الوطن هو المبدأ والغاية ، والذات الكبري، منه يستمد الإنسان هويته وأصله وكيانه، والانسان يعشق بالفطرة وطنه الذي ولد فيه، ونشأ بين ربوعه، وقديما كانوا يقولون :عسرك في بلدك خير من يسرك في غربتك، وكما يقول الحكيم: الوطنية هي أعظم انتفاضة في نفس شعب فهي تمثل حين يتعرض الوطن للخطر عن رغبة جامحة في البقاء الجماعي تجرف معها كل رغبة في البقاء الفردي. والمصري يعشق وطنه ويتعامل مع قضايا وأزمات وطنه في الداخل أو الخارج بعشق منقطع النظير بصرف النظر عن حبه أو بغضه للحاكم أوالسلطة التي تقود البلاد أو الحكومة المؤقتة أو تصريف الأعمال أو الإنقاذ الوطني فالحب والبغض دائما حالتهما غير مستقرة أما الوطن فهو المكان الوحيد الثابت والمستقر في القلوب والعقول والوجدان والذي نشعر فيه بالأمن والأمان ونعمل ونخلص من أجله دون أن ننتظر المقابل. ونستأذن القراء قبل الحديث عن واقعة تعرض المجمع العلمي المصري للحريق بتاريخ 17 من ديسمبر 2011 عقب ثورة 25 يناير ان نذكرهم بكارثة الحريق الهائل الذي أصاب مجلس الشوري يوم الثلاثاء 91 أغسطس 8002 نتيجة ماس كهربائي والذي التهم المبني بالكامل بعد محاولات للسيطرة عليه عن طريق سيارات الإطفاء وطائرات هليكوبتر عسكرية، وحالة الشماتة الغريبة والعجيبة التي انتشرت في الشارع المصري وتبادل رسائل التهنئة بالمحرقة الجديدة وإطلاق الافيهات الكوميدية نتيجة الشعور بعدم الانتماء والولاء والرغبة في الانتقام من الكيانات الشرعية البعيدة عن الشعب والتي عجزت عن أداء دورها في خدمة قضايا الوطن الأمر الذي اعتقدنا معه أن مجلس الشوري المصري يحمل جنسية دولة معادية للشعب المصري لأن الشماتة في معناها الحقيقي تعني فرح العدوِ بمصيبة تصيب من يعاديه وينتج عنها مرض في بدنه أو فقد أهله وماله أو انهيار كيانه. ونعود إلي حالة النقيض التام والحزن العميق الذي أصاب الشعب المصري عقب تعرض المجمع العلمي - أعرق المؤسسات العلمية في مصر والتي تضم مكتبته آلاف الكتب والمخطوطات النادرة والتي لاتقدر قيمتها بالمال - للحريق الذي أتلف كل محتويات المجمع تماماً نتيجة الاشتباكات التي وقعت بين شباب الثورة المعتصمين أمام مجلس الوزراء والقوات المكلفة بحماية المنشآت الحكومية، والسبب الحقيقي لحالة الحزن هو الشعور بالانتماء والذي ولد في رحم الثورة المصرية والإحساس بأن الشعب هو المالك الحقيقي للمنشآت والمرافق الحكومية ولايعقل ان يشمت المالك في حرق أمواله. ولمن لايعلم حقيقة القيمة التاريخية للمجمع العلمي الذي احترقت معه قلوب جميع بيوت التراث في العالم والذي يعد خسارة فادحة للتاريخ الثقافي نقول انه أنشئ في القاهرة" قاهرة المعز في 20 من أغسطس 1798 بتوصية من القائد الفرنسي نابليون بونابارت" نابليون بونابارت بهدف العمل علي التقدم العلمي، ونشر العلم والثقافة بمختلف فروعها ويضم المجمع خمس شعب هي: الرياضيات، والفيزياء، والاقتصاد السياسي، والأدب، والفنون الجميلة ويحتوي المجمع علي مكتبة تضم 200 ألف كتاب أبرزها أطلس عن فنون الهند القديمة، وأطلس باسم مصر الدنيا والعليا مكتوب عام 1752، وأطلس ألماني عن مصر وأثيوبيا يعود لعام 1842. وفي نهاية المطاف يجب ان اقول انه يتعين علينا جميعا ان نتكاتف لترميم هذا الصرح العلمي العظيم، وقبل ذلك نقوم بترميم انفسنا وننظر لمصلحة هذا الوطن الذي نعشقه جميعا ونتصارع لخدمته بطريقتنا الخاصة البعيدة عن التنظيم والتخطيط الجيد، نحن - للاسف الشديد - لاننظر لعيوبنا بطريقة حقيقية ولانستطيع الاعتراف بالخطأ وهو الميزة الوحيدة التي يمتاز بها الكائن الإنساني علي سائر الكيانات الحية، ودائما وابدا نعلق فشلنا علي أقرب شماعة نجدها في طريقنا ولانجتهد إلا في رصد العيوب وأوجه القصور والبحث عن النوايا والكلام فيما لاينفع ولايؤدي إلي تحقيق اي تغيير واقعي، لذلك نجد صعوبة بالغة في الوصول إلي الحقيقة.