قال سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لو كان الفقر رجلا لقتلته. وها نحن نمر بحالة مزدوجة من الاضطراب النفسي تتمثل في صورة الفقر الذي يحيط بجنبات المواطنين وصورة الخوف من بعضنا البعض! أشاهد علي الساحة موجات من الأفكار التي تتناثر من حولنا وكلها تصب بأننا مقبلون لا قدر الله علي فتن مجتمعية ستعصف بأبناء الوطن خارج حلبة الاستقرار.. ما إن وصل التيار الإسلامي متمثلا في الإخوان والسلفيين وبعض الأحزاب المجاورة ذات المرجعية الإسلامية أيضا إلا وثارت أحاديث الخوف والرعب من أن هذا التيار سيدمر المدنية وسيعود بنا إلي عصور التخلف والعبيد والجواري. لقد أصاب الهوس الجميع من مسلمين ومسيحيين من أن الحياة ستفقد رونقها الطبيعي لو تحكم.. وليس حكم هذا التيار في الناس والوطن علي السواء! ما بين صمت الاخوان وتصريحات بعض السلفيين عن بعض الأمور التي تهم الناس وتعد مصدر رزق لهم مثل السياحة والفن زادت مساحة الرعب وخرج الجميع من مرشدين سياحيين وفنانين في تظاهرة أمام أبوالهول الصامت يعبرون عن غضبهم من أفكار التيار السلفي ويترقبون أيضا ما سيخرج من عباءة الاخوان من أفكار عندما يتملكون مقاليد التشريع بأيديهم في البرلمان وما سيقررونه من قيود علي الفن والسياحة! هذا الجو المضطرب الذي ينعدم فيه الثقة والأمان بين المواطنين دفع الحاقدين والموتورين إلي إشاعة مفردات الفتنة وإثارة الرعب حتي بين الأطفال.. لقد ذكرت لي ابنتي بأن صديقتها علمت من خلال المواقع الإلكترونية وبرامج التوك شو ان التيار الديني سيزج بالبنات غير المحجبات إلي السجون واللاتي تبدأ أعمارهن من 21 عاما.. لقد رأيت في ملامح وجه ابنتي الحيرة والقلق والخوف وهي في سن يجب أن تشعر فيه بالأمان والحب حتي وإن أخطأت فهي مازالت في مرحلة التعلم.. لا أظن أن الديمقراطية هي سبب هذا التوجس وإنما غياب عقود الأمان بين التيار الديني والمواطنين وترك أفكارهم دون تحديد مسار سريانها أعطي فرصة للمتآمرين والذين لا يبغون استقرارا وازدهارا لهذا الوطن أن يقوموا بتأويلها وفق أهوائهم، فسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم عندما دخل المدينة قدم معاني الخير لأهلها آخي بين المهاجرين والأنصار في ملحمة أخوة لم يشهد العالم لها حتي الآن مثيلا أقام عهدا مع اليهود يتضمن مبادئ الوفاء والصدق ولو لم يخن اليهود عهدهم لظلوا في المدينةالمنورة حتي الآن. الإشكالية ربما تخلص إلي أن الناس ظنوا ان وجود التيار الإسلامي في مجلس الشعب المنوط به التشريع سوف يقيد حريتهم ويضرب بيد من حديد علي أخطائهم وسيلزمهم السير بحذر خشية الوقوع في المحظور وأنهم سينالون أشد العقاب من خلال ما يقررونه من تشريعات صارمة وصادمة في نفس الوقت. لو عدنا إلي المادة الثانية من الدستور التي يتمسك بها جميع طوائف الشعب وهي أن مباديء الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع نجد أن هناك فرقا بين تطبيق هذه المباديء التي تتمثل في نشر العدل والمساواة والحرية بين المواطنين علي اختلاف عقائدهم وجنسياتهم ماداموا يستظلون بهذا الوطن وبين أن يطبق المشرعون الفقه بكل حذافيره علي الناس فإننا لا نستطيع أن نمنع الناس ان يخطئوا أو أن يقعوا في المعصية فأمرهم وعقابهم عند الله إن شاء عذب وإن شاء غفر، ولكن دور المشرع والهيئات الدينية أن يحث الناس علي الالتزام بالأخلاق والوفاء بالعهود ونبذ الفرقة وألا يكفر بعضنا بعضا بمجرد الاختلاف في الرأي. أما عن السياحة التي ترتجف خوفا من هروب السياح وفقد الكثير من الأيدي العاملة منها للقمة عيشه والفن الذي يشعر بالخطر إنما يدفعنا أن نمهد الأرض لقتل الخوف قبل أن يقتلنا!