حزين جدا علي ما آلت إليه الثورة العظيمة التي قام بها شباب مصر وأيدها الشعب المصري ودعمها الجيش في البداية ليوظفها المجلس العسكري لتحقيق مصالحه السياسية وقد تحالف مع تيارات الإسلام السياسي وفي مقدمتها الإخوان الذين فازوا بأغلبية مقاعد المرحلة الأولي، ويحاول المجلس العسكري العرقلة قدر الامكان لكن محاولاته فاشلة ويائسة، وأصابت الشعب المصري بالاحباط. لقد انقض المجلس العسكري علي الثورة، وأهم صور الانقضاض هو التنكيل بشباب الثورة من خلال الشرطة العسكرية وذراعها النيابة العسكرية في محاولة لتأديب هؤلاء الشباب علي فعلتهم الثورية، وكأنها شيء مشين!! فعندما سمعت وشاهدت لقاءا مسجلا بالصوت والصورة للشابة سميرة إبراهيم وهي ناشطة سياسية صعيدية، تفاعلت مع الثورة مثلها مثل الكثيرين »قبل وأثناء وبعد الثورة«، بحكم عملها في وسط البلد وقريبة من ميدان التحرير، أدركت بالفعل ان اسكات صوت الشباب هو السبيل لاجهاض الثورة، وان التنكيل بهم هو الطريق لاسكات صوتهم، وان استخدام وسائل التعذيب المادي والمعنوي هو اكراه لهم علي خيارهم بالاشتراك في الثورة، وان اللجوء إلي وسيلة الكشف علي »عذرية الفتيات« من عدمه، هو الطريق لابعادهن عن طريق الثورة، وان انتهاك حياء »فتياتنا« باجبارهن علي خلع ملابسهن كاملة والشباك مفتوح يقف عليه عساكر وضباط للفرجة عليهن، هو اذلال لا مثيل له في عهود الاستبداد وخصوصا في عهد حسني مبارك المخلوع!! ثم ان توجيه الشتائم القذرة، والفظيعة علي حد قول سميرة، لها ولزميلاتها، وتهديدهن بالدفن في الرمال بعد اعتقالهن في »سين 82« بالشرطة العسكرية، حال أي واحدة تتكلم أو تفتح فمها، هو تنكيل غير مبرر. وعلي حد قول سميرة »الواحدة كانت بتتمني الموت في هذه اللحظة لانهم حاولوا ان يكسرونا.. يهزونا يذلونا، بلا مبرر«!! عندما نري هذه الصوة البغيضة، التي يكونها عساكر وضباط »الشرطة العسكرية« بديلا عن »الشرطة المدنية«، في نفوس الشباب، لكسر ارادته وتحطيم معنوياته، لها من الأثر النفسي السلبي علي حاضر الشباب ومستقبله. كما ان لذلك الأثر في تكوين صورة سلبية علي ان هؤلاء الذين يعملون في الشرطة العسكرية بدأوا يمارسون »التعذيب للممنهج« ضد المدنيين وفي المقدمة شباب الثورة، لاجبارهم علي الخروج من المشهد السياسي، وكراهية اليوم الذي قرروا فيه ان يخرجوا للشوارع ويطالبوا باسقاط النظام وفي المقدمة اجبار حسني مبارك علي التنحي.!! فالتهم المنسوبة لشباب الثورة جاهزة، مثلما كان يفعل »أمن الدولة في ظل الدولة البوليسية« التي سقطت يوم 82 يناير 1102م، من ذلك: »الدعارة، والبلطجة، وتكسير سيارات المواطنين، وحمل أنابيب البوتاجاز، ومحاولة اعتداء علي ضباط جيش أثناء عملهم، واحتراز زجاجات المولوتوف!! وحملة أسلحة بيضاء، وكسر حظر التجوال، وتعطيل حركة المرور، وتكسير أرصفة الشوارع... إلخ«!! يا الهي كل هذه الجرائم تنسب إلي الشباب الجميل الذي قام بالثورة، وقدم »0001« شهيد في الموجة الأولي، و»05« شهيدا في الموجة الثانية »91 نوفمبر - 32 نوفمبر«؟! لو كان هذا صحيحا، فان ما حدث هو مجرد هوجة قام بها مثل هؤلاء من »بلطجية وداعرات ومأجورين«، لكن يستثمرها المجلس العسكري في الاطاحة بحسني مبارك ومشروع التوريث، في ظل صفقة باستمرار