مهما تعالت أصوات تسعي إلي إثارة مشاعر الخوف في نفوس المبدعين علي مستقبل إبداعهم الفني، فإنني علي يقين بأن المبدع الأصيل، الذي عاش أحلك سنوات القهر والاعتقال والتضييق علي الحريات. ونجح في تمرير روائع أدبية وفنية قاومت الظلم والقهر والتفتيش داخل الصدور؛ بإمكانه أن يسهم في صنع غد أفضل لمصر التي تستعصي علي من يفكر في النيل منها ومن حرية أبنائها المبدعين، شريطة أن يمتلك القدرة علي الاستجابة لما تمور به الساحة المصرية من أفكار، وأفكار مضادة. ومن هذا المنطلق هب الكتاب والمبدعون بجميع طوائفهم وتوجهاتهم لإعلان موقفهم مما يحدث في مصر الآن؛ مؤكدين أنهم لن يفرطوا في أرض اكتسبوها، ولن يقبلوا بتراجع مكانة الفن في مصر التي ستظل صاحبة الريادة في المنطقة. ومن هنا أجد من واجبي الإشادة بوعي الصديق الشاعر جمال بخيت في صياغته لقَسَم الإبداع، الذي ألقاه علينا المخرج خالد يوسف في جمع حاشد من الفنانين والمبدعين اطلق عليه "جبهة الإبداع المصري" هذا نصه: "أقسم بالله أن أكون مخلصا لقيم الحرية، أقسم بالله الذي منحنا الحرية، أن أدافع بكل كياني عن هوية مصر وتراثها الحضاري بكل منجزاته الفنية والأدبية والفكرية والأثرية، أقسم بالله أن أكون مستعداً للتضحية بحياتي ثمناً لحقي وحق الآخرين في التعبير عن الرأي بكل حرية". هذا القسم الذي جسّد مسئولية كل فنان، ودعا الجميع إلي الخروج في مسيرة حاشدة من دار الأوبرا إلي مجلس الشعب مع افتتاح برلمان الثورة، لتقديم (وثيقة صيانة الحريات والإبداع الفني) إلي نواب الشعب الجدد، بعد أن انتهي هؤلاء المبدعون إلي وجوب حماية حرية الإبداع والتعبير والبحث العلمي، وكذا صون حق المعرفة والكشف عن المعلومات وتداولها، باعتبارها من الحقوق الأصيلة التي كفلتها الدساتير، ولأن حماية هذه الحقوق ليست مهمة المبدعين وأصحاب الرأي فقط، وإنما هي واجب جميع مؤسسات الدولة وهيئاتها لكونها حقوقاً سابقة علي الدساتير التي جاءت لحمايتها. وأشار محمد سلماوي، رئيس اتحاد الكتاب، إلي أن هذه رسالة صريحة لأعضاء البرلمان الجدد بأنه لا مساس بحرية التعبير، بل هي بمثابة خط أحمر لا يجب تجاوزه، موضحاً أن اتحاد كتاب مصر كان سبّاقاً إلي إصدار وثيقته التي تطالب بحرية التعبير، مؤكداً أن هذه الوثيقة يجب أن تحظي باهتمام أعضاء برلمان الثورة، الذين لا يغيب عنهم بالطبع أن تخوفاً بدأ يقلق المثقفين من العبث بالإبداع والتراث الفني. ويطمئننا الروائي الكبير بهاء طاهر -الذي يحرص دائماً علي القيام بدوره في مثل هذه المواقف الوطنية- علي أن المثقفين لن يسمحوا بتراجع الدولة الحديثة إلي حقب معادية لحرية الفكر والإبداع. وأما الفنان التشكيلي محمد عبلة فيذكر أن من أهداف تأسيس جبهة الإبداع المصري: إحداث قوة ضغط منظمة من جماعة المثقفين للمشاركة في كتابة الدستور الجديد لمصر، والحفاظ علي تراثنا الفني والذود عنه في مواجهة الدعوات الهدامة والهجمات العنيفة التي يتعرض لها. وبدوره يري الدكتور شاكر عبد الحميد، وزير الثقافة، أن الثقافة المصرية لن تفقد أية مكتسبات سعت إليها ثورة الخامس والعشرين من يناير، مؤكداً أنها قادرة علي حماية حريتها بمثقفيها أياً كان التيار المهيمن علي الحياة التشريعية المصرية. وطوال الأسبوع الماضي وأنا أتلقي ردود فعل مساندة لهذا الموقف الذي يتسم بالوعي والروح الثورية من قبل جماعة المبدعين والمفكرين المصريين، وهذا التفاعل المساند لموقف مبدعينا لم يقتصر علي المصريين وحدهم بل تعداهم إلي أشقائهم العرب شرقاً وغرباً.