شهر بالتمام والكمال يفصلنا عن يوم 25 يناير ، موعد مرور عام علي أجمل حدث في حياة المصريين في التاريخ الحديث..وهذا يعني أنه مر اليوم 11 شهرا بالتمام والكمال علي انفجار الثورة التي وصفت عن حق بأنها الاجمل والاروع في تاريخ البشرية. ويري البعض ،وخاصة من شباب الثورة الغاضب ، أن الثورة تم اختطافها من قبل تيار الاسلام السياسي بمعرفة بل و"مساعدة " المجلس الاعلي للقوات المسلحة الذي ائتمنه الثوار علي ثورتهم وفوضوه بتوكيل شعبي عام في تحقيق أهدافها وتركوا ميدان التحرير والميادين الاخري منصرفين الي حال سبيلهم..فماذا فعل المجلس الاعلي في الثورة؟.. يري هؤلاء أن المجلس انقلب علي الثورة و"تواطأ" مع الاخوان المسلمين والسلفيين منذ البداية في صفقة تتضمن تمكين الإسلاميين من السيطرة علي البرلمان واحتفاظ المؤسسة العسكرية بمنصب الرئاسة مع "تحصين" وضع الجيش في الدستور الجديد بما يضمن بقاء ميزانيته بعيدا عن رقابة أجهزة الدولة المدنية.. ويذهب أصحاب هذا الرأي الي حد اتهام المجلس الاعلي بالتكرار الحرفي لذات السيناريو الذي تم تنفيذه لإجهاض ثورة رومانيا برعاية المخابرات الامريكية في عام 1989 من القرن المنصرم..ويسوق شباب الثورة الغاضب العديد من القرارات والتصرفات دليلا علي صحة وجهة نظرهم بالقول إن المجلس العسكري رفض منذ البداية الإعتراف بالشرعية الثورية التي كانت تعني سقوط الدستور القديم ووضع دستور جديد يعكس روح ومباديء وقيم الثورة ، ولم يكتف بذلك بل أسند مهمة إجراء التعديلات الدستورية ، وهي ذات التعديلات التي كان قد طلبها الرئيس المخلوع ، الي لجنة يسيطر عليها الاخوان المسلمون..ثم جاء الاستفتاء الذي استخدمت فيه الدعاية الدينية بصورة فجة منافية للقانون وذلك قبل إضافة اكثر من 60 مادة للمواد التسع التي تم استفتاء الشعب عليها مما اسقط شرعية ذلك الاستفتاء فعليا (الغريب أن أيا من المنتمين لتيار الإسلام السياسي لم يبد أي اعتراض علي ذلك حينئذ بإعتباره عدوانا علي الارادة الشعبية) .. فضلا عن تشكيل لجنة للاحزاب سمحت بقيام أحزاب علي اساس ديني في انتهاك واضح للإعلان الدستوري وجميع الدساتير المصرية منذ قيام الدولة الحديثة علي ارض الكنانة..وسمحت هذه اللجنة كذلك بقيام بضعة احزاب مستنسخة من الحزب الوطني المنحل.. ومن الأدلة التي يعددها شباب الثورة كذلك لتأكيد ما يذهبون اليه ، عدم إصدار قانون العزل السياسي لمن افسدوا الحياة السياسية قبل 25 يناير ، والتباطؤ والتراخي في محاكمة مبارك وعصابته ، والإصرار علي إحالة الثوار الي المحاكم العسكرية ، ومواصلة سياسة العنف المفرط والقتل بالرصاص الحي في مواجهة المتظاهرين والمعتصمين المسالمين..وكذلك عودة الصحافة والإعلام ، سواء المملوكة للدولة او تلك المملوكة لرجال اعمال يرتبطون عبر حبل سُري بالنظام البائد ، الي ممارسة محاولات مفضوحة لتشويه وشيطنة الثورة والثوار، واستعداء الشعب عليهم واتهامهم كذبا بالبلطجة وتعطيل الانتاج وتدمير الاقتصاد، ناهيك عن التغاضي عن تجاوزات عناصر الثورة المضادة ممن يطلقون علي انفسهم "أبناء مبارك" واعتداءاتهم المتكررة علي أهالي شهداء ومصابي الثورة..بل وتقديم الدعم المادي و"اللوجستي" لهم لتنظيم مظاهرات مضادة "للتحرير".. وبناء علي كل ما سبق يدعو العديد من الائتلافات والحركات السياسية وخاصة ائتلافات شباب الثورة ،الشعب الي النزول الي الميادين مجددا يوم 25 يناير لإعادة الثورة الي الطريق الصحيح ، وبدء موجة ثالثة منها ، حتي ولو كانت دموية ، لتحقيق كل أهداف الثورة مرة واحدة والي الابد.. وربما يتفق البعض أو يختلف مع رؤية شباب الثورة الغاضب ، ولكني اتفق معهم في أمرين علي الاقل..الاول هو عودة العديد من وسائل الاعلام ، سواء الحكومية او الخاصة ، الي التورط في التعتيم علي أخبار الثورة والثوار ، وإعطاء مساحة اوسع لقوي الثورة المضادة..والملاحظ أن القنوات الخاصة باتت اكثر ميلا لإنتقاد الثوار ونفاق المجلس العسكري ، وخاصة تلك القنوات الفضائية الجديدة التي افتتحها فلول الحزب الوطني ورجال أعماله وانفقوا عليها المليارات لغسيل اموالهم وسمعتهم ايضا !!..والامر الثاني هو اهمية وحيوية تاريخ الخامس والعشرين من يناير الذي بدأت أكثر من جهة الاستعداد للإحتفال به كأول عيد للثورة ..وأرجو ألا يحل هذا الموعد إلا ونكون قد حققنا معظم مطالب الثورة والثوار حتي لا يحدث صدام لا تحمد عقباه..واعتقد أن هناك الكثير من القرارات والاجراءات والسياسات التي ينبغي تبنيها سريعا لنثبت للثوار أننا جادون في تحقيق هذه المطالب..علينا سرعة تعيين حد اقصي وأدني للمرتبات في مؤسسات واجهزة الدولة ..وبدء عملية تطهير فعلي وجاد لفلول الحزب الوطني ونظام مبارك ..وكذلك الاسراع بإجراء محاكمة عصابة مبارك والضغط عليهم بكل السبل المشروعة لإعادة أموالنا المنهربة الي الخارج..ويجب أن يبدأ التطهير بالصحافة والإعلام للتخلص ممن عينهم أمن الدولة المنحل ولا زالوا يدينون له بالولاء الكامل.. أما أهم المطالب في رأيي فهو سرعة اعتقال ومحاكمة قتلة الثوار في كل مراحل وموجات الثورة ، وكذلك محاكمة مرتكبي الإنتهاكات الاخيرة في حق المتظاهرات والمعتصمات مما اساء بما لا يقاس الي صورة الجيش المصري في الداخل والخارج ..ولو تحققت تلك المطالب سيكون من حقنا الاحتفال فعلا بالعيد الاول للثورة..