البرلمان الصينى يتبنى التحول التكتيكى فى توجهات الحكومة طويلا تمرن التنين علي إتقان وثبة النمر، حتي احترفها، فصار يجمع بين قوة الأول، وخفة الثاني، ومن تنمية القوة إلي قوة النمو، صنعت الصين نموذجها الذي لا تعوزه أي من عناصر القوة الشاملة. الصعود الصيني لم يعد محل خلاف بين الاستراتيجيين، بل ان بينهم من يعتبره التحدي الأكثر خطورة للدور الأمريكي في عالم يشهد مرحلة تحولات جذرية في ميزان القوة العالمية. خلال فعاليات الدورة السنوية للبرلمان الصيني (5-41 مارس) أكد رئيس الوزراء ون جيا باو علي الانحياز للنمو الاقتصادي، مقابل الحد من النفقات العسكرية، بعد ان تبوأت بلاده موقع اكبر دولة مُصدرة عالميا في 9002 متجاوزة المانيا، وكادت تصبح ثاني اكبر اقتصاد لتحتل موقع اليابان، وربما يراودها تحقيق هذا الحلم في 0102 وهو يوافق في التقويم الصيني عام النمر الذي يجلب معه قوي بطولية اسطورية. هذه الانعطافة بالتركيز علي النمو ترسل عدة اشارات مهمة بينها: ان النمو قضية محورية بالنسبة لصناعة المستقبل، خاصة بعد ان ثبت فعالية برامج التحفيز في الخروج من الأزمة المالية، كأسرع اقتصادات العالم تحقيقا للنمو الاقتصادي، وثمة رسالة للداخل بربط استمرار النمو بتوسيع الطلب علي الاستهلاك المحلي، لتعويض الطلب المنهار في الخارج. ما يحدث لا يعني إلا تحولا تكتيكيا في ظل استراتيجية انطلقت منذ 03عاما، ولا تزال اولوياتها قائمة علي ذات الدعائم: النمو الاقتصادي، خلق بيئة خارجية مواتية للحفاظ علي النفوذ الاقتصادي، بالدبلوماسية الهادئة، وليس باستعراض القوة ، وهي رسالة وإن كانت للولايات المتحدة بالدرجة الأولي، فإن الجيران الاقليميين معنيون بها أيضا. اشارة جياباو إلي ضرورة تحويل نمط التطور الاقتصادي، بشكل عاجل، انما تعني ابلاغ الجميع ان الصين تمضي في طريقها نحو نبوؤ مركز الصدارة في الاقتصاد الدولي فيما لا يجاوز عقدين من الآن، طبقا لتقديرات غربية -بالاساس - وان ذلك التوجه لا يرتبط بتعظيم قدراتها العسكرية، مما يضفي جاذبية وطمأنينة بشأن النموذج الصيني، الأمر الذي يدعم القوة الناعمة لبكين، ويخفض من حجم المخاوف التي تساور كل من يرصد صعودها دون توقف، خاصة في الجوار الآسيوي. وربما كان التأكيد علي مواصلة نمو قوي، يتلازم مع توزيع افضل لثمار التنمية، رسالة لكل من يطالب الصين بدفع اثمان اكبر بشأن قضايا التغيير المناخي، عطفا علي موقف بكين الثابت بأن دورها هنا لن يكون علي حساب نموها ! غير ان تركيز الصين علي النمو، والحد من النفقات العسكرية، الأمر الذي وصفه بعض المراقبين ب»المفاجأة« لايعني عدم اهتمامها بقوتها الخشنة لاكثر من سبب: ان بعض بنود الانفاق العسكري تكون محاطة بالسرية ولا تكون جلسات البرلمان المكان المناسب للافصاح عنها. بنود اخري تكون متضمنة في ابواب الموازنة ذات الطابع المدني كالابحاث مثلا. ان انعكاسات الازمة الاقتصادية لابد ان تترجم بخفض نسبي، وان كان غير مؤثر أو مثير للقلق ، ولا يمس برامج التحديث العسكري، أو الأمن القومي، أو الطموحات الصينية في المجمل، لكن ربما يطال الخفض بعض النفقات التي يمكن الجور عليها ابان الأزمة. يجدر في هذا السياق استدعاء التوجيه الذي اطلقه الرئيس الصيني هوجيناو خلال المؤتمر ال 71 للحزب الشيوعي في اكتوبر 7002 مؤكدا فيه مضاعفة النمو الاقتصادي لبلاده بحلول 0202 مع التطوير السريع للقدرات العسكرية عالية التقنية، أي ان ثنائية »القوة / النمو« تظل الاطار العام لحركة التنين بغض النظر عن الانعطافات التكتيكية ، وهو الأمر الذي أعاد تأكيده أمام البرلمان بقوله »الصين عليها أن تدمج الدفاع الوطني والتنمية العسكرية في نظام الاقتصاد الوطني والتنمية الاجتماعية.. فالجيش مازال أولوية«. وان كانت الصين قد اعطت نوعاَ من التفضيل للنمو الاقتصادي في موازنة 0102 بينما تراجع ما خصصته للانفاق العسكري عن المعتاد منذ اكثر من عقدين، وجاءت الزيادة بنسبة 5.7٪ فقط، فان ثمة اشارات رمزية تم اطلاقها، ربما لاحداث درجة من التوازن وهناك أكثر من مثال: قبل بدء اعمال البرلمان ببضعة ايام نُشر في بكين كتاب لعسكري بارز بعنوان »الحلم الصيني« يحث فيه علي امتلاك بلاده لاقوي الجيوش لانقاذ العالم من خطر الهيمنة الامريكية، بل والتفوق علي واشنطن للاطاحة ببطل العالم الحالي، ومؤلف الكتاب العقيد ليومينج فواستاذ بجامعة الدفاع الوطني، والمسئول عن تدريب الضباط الشبان. الاكثر اثارة انه طالب باتخاذ مواقف حازمة وصارمة ومتشددة مع واشنطن في جميع قضايا التجارة والتبت وحقوق الإنسان ومبيعات الاسلحة لتايوان، ما دامت الصين تسعي للصعود حتي تصبح رقم واحد في العالم. بعد ايام من بدء جلسات البرلمان اعلنت الصين عن سعيها لبرنامج فضائي يمكنها من منافسة امريكا وروسيا وأوروبا وغيرها من اجل تحقيق نفوذ واسع. واكب ذلك الكشف عن قطاع جديد من سور الصين العظيم بطول 731 كيلو مترا، والذي يؤرخ للمجد القديم للامبراطورية الصينية. ورغم رمزية الاعلان الأخير، إلا انه يحمل - مع غيره من الرسائل والاشارات- ترجمة مباشرة لمقولة مؤسس الصين المعاصرة ماوتسي تونج »إن الامبريالية الأمريكية ماهي الا نمر من ورق، والصراع معها لن يكون عسكريا وانما اقتصادي وعلمي«.. وربما للتاريخ أيضا. ومازال التنين »يتنمر«.