أحدث نسخة من حروب المستقبل تتجاوز حدود الزمان والمكان! مفهوم جديد للصراع، تعريف مختلف للأمن القومي، طبيعة مغايرة للقوة، يكمن وراء كل هذه التطورات »موجة معلوماتية عاتية« تجرف معها معظم ما كان مستقرا من مفاهيم وآليات تحكم أو توجه الصراعات بين الدول. الحرب الإلكترونية المقبلة لن تقتصر علي كونها صورة من صور الحرب الباردة، لكنها ستكون ذات أبعاد ساخنة يشنها من يملك القدرة والأدوات، ويقع ضحية لها كل من يدخل في دائرة الاستهداف من جانب الأقوي- معلوماتيا والكترونيا- عبر سيطرته علي الفضاء الالكتروني، فيكون قادرا علي شن الهجمات علي الخصوم، والدفاع في ذات الوقت عن مصالحه واهدافه من أي هجمة مضادة! عملياً: هناك إلي جانب أمريكا ست دول أخري تمتلك القدرة علي شن الحرب الالكترونية الشاملة، بمعني انها لن تستهدف فقط شبكاتها، أو خطوط اتصالاتها الحربية، وانما أيضا بنيتها التحتية، وأنظمة الطاقة والنقل و.. و.. وكل ما من شأنه شل العدو بضرب أجهزته العصبية وعقله ومفاصله! تسريبات متعمدة لتقارير أمنية أمريكية كشفت عن إعداد البنتاجون العدة للحرب الالكترونية المقبلة عبر زرع فيروسات وأبواب خلفية، وشيفرات سرية تستهدف أنظمة الطاقة والدفاع والنقل للدول المعادية، كما كشف خبير بارز سبق ان عمل في مجلس الأمن القومي أن واشنطن قادرة من خلال ما زرعته من أفخاخ إلكترونية علي شل إعدائها في أي حرب، بضرب بنيتهم التحتية في أماكن حساسة! المثير أن أمريكا ليست الحائز الوحيد لهذه الامكانات المرعبة، فهناك إلي جانبها ست دول تملك برامج مماثلة، قادرة علي قهر الحصون الالكترونية لاعدائها، دون ان يتمكن الخصم من رصدها، علي الأقل حتي الآن. لكن ماذا يحدث غدا؟ دون شك فإن العالم مقبل علي مرحلة تطور نوعي غير مسبوق في أدوات الحرب، واعادة انتاج ما شهدته البشرية منذ امتلك الإنسان ادوات القتال البدائية، وكان علي الخصم ان يجد ما يدافع به عن نفسه، في مواجهة الرمح فكر في الدرع، ولقهر الحصن ابدع المجانيق، وحتي يسقط الطائرة اخترع الصاروخ، وفي مواجهة الصواريخ العابرة للقارات تم انفاق المليارات علي حرب النجوم حتي تخرج مبادرة الدرع الصاروخي لحيز التنفيذ.. و.. و.. ولم تنته فصول القصة بعد! مع تصاعد مخاطر التعرض للحرب الالكترونية في الفضاء الالكتروني، وباستهداف أمن الشبكات المدنية والعسكرية، وتصعيد وتيرة عسكرة الفضاء الالكتروني، واعداد الخطط لضرب الأنظمة ذات الاستخدامات المزدوجة والبني التحتية ذات الطبيعة المدنية الخالصة، باستثمار عمل المرافق الحيوية في مختلف الدول اعتمادا علي التقنيات الرقمية المرتبطة بشبكات المعلومات حيث يتجاوز الفضاء الالكتروني حدود الدول، في بيئة تلك بعض ملامحها فإن حالة من الانكشاف الأمني وقع في أسرها الجميع، ولم يفلت من الدائرة حتي دولة بحجم أمريكا، أو الدول الأخري التي تمتلك قدرات مماثلة! المأزق المستقبلي لكل من يعد خططا هجومية في إطار الحرب الالكترونية، يتمثل في ضرورة امتلاكه لخطط دفاعية تستطيع صد الهجمات المضادة أو الاستباقية، ولأن هذه الغاية مازالت صعبة المنال حتي الآن، ربما كان البديل المتاح آنيا تعزيز ترسانة العمليات الدفاعية المتواضعة بمعيار ما تواجهه من تحديات وتهديدات، واكتشاف الثغرات أولا بأول لسدها، والتعاون الدولي لضمان أمن وسلامة الفضاء الالكتروني، ما دام أي خصم غير قادر علي الدفاع الحاسم إلي جانب الهجوم الساحق!