعرفة، خسرت فيهم شخصيات وآراء ومبادئ ومواقف، لكن هذا الخصام وتلك المقاطعة امتدا أيضًا في السنوات الأخيرة إلي التجريح والتشهير بل والاتهام إما بالهرطقة أو بالخطأ أو بالخيانة وأعلنت هذه الاتهامات علانية في كتب وعظات وغيرها من وسائل الإعلام المختلفة، ولأول مرة تدخل كلمات وألفاظ في مجال الحوار داخل الكنيسة لم تكن تتداول في المجال الروحي بل هي من قاموس مصطلحات عالم السياسة والدنيا! وخسرت الكنيسة وتعثر الشباب في قادة الكنيسة كلهم لأنه ليس حسنًا أن يقف معلم أو كاهن من أي رتبة كهنوتية كانت ليحض الناس أن يكره أو يحب، أن يكره إنسانًا ويحب إنسانًا آخر، ليس هذا من مبادئ التعليم والتربية الروحية المسيحية لأن المحبة في المسيحية هي قوة إيجابية دافقة، إنها الحياة ذاتها بل هي اللَّه اللَّه محبة بينما البغض والكراهية هي ظلمة وعدم ودمار، فكيف تبذر في نفس شاب بذرة الدمار وبذرة الحياة معًا، إن بذرة الدمار كفيلة بأن تدمر كل شيء حتي الحياة نفسها، كما أن الاتهام بالهرطقة ليس بالأمر السهل وليس من صلاحيات أي كاهن مهما علت رتبته، إنها مهمة المجمع المسكوني الذي يحكم بحسب الإنجيل والتقليد الصحيح. تأثر القرار الكنسي لقد كان من نتيجة ذلك أن سرت في الوسط القبطي رذيلة تصنيف الأقباط بحسب ما يعتبره الرئيس الديني أنه انتماء إلي هذا المعلم أو إلي ذلك الأب أو إلي غيره من المعلمين، أمر لم يحدث إلا أيام الاضطهادات والهرطقات المظلمة في القرون الأولي، فكان أن أدي إلي ما أدي إليه من انقسام المسيحية إلي كتل وشيع وطوائف، ظلم فيها آباء قديسون ومعلمون لاهوتيون أبرار مثل البابا ديوسقوروس والقديس يوحنا ذهبي الفم وغيرهما. وهكذا تأثر القرار الكنسي بهذه العملية من تصنيف مفتعل ليس له وجود إلا في مخيلة المصنف ليظهر بعد ذلك في الرسامات وفي التعامل مع المؤسسات الكنسية ومعاملتها، وفي الحكم علي الأشخاص وآرائهم وكتاباتهم وفي كثير من مجالات الحياة اليومية للعمل الكنسي، لقد أصبح القرار الكنسي مشوبًا بالانحياز ضد أو مع حسب نوع تصنيف الانتماء الذي يختاره المصنف!