لم أعد أستطيع متابعة البرامج الحوارية التي تبثها القنوات الفضائية وغير الفضائية ولم يعد ذلك في استطاعة أحد بسبب كثرة هذه البرامج وإذاعتها في مواعيد متقاربة. وقد أصبحت البرامج الحوارية في القنوات التليفزيونية تتماثل في موضوعاتها وفي تكرار ضيوفها، وتتشابه في هبوط المستوي المهني لمعظمها مع إصابة نجومها بأعراض الغرور والنرجسية. ويبدو ان هبوط مستوي البرامج الحوارية في القنوات التليفزيونية أصبح من الأمراض المعدية التي تنتقل بسرعة الهواء من قناة الي أخري ومن مذيعة الي غيرها بدءًا من عواجيز الشاشة المتصابيات وانتهاءً من البالونات البشرية المتنقلة بين القنوات، ومرورا بفتيات القنوات الأرضية. ومعظم القائمين علي البرامج الحوارية يستخدمون اسم الدلع الامريكي لها وهو »التووك شو« ومن أجل ان أحذو حذوهم وأقلدهم في استخدام رصيدنا المتواضع من اللغات الأجنبية أقول ان هذه البرامج قد تحولت علي أيديهم الي »سلف شو« وهو ما يعني في لغة الضاد الاستعراض الشخصي. والتورط في الاستعراضات الشخصية يكون علي حساب الضوابط المهنية ويؤدي عادة الي نتائج عكسية، وهو ما بدأ يظهر بوضوح في ردود فعل المشاهدين. وقد بلغ الأمر بمعظم مقدمي تلك البرامج الي التورط في إنتقاد الأحكام القضائية الصادرة عن محاكم جنايات مصرية، والعجيب انهم يعلمون ان ذلك محظورا بحكم القانون مما يجعلهم يبدأون حديثهم بعبارات ساذجة يدعون فيها بانهم لا يعلقون علي أحكام القضاء وانما يحاولون فقط نقل مشاعر الشارع والتعبير عن رأي الجماهير، وهذا ما نراه باطلا يراد به باطل. ورأينا وسمعنا مذيعات يرفعن أصواتهن بالتكبير والتهليل ويهتفن أمام الشاشة ويصرخن إحتجاجا علي أحكام قضائية. وقد شاهدت مذيعة اندمجت في هذا الدور المصطنع لتطلق الصراخ والعويل بصورة تتناقض مع طبيعة العمل التليفزيوني بصفة خاصة، والضوابط الاعلامية بصفة عامة. واستضافت معظم البرامج الحوارية أساتذة القانون ليتحدثوا في أمور دقيقة تدخل في صميم تخصصهم ومنهم قضاة ومستشارون من أعضاء مجلس القضاء الأعلي الحاليين والسابقين، وقبل ان يبدأ الضيف حديثه تبادر مقدمة البرنامج باعلان رأيها الذي يختلف مع ما يراه الضيف، في محاولة لفرض إتجاه معين علي الحوار، وعندها يسكت الضيف ويتحول الي مشاهد مثله مثلنا وينضم بذلك الي آلاف الضحايا ممن تفترسهم القنوات الفضائية، أو معظمها. وأريد هنا التأكيد علي انتقاد الخبراء وأساتذة الإعلام لمقدمي ومقدمات البرامج الصراخية والانفعالية الذين فرضوا علينا الاستماع الي صراخهم الدائم والمتكرر في البرامج التي يزعمون انها حوارية. ونسأل الله العافية لنا وللمشاهدين..