كما هو معروف ومؤكد علميا وسلوكيا وارتباطا بالمصالح فإنه لا يمكن الفصل بين السياسة والاقتصاد. علي هذا الأساس ووفقا لهذا العرف فإنه ولكي يتحرك الاقتصاد ايجابيا الي الحد المعقول لأي دولة فإنه لابد ان تسود العلاقات السياسية الطيبة التي تحقق المصلحة المشتركة دون مشاكل أو هزات وليس غريبا ان تسعي الدول صاحبة التأثير علي الواقع الاقتصادي في المحيط الدولي وانطلاقا مما يوفره لها هذا التسلط الاقتصادي من نفوذ سياسي.. الي تطويع الاحداث في دول العالم لخدمة مصالحها. انها ولتحقيق هذا الهدف تلجأ إلي سلاح الضغوط الاقتصادية التي تأخذ اشكالا عدة.. منها علي سبيل المثال تقديم المال لاستقطاب المؤيدين لمخططاتها السياسية أو استخدام التضييق الاقتصادي المباشر أو من خلال الاجهزة الواقعة تحت نفوذها من اجل اثارة المشاكل في حالة الفشل في تبني القوي التي تفرزها الاحداث لسياستها. ولا يقتصر هذا السلوك في التعامل مع هذه الاصوات علي القوي الكبري التقليدية ولكن هناك ايضا الانظمة التي تتوافر لها الثروة والتي يمكن استخدامها من اجل تجنب ان تطولها هذه الاحداث.. انها وفي هذه الحالة لا تطلب نفوذا أو هيمنة الا بالقدر الذي يدرء عنها امتداد اخطار الثورات اليها. وفقا لهذه القواعد فإنه وعلي ضوء ما هو متوافر من معلومات فإن مصر وبعد احداث ثورة 52 يناير كانت ساحة لتدفق هذا المال في شكل مئات الملايين من الجنيهات. لقد قيل ان هذه النوعيات من المال كانت ممولا رئيسيا لانشطة من انشطة بعض منظمات المجتمع المدني وكذلك متطلبات المعركة الانتخابية.. ومهما قيل ان اهداف هذه الرشاوي المالية والنتائج التي تتحقق من ورائها فإن الشيء المؤكد انها لا تخدم ابدا الصالح الوطني باعتباره تدخلا في الشئون الداخلية.. ولا يمكن النظر الي الدور المنوط بهذا المال غير المشروع سوي انه مسخر للعمل مهما كانت النتائج ضد الارادة الشعبية. وعلي هذا الاساس لا توصيف للمتلقين لهذا المال سوي بأنهم عملاء وخونة. ولا يمكن انكار ان مصر وبعد قيام ثورة 52 يناير كانت هدفا لكل انواع التدخل الاقتصادي لدفعها الي الجنوح في اتجاهات سياسية معينة. وعلي ضوء ما تتعرض له من مواقف في هذا المجال فاننا وكما تابعنا فور اندلاع هذه الثورة الشعبية اتسم الاستقبال بالترحاب والانبهار واطلاق الوعود بتقديم المساعدات والقروض لمواجهة مشاكلنا الاقتصادية وتعويض ما تعرضت له مواردنا المالية من انحسار. ولكن وبعد اسابيع من الفوضي واهتزاز الاستقرار وظهور اتجاهات سياسية معاكسة لم يكن من الصعب ملاحظة التراجع في هذه الوعود والنكوص عن تفعيلها. تجسد هذا في موقف الولاياتالمتحدة التي تماطل في التنازل عن جانب من ديونها كما سبق واعلنت وكذلك عدول دول الاتحاد الاوروبي عن حماسها في تقديم المساعدات الاقتصادية التي يمكن ان تخفف من الازمة. ان ما يدل علي سوء النية في هذا التحول هو اتجاههم للوفاء بوعود المساعدات بالنسبة لتونس التي نجحت في ان تسبقنا في تحقيق الاستقرار السياسي ووضوح الرؤية في توجهاتها المعتدلة. ان ما حدث من تطورات ايجابية في تونس يؤكد تفوقها الثوري المحمود الذي اتسم بالوعي وحسن الادراك لمتطلبات الصالح الوطني وهو ما نرجوه لوطننا مصر. وللحديث بقية