رغم ارتفاع صوت المطالبين المجلس الأعلي للقوات المسلحة، بسرعة تسليم السلطة والمسئولية، الي إدارة مدنية دون الالتفات الي ما كان محدداً في الإعلان الدستوري بهذا الخصوص، ودون الاهتمام بالبرنامج الزمني والمواعيد التي أعلنت في هذا الشأن، ودون الالتزام بخارطة الطريق المؤدية لذلك،..، وبالرغم من الرفض القاطع لهذا الطرح من جانب العديد من القوي والتيارات والجماعات والأحزاب السياسية، إلا ان هناك عدة حقائق تفرض نفسها في هذا الخصوص، ولابد من وضعها موضع الاعتبار، بغض النظر عن الأسباب والذرائع التي يبديها هذا الطرف أو ذاك . أول هذه الحقائق، أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة هو الأكثر حرصاً علي الإسراع في تسليم السلطة والمسئولية، الي إدارة مدنية منتخبة من الشعب، وممثلة في رئيس الجمهورية، يتم اختياره بالانتخاب الحر المباشر، وأن المجلس هو الأكثر سعيا لذلك، حتي يتفرغ لمهمته الأولي والأساسية والدستورية، وهي الحفاظ علي أمن الوطن، وسلامة أراضيه، وتأمين حدوده البرية والبحرية، ضد جميع القوي والدول المتربصة به. وثاني هذه الحقائق، أن المطالبين بهذا المطلب، والطارحين لهذا الطرح، يطالبون به، ويطرحونه تحت مظلة افتراض غير صحيح وذريعة غير حقيقية، بل ومخالفة للواقع، الذي نراه ونلمسه علي الأرض، حيث افترض هؤلاء مع تقديري لهم أنهم في مطالبتهم تلك، إنما يعبرون عن جموع الشعب، بكل طوائفه وفئاته، وهذا غير صحيح بالمرة، حيث إن هناك الكثيرين ممن يخالفونهم في الرأي، كما أن جموع الشعب لم تعطهم، ولم تمنحهم تفويضاً للحديث باسمهم، ولكنهم جزء من الشعب، بجوار أجزاء أخري عديدة . وثالث هذه الحقائق، أن هذا المطلب مع تقديري للمنادين به، يتنافي مع الهدف الرئيسي، الذي يقولون إنهم يسعون إليه بهذا المطلب، وهو إزالة حالة الاحتقان والعنف السائدة علي الساحة الآن، وتحقيق الاستقرار، بينما كل الشواهد المرئية وجميع الدلالات الواضحة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن مصر في ظل الظروف الحرجة والدقيقة، التي تمر بها حاليا، هي أكثر ما تكون حاجة الي التمسك بأهداب الشرعية، الممثلة في الإعلان الدستوري، وخارطة الطريق المؤدية لتسليم السلطة بعد قيام السلطة التشريعية الممثلة في البرلمان، وفور انتخاب رئيس الجمهورية،..، وأن مصر أكثر ما تكون الآن حاجة الي البعد عن المغامرة غير محسوبة العواقب، ومحاولات القفز الي المجهول. والسؤال الآن: ما الممكن والمتاح، في إطار الشرعية، وبعيداً عن القفز الي المجهول؟!. ونواصل غداً إن شاء الله.