نظام مبارك المخلوع واستمرار التبعية للولايات المتحدة وإسرائيل، وعدم احداث التغيير الجذري، ثم الادارة بالفتنة السياسية، وان الفصيل السياسي الجاهز للتوظيف كان بكل أسف »الاخوان المسلمون والسلفيون«!! فالثورة الحقيقية لازلنا نذكر بها »شعب + تغيير جذري«، فالشعب تحرك فعلا، وفي المقدمة شباب هذا المجتمع، أما التغيير الجذري، فحدث ولا حرج فهو مؤجل إلي حين اشعار آخر! لكن الذي يؤلمني لماذا كل هذا العنف والارهاب من جانب الدولة ممثلة في الشرطة العسكرية؟! ولماذا كل هذا التواطؤ -حسب قول سميرة إبراهيم- من النيابة العسكرية وكذا النيابة العامة التي لم تحقق في الموضوع؟! ولماذا تمارس الضغوط علي سميرة من كل صوب للتنازل عن البلاغ الذي قدمته وطلبت فيه التحقيق مع من ارتكبوا في حقها كل هذه الجرائم التي ذكرتها؟! واعتقد انها صادقة، لان شباب مصر البرئ لا يكذب ولا أتخيل ان يكذب علي هذا النحو. ومن هم هؤلاء السياسيون الذين طلبوا من سميرة سحب بلاغها، والتنازل عن شكاواها ضد الشرطة العسكرية والنيابة العسكرية، وما فعلته معها ومع زميلاتها من اهانات وسباب وشتائم القصد منها تحقيرهن واذلالهن، واجبارهن علي الندم علي التفكير وليس مجرد المشاركة، في الثورة؟! انني أطالب الابنة سميرة إبراهيم - الشابة الصعيدية المحترمة التي وجهت لها النيابة العسكرية تهم، تودعها في السجن مدي الحياة، بالكشف عن اسماء الذين هددوها، واسماء السياسيين الذين طالبوها بالتنازل عن بلاغها ضد الشرطة العسكرية والنيابة العسكرية، للنائب العام، حتي يتم فضح هؤلاء الذين يلعبون علي الشعب ومصالحه وعلي الثورة وشبابها. ان محاكمة المدنيين وفي المقدمة شباب الثورة أمام المحاكم العسكرية، هي جريمة سياسية، لن تمحي من ذاكرة المصريين، بل اسهمت في خفض رصيد القوات المسلحة بسبب سلوكيات المجلس العسكري وشرطته العسكرية، لدي الشعب. وان أمثال سميرة إبراهيم وعلاء عبدالفتاح، واسماء محفوظ وغيرهم من شباب مصر الذين حوكموا أمام المحاكم العسكرية، وخرج بعضهم تحت ضغط الرأي العام، وتحت احالة بعضهم إلي النيابة العامة لاستمرار التحقيق، قد بلغ نحو »21« ألف شاب ومواطن، أغلبهم من شباب الثورة، يستوجب الافراج عنهم، واحالة من صدرت ضدهم أمام النيابة العامة وأمام قاضي تحقيقات، وليس أمام محققين عاديين من النيابة، لا يدركون حجم مأساة محاكمة هؤلاء الشباب، وتداعياتها الخطيرة مستقبلا، بالاضافة إلي إلغاء محاكمة أي مدني أمام المحاكم العسكرية نهائيا. كما انه من المطلوب ان تغل يد الشرطة العسكرية في التعامل مع المواطنين وشباب الثورة. وان يتم اجراء تحقيق عاجل في موضوع كشف العذرية علي سميرة إبراهيم وزميلاتها وعدم غض النظر عن هذا الموضوع إطلاقا، لانه من كبائر الجرائم السياسية بعد الثورة التي يمكن قبول تجاهلها تحت أي سبب. ان اسوأ ما وصلنا إليه في الثورة، هو »الشرخ الدامي« في نفوس الشباب نتيجة عدم الثقة في المجلس العسكري وشرطته العسكرية ونيابته العسكرية، بل والنيابة العامة، وان جملة المطاردات وحجم الاهانات لشباب الثورة لم يعد مقبولا، ويستحق فتح ملف تحقيقات خاص، اكراما للثورة، إذا كان المجلس العسكري يعتبر ما حدث في 52 يناير، هو ثورة وليس »فورة جماهيرية« ولازال الحوار متصلا ومستمرا.