يبدو أن الواقع الافتراضي يتيح للمحاربين اكثر مما تسمح به ساحات القتال الفعلي، قياسا علي حجم التهديدات والمخاطر، ومن ثم فان الخسائر الفادحة التي تلحقها هجمات الفضاء الالكتروني الذي يعاني انكشافات قد فضحت قصور آليات الردع المتاحة الآن، وتهدد بتفاقم هجمات ذاك الفضاء كميا وكيفيا خلال المستقبل!. هل أصبحت البيئة المعلوماتية الآمنة حلما بعيد المنال أو سرابا مخادعا؟. الي حد بعيد فان رد السؤال: نعم.. لقد اصبح الفضاء الافتراضي عبر الموجات الالكترونية السلكية او اللاسلكية من خلال الاقمار الصناعية، بمثابة التهديد الاحدث الذي يخيم بظلاله علي مفهوم الحروب المستقبلية، سواء شنتها دول أو جماعات أو شركات أو تنظيمات، وبغض النظر عن استهدافها لشل الخدمات الالكترونية في دول بكاملها، أو اختراق شبكة المصارف أو الكهرباء مثلا، أو استهداف السطو علي أسرار علمية أو تقنية و.. و.. هكذا فان ثمة تعريفا مختلفا للحرب ينضج في الواقع الافتراضي، لكنه معني اساسا بحرب حقيقية، ربما أخطر من كل صور وأنواع الحروب التي شهدتها البشرية عبر تاريخها الدامي!. ولعل ما يثير هواجس أكبر بشأن مستقبل أمن الفضاء الالكتروني، يرتبط الي حد بعيد بالمعدل المتسارع للهجمات التي تشن والتوقعات المتشائمة، بشأن ارتفاع الجهات التي تستهدف اختراق الانظمة الالكترونية، مما يضاعف حجم النزيف المعلوماتي الذي لا يستثني ايا من المجالات الحساسية، ولا يقتصر فقط علي مواقع الهيئات الدفاعية والمخابراتية، اذ يتعداها الي القرصنة الاقتصادية والمالية والصناعية والعلمية والتقنية و.. و.. والافق مفتوح للافدح!. ومقابل الخطط التي تستهدف السيطرة علي المفاصل الحيوية للمؤسسات والدول علي الصعيد المعلوماتي، فإن ثمة قصورا شديدا في المواجهة، يعكس غياب استراتيجية متماسكة للتعامل مع هذه النوعية من التحديات في الفضاء الافتراضي، والمشكلة تتجاوز امكانات بنك أو شركة أو مؤسسة حكومية ضخمة، الي اعتراف الاجهزة المعنية بالأمن القومي في الدول دون استثناء، وصولا الي الولاياتالمتحدة ذاتها!. قد يعني ذلك انه بات علي المجتمع الدولي البحث عن آليات جماعية لمواجهة النتائج الكارثية لمعارك المعلومات التي لم تعد افتراضية بأي حال، ولم تعد محدودة النطاق او تتسم بالعشوائية، كما كانت في البداية، من ثم فان الاكتفاء باجراءات تقليدية يجب ان يصبح شيئا من الماضي، كما ان الارتكان الي منظومات وطنية لامن الفضاء المعلوماتي لا يفي بالغرض، ففي عالم متصل بالانترنت دون حواجز قاطعة يصبح استهداف دولة بعينها هجوما علي دول عدة، ربما يفتح الباب علي مصراعيه امام التهديد بحرب عالمية غير مسبوقة في أسلحتها وحجم الدمار الذي تخلفه!. ثمة افكار يتم طرحها لمواكبة تهديدات حرب الكترونية يصعب السيطرة علي نطاقها، من قبيل تطوير اجهزة وآليات إنذار مبكر لمراقبة رصد الفضاء الالكتروني تتجاوز النطاق الوطني لتشمل المجتمع الدولي بأسره، فضلا عن دعم القانون الدولي بالمواد التي تتناسب مع التطورات المتوقعة، وليست الآنية فقط، من اجل تأمين الفضاء الالكتروني بوسائل ناجعة. باختصار فان العالم أصبح بحاجة الي صياغة مفهوم استراتيجي جديد، اكثر قدرة علي الردع في عصر الفضاء المعلوماتي، المحاط بتهديدات تجاوز بكثير خيال كل من ساهم في صناعة وتطوير تقنيات الفضاء الالكتروني!.