يبدو ان صعود مؤشر التيار السياسي الديني في نتائج المرحلة الاولي من الانتخابات البرلمانية قد فتح شهية اعداء حرية الابداع للمبادرة بهجوم مبكر علي وزارة الثقافة من داخل الوزارة وليس من خارجها ، هذا ان دل علي شيء انما يدل علي ان المؤسسة المنوط بها مهام التنوير وصياغة الفكر والوجدان قد تحولت ، أو في طريقها للتحول إلي مؤسسة مخترقة من تيارات اعدت نفسها لمحاربة حرية الفكر والابداع ! لم يدهشني هجوم القيادي السلفي عبد المنعم الشحات علي نجيب محفوظ ووصفه لابدعاته بانها تحث علي الرذيلة ، أو انه اتهمه بالكفر والالحاد ، أو انه وصم نتاجه الادبي بأنه خارج من بيوت الدعارة ومنازل الحشيش ، الشحات ، وفق مرجعيته ، لم يأت بجديد لأن مثل تلك التهم توجه لمحفوظ منذ زمن الشيخ عبد الحميد كشك ، مفهوم ان تلجأ التيارات الدينية السياسية لتشويه مفاهيم الليبرالية والعلمانية لدي العامة والبسطاء مستغلة في ذلك الجهل وارتفاع نسبة الامية ، مفهوم ان تعلن الكفر بالديموقراطية ومع ذلك تخوض الانتخابات في تناقض صارخ بين ما تعلنه وما تمارسه ، لكن ما هو مدهش في الموضوع ان يتلقي وزير الثقافة الجديد د. شاكر عبد الحميد شكوي من مجموعة من موظفي ادارة الاعلام الخارجي بقطاع العلاقات الثقافية الخارجية تتهم القطاع باصدار كتاب " مقتطفات من شعر قسطنطين كفافيس " بمناسبة الاحتفال بذكري شاعر مصري يوناني عالمي ، وعلي طريقة عبد المنعم الشحات تتهم الشكوي الكتاب بأنه يحتوي علي اشعار تحث علي الرذيلة ! الوزير الاكاديمي المثقف صاحب الاسهامات المتميزة في سيكولوجية الابداع اعاد المذكرة للشاعر حسام نصار وكيل اول الوزارة للعلاقات الثقافية الخارجية ممهورة بعبارة " مع تحياتي " ، والعبارة تحمل أكثر من دلالة وتفسير ربما يكون اهمها ان الوزير ذاته يعرف كناقد اكاديمي القيمة الحقيقية لإبدعات كفافيس الشعرية ، والغريب في الامر ان القاهرة احتفلت في يوليو الماضي بصدور الأعمال الكاملة لكفافيس التي ترجمها الشاعر رفعت سلام ولم تقم الدنيا او تقعد، ولم تخرج علينا اصوات النشاز الشاذة لتتهم تلك الاشعار بأنها تحث علي الرذيلة ، واتحدي ان يكون من ارسلوا بالشكوي لوزير الثقافة علي المستوي النقدي الذي يؤهلهم لفهم وتحليل وتفسير شعر كفافيس، أو حتي يعرفون من هو كفافيس ، وما هي الاسهامات التي اضافها ابداعيا لرصيد الانسانية ، وربما لا يعرف احد منهم ان كفافيس مصري من اصول يونانية عاش اغلب حياته خجولاً ومنطوياً رغم انتمائه لأسرة ارستقراطية شجعته علي كتابة الشعر وهو في التاسعة من عمره وقد نشر اول اشعاره في الواحدة والأربعين من عمره ، وربما لا يعرف احد منهم ايضا ان بيت كافافيس بالأسكندرية تحول لمتحف عام 1991 وقام بزيارته الرئيس اليوناني . حسام نصار رئيس قطاع العلاقات الثقافية الخارجية قرر اجراء تحقيق مع من ارسلوا بتلك الشكوي للوزير مبررا ذلك بأن هناك طابورا خامسا يريد تعطيل القطاع عن اداء دوره التنويري ، لكني اقترح عليه ان ينظم لهؤلاء - وامثالهم - محاضرة تبين لهم القيمة الحقيقية لإبداعات كفافيس الشعرية لكي يتبين ان انعدام المعرفة هو الذي يدفع بالبعض إلي تفسير ما يقرأ بالغريزة الحسية التي تداعب خيالاته وتسيطر علي تفكيره الشهواني ، وبفعل تلك العقد ينصب نفسه مبعوثا من العناية الالهية لفرض الوصايا وحماية الاخلاق وانتشال البشر من الرذيلة المتخيلة في عقله المريض .