جلال عارف يبدو أن علي المبدعين في كل أنحاء الوطن العربي أن يستعدوا لأيام صعبة قادمة، الثورات التي أطلقت الآمال بربيع الحريات تواجه محاولات شرسة لاختطافها، والديكتاتوريات التي سقطت تركت الشعوب أمام خطرين: الفوضي أو الاستبداد بطريقة أخري! ما واجهناه في مصر في الفترة الماضية من تصرفات وتصريحات معادية لحرية التعبير، تبدو الآن جزءا من تيار يتصاعد في المنطقة، وإذا لم يواجه بحسم فإن العواقب ستكون أخطر مما يقدر الكثيرون. قبل أيام، ومع الذكري الأولي لثورة الأشقاء في ليبيا التي أسقطت نظاما كان يستحق السقوط منذ سنوات بعيدة، قام بعض المتشددين بتحطيم تمثال لعبدالناصر، ومهما كان جهل من قاموا بذلك، فإنهم يعلمون أن عبدالناصر لا يحتاج لتمثال، وأن مكانه هو في قلوب الملايين وفي ضمير الأمة، ولكنهم كانوا يعلنون موقفا من الفن والإبداع، ومن تحريم التماثيل وتكفير من يحتفون بالحضارة والفنون. وكأن كل أئمة الإسلام كانوا غافلين عن ذلك منذ نزل الإسلام نوراً وهداية للعالمين، حتي جاءنا هؤلاء الجهلة بالدين الحنيف ليخضعونا لأفكار »تورا بورا« وقبائل قندهار! وفي تونس.. انتفض وزير الثقافة قبل أيام ليعلن الحرب علي بعض المطربين والمطربات بحجة انه ضد التعري وعدم الالتزام، وبكل حسم أعلن الوزير ان المطربة أليسا والمطربة نانسي عجرم لن يشاركا في مهرجان قرطاج إلا علي جثته! وأن المطربة شيرين عبدالوهاب والمطرب تامر حسني دخلا أيضا في قائمة الممنوعات! والمهم انه حين قيل له انه يمارس نوعا من الديكتاتورية الفنية، أقر بأنه يمارس »ديكتاتورية الذوق السليم«!.. وأنا شخصيا لست من عشاق هذه الأصوات »ربما باستثناء شيرين حين تحسن الاختيار« ولكن.. عندما أسمع عن ديكتاتورية الذوق السليم أدرك جيدا اننا نسير في الطريق إلي محاكم التفتيش! وبمناسبة المحاكم.. فأنا أرجو أن يتم التعامل بجدية مع الحكم الغيابي الصادر بحبس الفنان عادل إمام ثلاثة شهور بسبب أفلام قدمها منذ سنوات طويلة ومنها فيلم »الإرهابي«، ويبدو أن البعض أراد استغلال الخلاف حول مواقف سياسية لعادل إمام قبل الثورة وأثناءها لكي يوجه ضربة لحرية الإبداع، وهو ما لا ينبغي السماح به بأي حال من الأحوال، فالخلاف حول مواقف عادل إمام وآرائه شيء، والسماح بالمحاكمة الدينية لأعماله شيء آخر سيضع حرية الإبداع في مهب الريح! الموقف جاد، والهجمة لن تتراجع بسهولة، والتركيز بالطبع سيكون علي مصر، ولكن مصر أقوي مما يتصورون، والمبدعون فيها عليهم أن يحموا كل المبدعين العرب من أجل التصدي لمحاكم التفتيش و»ديكتاتورية الذوق السليم« التي تنتهي دائما مثل كل ديكتاتورية بمعاداة الحرية والحياة والحب والجمال، وتكتفي من الإبداع ب »ثكلتك أمك يا ابن عكرمة«!