أحمد طه النقر كنتُ أتمني أن أُصدق المجلس الاعلي للقوات المسلحة والحكومة الانتقالية في انتقادهما للولايات المتحدة بشأن التمويل الاجنبي لمنظمات المجتمع المدني واستنكار تقاعس الدول العربية النفطية عن مد يد العون لمصر رغم إعلانها عن تقديم مساعدات بمليارات الدولارات بعد ثورة 25 يناير 2011. يحاول المجلس والحكومة إقناعنا بأن هناك معركة كرامة يخوضانها ضد الولاياتالمتحدة وتدخلها في شئوننا الداخلية، وبناء عليه فإن واجبنا كمصريين أن نهب للدفاع عن كرامة وطننا..ولاشك أن كل المصريين علي اتم الاستعداد لأن يفعلوا ذلك وأكثر، ولكن عندما يثبت المجلس العسكري والحكومة أنهما جادان أولا في رفض التمويل الاجنبي، وخاصة ما يتلقاه المجلس والحكومة والجمعيات الدينية من معونات أجنبية، وثانيا في مقاومة الضغوط الامريكية والنفطية، بل والرد علي هذا الموقف المعادي لمصر وثورتها.. والاكثر من ذلك توجيه ضربة قاصمة لكل محاولات تركيع وتقزيم دولة بحجم مصر..فضلا عن ضمان توفير السيولة النقدية اللازمة لخروج البلاد من الازمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها حاليا.. يستطيع المجلس العسكري والحكومة أن يعلنا اليوم قبل الغد عن إعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين القاهرةوطهران.. هذا القرار سيحقق أكثر من هدف في نفس الوقت.. سيثبت أن المجلس والحكومة قررا أخيرا الخروج من جلباب نظام مبارك وسياساته الخارجية المنبطحة والتي لم تكن تجرؤ علي مجرد التفكير في الخروج عن الإطار الذي ترسمه واشنطن لتحقيق مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة.. وسيرد علي الموقف المعادي للثورة المصرية الذي اتخذته دول وإمارات نفطية قالت صراحة للحكومة المصرية أنها لن تقدم لها أي مساعدات إلا بعد تفاوضها مع صندوق النقد الدولي والموافقة علي شروطه !!..هكذا يسعي من يسمون أنفسهم "أشقاء" الي وضع أصفاد المؤسسات المالية الدولية في أيدينا حتي نواصل الدوران في حلقة التبعية المفرغة.. وحتي، وهذا هو الاهم بالنسبة ل"الاشقاء"، تختنق مصر اقتصاديا وتموت ثورتها التي هزت عروشهم وتهدد بإيقاظ شعوبهم حتي قبل أن يكتمل نجاحها.. ومثل هذا القرار من قبل السلطات المصرية سيوفر لنا تسهيلات مصرفية ومساعدات مالية وقروضا ميسرة لا يمكن أن تقدمها لنا دون شروط في ظروف الحصار الحالية سوي ايران.. تستطيع طهران أن تقدم لنا عشرة مليارات دولار غدا ودون شروط.. يمكنها ارسال خمسة ملايين سائح لزيارة اضرحة آل بيت النبي (الامام الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة والسيدة سكينة).. الإيرانيون أشقاء حقيقيون أعلنوا اكثر من مرة فرحتهم بالثورة التي حررت مصر من كابوس كتم علي أنفاسها ثلاثة عقود.. كما أكدوا أكثر من مرة استعدادهم لمساعدة مصر اقتصاديا لإجتياز أزمتها الحالية ..وسبق أن عبر الرئيس الايراني أحمدي نجاد لدي استقباله الوفد الشعبي المصري الذي زار طهران بعد الثورة عن استعداد طهران لإعادة العلاقات مع القاهرة فورا واكد وضع جميع إمكانيات ايران الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية تحت تصرف مصر.. وكان هناك تفاؤل كبير حينئذ بقرب عودة العلاقات الكاملة بين البلدين وذلك بعد إعلان وزير الخارجية المحترم نبيل العربي عن استعداد مصر لفتح صفحة جديدة في علاقاتها الخارجية مع مختلف الدول بما في ذلك ايران.. وقد أثار هذا التصريح إنزعاج الدول الخليجية وذيولها في الصحافة المصرية الذين تربوا في مدرسة الخيانة التي فتحها مبارك وتعلموا فيها أن ايران عدو واسرائيل صديق وحليف.. ولم يكن غريبا أن يصف الصهاينة سيدهم بأنه "كنز إسرائيل الإستراتيجي"..وعندما ترك العربي وزارة الخارجية شعر الكثيرون بأنه كانت هناك مؤامرة لإبعاده ودفنه في الجامعة العربية.. وبأنه أخذ معه الإرادة المصرية المستقلة في السياسة الخارجية.. ونحن الآن في مسيس الحاجة الي جسارة العربي ورؤيته لإستعادة دور مصر ومكانتها إقليميا ودوليا.. هذا لا يعني أن إيران ليست لها مصالح في العودة الي مصر وخاصة أنها تتعرض لحصار دولي خانق بسبب برنامجها النووي..وأن لها مطامع في منطقة الخليج، وتحتل ثلاث جزر اماراتية.. ولكن العلاقات بين الدول تقوم علي المصالح والدليل علي ذلك أن الامارات التي تقول إن إيران تحتل جزءا من اراضيها هي الشريك التجاري الاول لطهران في العالم وهناك 34 رحلة طيران مباشر بين الاماراتوايران يوميا..كما ان بقية دول الخليج تقيم علاقات ودية مع طهران وتربطها بها مصالح اقتصادية وثيقة.. إنها الدول التي تعرف مصلحتها وتملك ارادتها.. ومصر الثورة تستحق سياسة خارجية متحررة من ميراث التبعية الذي ورطنا فيه نظام حسني مبارك.. وعندما تملك مصر قرارها الحر وتعلن حتي عن مجرد نيتها لإعادة العلاقات مع ايران ستأتي امريكا وذيولها راكعين لكسب رضاها.. ويهرول اليها الاشقاء فاتحين أحضانهم وخزائنهم، ناهيك عن المكاسب التي ستعود علي مصر واقتصادها وأمنها القومي نتيجة عودة العلاقات ثم تعزيزها مع ايران.. أما إذا قام محور ثلاثي بين مصر وايران وتركيا، وهي القوي الكبري الأكثر تأثيرا في الاقليم فإن ذلك سيعيد رسم الخريطة السياسية والاقتصادية للمنطقة ويعزز الامن القومي المصري الي حد بعيد نظرا لما لطهران وأنقرة من نفوذ وتأثير علي الساحة الدولية وخاصة في القارة الافريقية التي اهملها نظام مبارك وبدد رصيدنا فيها حتي بات نهر النيل، شريان الحياة الرئيسي لنا، مهددا بخطر عظيم.. وتفاقم هذا الخطر بالطبع بعد انفصال جنوب السودان.. والخلاصة أنه لو اراد المجلس العسكري والحكومة رد الصاع صاعين لامريكا واتباعها، وكذلك إنقاذ الثورة، فعليه إعادة العلاقات مع ايران فورا.. وساعتها سيكون الشعب المصري يدا واحدة معهما وسيقف خلفهما صفا واحدا أيضا..