والتحول إلي "سوق اشتراكي" يضمن مواصلة النمو مخاوف من "خطر أصفر" يهدد بتحجيم القوة الاقتصادية الأولي في العالم التي تعاني ديونا طائلة وعجزا في الميزان التجاري. تجاوزت الصين اليابان لتصبح ثاني اقتصاد في العالم خلال الربع الثاني من العام الحالي وذلك بعد ثلاثة عقود من النمو المتواصل، وسط توقعات أن تتقدم علي الولاياتالمتحدة في غضون عشر سنوات. بلغ إجمالي الناتج المحلي لليابان 1.286 تريليون دولار خلال الربع الثاني من العام, بينما بلغ الناتج المحلي الإجمالي للصين 1.335 تريليون دولار، وبذلك تخطت الصين اليابان -علي مستوي الناتج المحلي الإجمالي- بعد مرور وقت قصير من تخطيها كلا من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. وتفصيلا، تشهد الصين نموا اقتصاديا سريعا منذ قيام جمهورية الصين الشعبية عام 1949. وخاصة منذ بدء تطبيق سياسة الإصلاح والإنفتاح علي الخارج عام 1978، حيث ظل الاقتصاد الصيني ينمو بصورة مستقرة وسليمة، إذ بلغ معدل نموه السنوي أكثر من 9 بالمائة. وفي عام 2003، بلغ إجمالي الناتج المحلي الصيني 1.4 تريليون دولار أمريكي محتلا المركز السادس في العالم بعد الولاياتالمتحدةواليابانوألمانيا وبريطانيا وفرنسا. وبعد أكثر من عشرين سنة من الإصلاح والإنفتاح وبناء التحديثات، تحول الاقتصاد الصيني من الاقتصاد المخطط إلي اقتصاد سوق اشتراكي من حيث الأساس، وتشكل نظام اقتصاد السوق الاشتراكي ويستكمل بصورة تدريجية، كما تجري عملية إصلاح النظام النقدي بخطوات ثابتة، ووفر كل ذلك ضمانا ثابتا قويا لمواصلة نمو الاقتصاد الصيني. ومع دخول القرن الجديد، طرحت الصين مفهوما يتمثل في التنسيق بين الانسان والطبيعة وتحقيق تنمية متوازنة بين الانسان والمجتمع، والإنسجام بين التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية. وفي عام 2002، طرح المؤتمر الوطني السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني هدف تحقيق مجتمع الرفاهية بصورة شاملة بحلول عام 2020. وينظر المحللون إلي الوقت الذي قد تتساوي فيه الصين علي مستوي الناتج المحلي الإجمالي مع الولاياتالمتحدة, والذي يقول البنك الدولي إنه لن يتأخر أكثر من عقد من الزمن. التفوق الصيني يرجع إلي حزمة من العوامل منها الاستقرار السياسي وعدم دخول الصين في صراعات وحروب منذ فترة طويلة، وتوجيه كل مجهوداتها للتقدم الاقتصادي وفق خطط إستراتيجية مدروسة، ومن الزاوية التكنولوجية، استطاعت التكنولوجيا الصينية أن تنفذ إلي أسواق دولية عديدة، إلي أن أصبحت بديلا للمنتجات والسلع الأمريكية والأوروبية، تفوقت عليها من ناحية الجودة والسعر،. وعلي المستوي الإداري، استطاعت الحكومة الصينية عن طريق حزمة من التشريعات والقرارات الحكومية أن تذلل جميع القيود والعقبات البيروقراطية والعراقيل الإدارية، وبالتالي استطاعت أن تجتذب الاستثمارات الأجنبية، وتعمم استخدام التكنولوجيا والكمبيوتر بشكل واسع في جميع الأعمال الإدارية والحكومية، وحسن استغلال الموارد البشرية الهائلة التي تتمتع بها. وجاء النمو الاقتصادي الكبير خلال الربع الأول من العام الحالي نتيجة لارتفاع الانتاج الصناعي بنسبة 19.6 في المائة ونمو الاستثمارات في المصانع والأصول الثابتة بواقع 26 في المائة. وبرزت الشركات الصينية المملوكة للدولة كأكبر المستثمرين في الموارد الرئيسية، وضخت مليارات الدولارات في المناجم وحقول النفط من أمريكا اللاتينية إلي العراق, كما ساعدت الضغوط الصينية في كسب أصوات أكبر للاقتصادات النامية في البنك الدولي والمؤسسات العالمية الأخري. وتستخدم الصين أكثر من نصف خام الحديد في العالم وأكثر من 40 بالمائة من الصلب والألمنيوم والفحم, وتجاوزت الولاياتالمتحدة العام الماضي كأكبر سوق للسيارات في العالم، وألمانيا كأكبر مصدر, كما تحقق معدلات نمو فصلية وسنوية هائلة. وعلي المستوي الإنساني سمحت نهضة الصين لمئات الملايين من الناس بالخروج من دائرة الفقر، وأرسلت أعدادا كبيرة من الطلاب والسياح إلي الغرب، وتغيرت الأنماط الاستهلاكية في البلاد حيث زاد الاستهلاك والإقبال علي السلع الغربية التي بدأت تتوجه بقوة إلي السوق الصينية. لكن النجاح الاقتصادي الصيني حاليا يأتي من مناطق شرق البلاد وجنوبها. وهناك فرق كبير بين هذه المناطق وتلك الواقعة في الوسط والغرب الصينيين من حيث النمو الاقتصادي. وفي الصين العشرات من أصحاب المليارات، في حين أن متوسط الدخل بالنسبة لبقية الشعب البالغ 1.3 مليار نسمة من بين أدني المستويات في العالم. جاءت الصين في المرتبة 124 في العالم في العام الماضي من حيث معدل الدخل الفردي، وفقا للبنك الدولي, قريبة من الدول الفقيرة مثل أنغولا والسلفادور, وفي مقابل اليابان التي جاءت في المرتبة 32، والولاياتالمتحدة في المرتبة 17. ويعتبر سكان اليابان من بين أغني دول العالم، حيث بلغ متوسط دخل الفرد 37.8 ألف دولار في العام الماضي، و42.24 ألف للفرد الأمريكي, بينما لم يتجاوز الدخل الفردي في الصين 3600 دولار.